ملخص
وكـ"أمة بلا دولة" يتوزع شعب الفولاني من شواطئ المحيط الأطلسي في الغرب إلى البحر الأحمر في الشرق، وهم في الأصل من البدو، منتشرين في نحو 20 دولة من السنغال إلى إثيوبيا، ومن مالي إلى نيجيريا، وعلى رغم عدم معرفة عددهم بدقة، إلا أن أعدادهم ما بين 30 و40 مليوناً، بحسب التقديرات الدولية.
ضرب العنف والاضطرابات السياسية والاقتصادية والبيئية شعوب مناطق الساحل الأفريقي الممتدة على طول الصحراء الأفريقية الكبرى، مما أثر بشدة في مجتمعات العرب والفولاني والأزواد، حيث وجدت هذه المكونات نفسها عالقة بين قمع الحكومات التي جاءت عبر انقلابات عسكرية أو ضحية استغلال الجماعات المتطرفة للمظالم المحلية لاستقطابها.
في منطقة الحدود الثلاثية في وسط مالي والنيجر وشمال بوركينا فاسو وقعت قبائل الفولاني ضحايا للعنف الإرهابي الذي يطوق منطقة الساحل الوسطى. فمنذ التوتر في شمال مالي بين الحكومة والأزواد ابتداء من عام 2012، توسع الصراع في جميع أنحاء البلدان المعنية متسبباً في اهتزاز المجتمعات التقليدية بشكل عميق.
وتغطي منطقة الساحل نحو 10 دول هي موريتانيا والسنغال ومالي وبوركينا فاسو، وكذلك النيجر وتشاد والكاميرون، إضافة إلى غامبيا وغينيا ونيجيريا، وتستحوذ على 55 في المئة من وفيات التطرف العنيف المبلّغ عنه في القارة، وفق بيانات أوردها مركز "أفريكا سنتر" الأميركي.
ويعتقد المحلل السياسي التشادي علي موسى علي، أن "التنوع العرقي والثقافي في أفريقيا، على رغم أنه مَيز القارة وأذخرها بكم هائل من الثقافات والعادات والأفكار المتنوعة، إلا أن بعض المجموعات العرقية دفعت ثمن هذا الاختلاف"، وعزى ذلك لغياب العدالة ودولة القانون في أغلب دول القارة، لا سيما دول الساحل.
ويشير موسى علي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إلى تواجد بعض القبائل التي وُسمت بالأقليات في الساحل الأفريقي، وهو ذاته نتاج الاستعمار الذي قسّم بين أبناء العم في دول رسمها وخط حدودها وفق مصلحته، ما جعلها مبعثرة ومقطعة داخل بلدان ضعيفة هُضمت حقوقها، وجعلتها تعاني كثيراً لضعفها وعدم قدرتها على التأثير.
ولفت الباحث التشادي، إلى مساهمة ذلك أيضاً في إثارة النزاعات القبلية والعرقية في الدولة الواحدة، حيث كان ذلك عائقاً كبيراً أمام استقرار الدول وتقدمها.
والمشكلة الإضافية في رأي موسى علي "مرتبطة بقيام الدولة على أسس ومفاهيم خاطئة، ورثها الاستعمار على الحكام الذين يديرون الدولة، وهي قائمة على أساس قبلي لا قانوني من خلال هيمنة القبيلة الحاكمة على السلطة والثروة والمراكز الحساسة، في حين المجموعات القبلية الاخرى تحت رحمة الحاكم".
ويعدّد مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والاستراتيجية السوداني، حسن شايب دنقس أبونا، التحديات المتفاقمة التي تعترض الأقليات العرقية والإثنية في الصحراء الكبرى ومنطقة الساحل الأفريقي بسبب التغيرات السياسية والانقلابات العسكرية، مؤكداً أن "بعض النزاعات العرقية تتشابك مع التدخلات الدولية والحركات المسلحة".
وأورد حسن شايب دنقس أبونا في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، عاملاً رئيسياً آخر، وهو الانقلابات العسكرية التي تؤدي بدورها إلى عدم الاستقرار السياسي، مما يزيد من نفوذ الميليشيات المسلحة، إضافة إلى اضطهاد الأقليات واتهامها بالتواطؤ مع الجماعات المتطرفة، إلى جانب تزايد النزاعات القبلية في تلك الدول، في ظل غياب الدولة وتصاعد السباق على الموارد والمراعي، وهو ما تسبب في تهجير أعداد كبيرة من السكان فكانت الهجرة واللجوء نحو شمال القارة وأوروبا.
ومن خلال محاولة اللعب على وتر الصراعات العرقية، أقدم تنظيم "القاعدة"، ثم ما يسمى بجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المتطرفتين التي أصبحت تجسيداً له منذ عام 2017، وكذلك تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى، على تجنيد الشباب الفولاني العاطل من العمل، في كثير من الأحيان بالقوة، وما زاد الطين بلة بالنسبة لمستقبل هؤلاء خضوع "جماعة نصرة الإسلام" لقيادة الفولاني، في ماسينا، في وسط مالي، وشمال بوركينا فاسو.
وفي رد فعل انتقامي، أدت "مطاردة الفولانيين"، الذين انخرطوا مع الإرهابيين أو الاشتباه في كونهم شركاء لهم، إلى عمليات ابتزاز وجرائم حرب، كما هي الحال في مورا، وهي قرية في وسط مالي معروفة بسوق الماشية ففي مارس (آذار) 2022، قُتل ما لا يقل عن 500 مدني فولاني على يد الجيش المالي والمرتزقة الروس من "فاغنر"، وفي قريتي نودين وسورو في بوركينا فاسو تم في 25 فبراير (شباط) 2024 إعدام 223 مدنياً معظمهم من الفولاني، على يد 100 جندي سعياً للانتقام من هجوم إرهابي.
ومن الأمثلة البارزة الأخرى ما حدث قبل سنوات، بعد أن ردت جماعة تسمى "كوجلويوجو" المسلحة للدفاع عن النفس في بوركينا فاسو على مقتل زعيم قرية وابنه بقتل أكثر من 200 مدني من الفولانيين، ودفعت مثل هذه الفظائع العديد من رعاة الفولاني الراغبين في الانتقام من سكان موسي إحدى المجموعات العرقية الرئيسية في البلد الذين ألقوا عليهم اللوم في دعم المذابح، إلى الانضمام إلى الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
وكـ"أمة بلا دولة" يتوزع شعب الفولاني من شواطئ المحيط الأطلسي في الغرب إلى البحر الأحمر في الشرق، وهم في الأصل من البدو، منتشرين في نحو 20 دولة من السنغال إلى إثيوبيا، ومن مالي إلى نيجيريا، وعلى رغم عدم معرفة عددهم بدقة، إلا أن أعدادهم ما بين 30 و40 مليوناً، بحسب التقديرات الدولية.
وفي غينيا، يشكلون ما لا يقل عن 40 في المئة من السكان، وفي أماكن أخرى، سواء كانوا يسمون الفولانيين أو الفلاتا، فإنهم أقلية بنسبة 30 في المئة في موريتانيا، و22 في المئة في السنغال، و16 في المئة في مالي.
وعلى العكس، عاشت جماعات الأزواد في مالي ولها امتدادات إلى دول الجوار في وفاق مع الشعوب الأخرى لعقود قبل أن تصبح هدفاً مباشراً لضربات الجيش المالي منذ سيطرة الانقلابيين على السلطة في باماكو، حيث تم إنهاء العمل بوثيقة السلام لعام 2015 واقترح المجلس العسكري الحاكم استبداله بحوار بين الماليين مع أقصاء الطوارق منه وملاحقة أبرز مكون مجتمعي في الصحاري بدعم من المرتزقة الأجانب، في تحد اعتبر مجحفاً في حقهم.
وبعد وصول الجيش المالي إلى السلطة في انقلاب عام 2020 في باماكو، طالبت مالي برحيل الجيوش الأجنبية ولجأت إلى روسيا ومجموعتها شبه العسكرية "فاغنر" أثناء استعادة السيطرة على أراض شمال مالي.
وفي جارتها النيجر، فجرت عملية إلقاء القبض على زعيم الجبهة الوطنية للتحرير النيجرية المتمردة محمود صلاح، الأسبوع الماضي في مدينة القطرون، جنوب ليبيا، بالقرب من الحدود مع النيجر وخمسة من رجاله، حقيقة ملاحقة النظام الحاكم في نيامي لهذا التشكيل الذي ينحدر زعيمه من قبيلة أولاد سليمان ذي الأصول العربية، وهي نفس قبيلة الرئيس المنتخب المخلوع محمد بازوم في يوليو (تموز) 2023، فبعد الانقلاب العسكري عليه ظهرت تصريحات كبار القادة في النيجر، باتهام الأخير بإرسال جنود من العرب للمشاركة في حرب السودان دعماً لقوات "الدعم السريع"، إذ تحدثت أوساط سودانية أن عددهم يصل إلى 6 آلاف مقاتل.
ومعلوم أن الأقلية العربية في النيجر، ظلت مهمشة سياسياً تعاني مرارة الترحال وحياة البداوة على خلفية عدم اعتراف الدولة بمواطنتهم، لكن ما إن وصل بازوم إلى الحكم حتى استبشر العرب خيراً بقرب حدوث انفراجة قريباً، غير أن فرحتهم لم تدم بعد حدوث الانقلاب ما أعاد تركيز السلطات الجديدة الأنظار على تحركاتهم خصوصاً من المتمردين المناصرين للنظام السابق.
ومن الصور التاريخية ما تعرضوا له عام 2006، حين قررت النيجر إبعاد 150 ألفاً من عرب "ديفا" شرق النيجر إلى تشاد بحجة أنهم ليسوا مواطنين، وكان هؤلاء هم الذين انتقلوا إلى النيجر في ثمانينيات القرن الـ20 وحصلوا على جنسيتها وقتها.
ولا تختلف حياة التبو عن القبائل الأخرى من حيث ما تتعرض له من مظالم، فهم ينتشرون في جبال تشاد الحدودية مع ليبيا وواحات شمال شرقي النيجر وأفريقيا الوسطى.
وهم من القبائل المكونة من عشائر بدوية ذات هوية زنجية عربية مختلطة الذين واجهوا الاستعمار الفرنسي بقوة خلال غزواته مطلع القرن الـ20، رافضين الانخراط في مخططاته الرامية إلى تثبيت المواطنين في تجمعات قروية للسيطرة عليهم، وواصلوا ترحالهم الدائم في بحثهم عن الكلأ لقطعان الماشية.
وفي ليبيا يبلغ تعداد التبو قرابة 350 ألفاً في الجنوب من الكفرة في أقصى الشرق إلى القطرون والويغ جنوب سبها، وجودهم في البلاد محل خلاف منذ عقود، فقد تعمد نظام معمر القذافي إقصاءهم، مع اعتبارهم وقتها أفارقة وتشاديين وغير ليبيين، إذ لم يتمكنوا من إثبات مواطنتهم الليبية بشكل قاطع وفق قوانين صيغت أساساً لإبعادهم من الحياة المدنية والسياسية.