Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

تلاعب وتقصير... لماذا لم يفرج عن كل ملفات قاتل كينيدي؟

أظهرت مراجعات لاحقة أن الوكالات لم تكشف عن جميع المعلومات المتاحة، بل وربما تعمدت إخفاء بعض الأدلة التي كانت قد تغير مسار التحقيقات

من اللحظات الأولى لإطلاق النار على الرئيس الأميركي جون كينيدي (أ ب)

ملخص

أشارت بعض الوثائق إلى أن الوكالة لم تطلع لجنة وارن على كل تفاصيل نشاطاًت أوزوالد الخارجية، وهو ما أكده تقرير اللجنة المختارة في مجلس النواب للتحقيق في الاغتيالات عام 1979، إذ أشار إلى أن تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية في قضية كينيدي كانت "ناقصة وغير كافية"

منذ البداية لعبت الهيئات الاستخباراتية الأميركية، وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)، دوراً محورياً في التحقيقات المرتبطة باغتيال الرئيس السابق جون كينيدي. ومع ذلك فإن هذا الدور لم يكن دائماً واضحاً أو شفافاً، مما أثار تساؤلات حول مدى تعاون هذه الوكالات في كشف الحقيقة أو حتى إخفاء معلومات قد تغير مسار القضية.

وفقاً لتقرير "مجلس مراجعة سجلات الاغتيالات" احتفظ مكتب التحقيقات الفيدرالي بملف عن لي هارفي أوزوالد منذ عام 1959، بعد إعلانه التخلي عن جنسيته الأميركية أثناء وجوده في الاتحاد السوفياتي. وكشفت التحقيقات لاحقاً عن وجود ملفات مرتبطة به تحت أسماء مستعارة، مثل هارفي لي أوزوالد، مما أثار شكوكاً حول ما إذا كانت هناك وثائق إضافية لم يتم الإفصاح عنها.

في المقابل لم تكشف وكالة الاستخبارات المركزية عن جميع المعلومات المتعلقة بـأوزوالد وتحركاته، بخاصة زيارته إلى مكسيكو سيتي سنة 1963، حيث التقى أفراد يعتقد أن لهم صلات بالاستخبارات السوفياتية والكوبية. وأشارت بعض الوثائق إلى أن الوكالة لم تطلع لجنة وارن على كل تفاصيل نشاطاًت أوزوالد الخارجية، وهو ما أكده تقرير اللجنة المختارة في مجلس النواب للتحقيق في الاغتيالات عام 1979، إذ أشار إلى أن تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية في قضية كينيدي كانت "ناقصة وغير كافية".

كل هذه التناقضات تطرح سؤالاً جوهرياً: هل كانت هذه الوكالات تحقق بجدية، أم أن تدخلاتها أسهمت في طمس الحقيقة؟ من خلال تحليل الوثائق التي أفرج عنها، والتدقيق في تعامل هذه الوكالات مع القضية، يمكننا إلقاء الضوء على دورها الحقيقي في هذا الملف الذي لا يزال يثير الفضول والجدل بعد أكثر من 60 عاماً.

من هو لي هارفي أوزوالد؟

إنه الشخص المتهم باغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي في الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1963. كان أوزوالد جندياً سابقاً في مشاة البحرية الأميركية، وقد جذب انتباه وكالات الاستخبارات الأميركية بسبب تحركاته غير العادية، بما في ذلك انشقاقه إلى الاتحاد السوفياتي سنة 1959 وعودته إلى الولايات المتحدة لاحقاً.

وفقاً لوثائق لجنة مراجعة سجلات الاغتيالات، كان لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ملفات عن أوزوالد تعود إلى ما قبل الاغتيال. فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفاً عنه عندما أعلن من موسكو نيته التخلي عن الجنسية الأميركية. كما أن تحقيقات لاحقة كشفت عن سجلات حول محاولات والدته إرسال أموال له أثناء وجوده في الاتحاد السوفياتي.

أما وكالة الاستخبارات المركزية فقد أكدت أنها لم تعثر على أي دليل يثبت أن أوزوالد كان عميلاً لها، لكنها احتفظت بملفات تتبع رحلاته وتحركاته داخل الولايات المتحدة وخارجها.

إحدى أبرز علاقاته كانت مع "لجنة اللعب النزيه من أجل كوبا"، وهي منظمة مؤيدة لكاسترو. كان أوزوالد العضو الوحيد المعروف في فرع نيو أورلينز لهذه اللجنة، وقام بتوزيع منشورات مؤيدة لكوبا في صيف عام 1963. كما تضمنت سجلات مكتب التحقيقات الفيدرالي عمليات لمحاولة اختراق هذه اللجنة ورصد أنشطتها.

لا تزال التساؤلات قائمة حول ما إذا كان أوزوالد عميلاً سرياً لإحدى وكالات الاستخبارات أو مجرد فرد تصرف بمفرده. أشار بعض الباحثين إلى احتمال أن تكون رحلته إلى الاتحاد السوفياتي قد تمت بتنسيق استخباراتي، لكن لجنة مراجعة سجلات الاغتيالات لم تجد أية وثائق تثبت صلته بوكالة الاستخبارات المركزية أو أن سفره كان جزءاً من عملية استخباراتية. ومع ذلك ظلت تحركاته واتصالاته محل جدل، بخاصة زيارته إلى مكسيكو سيتي في سبتمبر (أيلول) من عام 1963 ولقاؤه مسؤولين من السفارتين الكوبية والسوفياتية، وهو ما زاد الشكوك حول دوافعه وخلفياته.

تلاعب استخباراتي أم تقصير؟

أثارت الطريقة التي تعاملت بها وكالات الاستخبارات الأميركية مع التحقيقات الأولية في اغتيال الرئيس كينيدي عديداً من التساؤلات. دعمت هذه الوكالات تحقيقات لجنة وارن عام 1964، التي خلصت إلى أن لي هارفي أوزوالد تصرف بمفرده من دون مؤامرة، لكن هناك أدلة على أن التعاون لم يكن كاملاً أو شفافاً تماماً.

اعتمدت لجنة وارن بصورة كبيرة على مكتب التحقيقات الفيدرالي لإجراء التحقيقات الميدانية، وهو ما أثار انتقادات لاحقة حول حيادية التحقيق. كانت هناك مزاعم بأن الوكالة قدمت فقط المعلومات التي تدعم فرضية "المسلح الوحيد"، ولم تحقق بعمق في احتمالات التآمر. كما كانت هناك تحفظات حول الأدلة الطبية، إذ امتنعت اللجنة عن مراجعة صور الأشعة والتشريح الجنائي للرئيس كينيدي، مما أثار شكوكاً حول صدقية الاستنتاجات.

ومع أن المكتب فتح ملفاً عن أوزوالد منذ عام 1959 بعد إعلان انشقاقه إلى الاتحاد السوفياتي، ووضعه تحت المراقبة حتى وقت الاغتيال، إلا أن المكتب لم يتم اتخاذ أية إجراءات لمنعه، حتى بعد عودته من الاتحاد السوفياتي واتصاله بمجموعات سياسية مثيرة للريبة. كما أنه تم تدمير وفقد بعض السجلات المرتبطة برحلات أوزوالد وارتباطاته، مما زاد من الشكوك حول طبيعة مراقبته.

أما وكالة الاستخبارات المركزية فقد كانت أكثر تحفظاً في تعاملها مع التحقيق، حيث تم لاحقاً الكشف عن أنها لم تسلم جميع السجلات المتعلقة بـأوزوالد إلى لجنة وارن، بخاصة تلك المرتبطة بزيارته إلى مكسيكو سيتي عام 1963.

وعلى رغم وجود مراقبة استخباراتية مكثفة، لم تقدم الوكالة صوراً موثقة لزيارته، وزعمت أن التسجيلات الصوتية للمكالمات قد تم مسحها قبل الاغتيال، وهو ما شكك فيه عديد من المحققين لاحقاً. بعد ذلك، أجبرت الوكالة على الكشف عن ملفات جديدة، لكن ظلت هناك فجوات في المعلومات، مما أدى إلى استمرار الجدل حول مدى معرفتها المسبقة بتحركات أوزوالد.

أسهمت قيود لجنة وارن واعتمادها على مكتب التحقيق الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية في تعزيز الشكوك حول صدقية نتائجها، إذ لم تفرج الوكالات عن جميع الملفات إلا بعد عقود من التحقيق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إعادة فتح التحقيق وإثارة نظرية المؤامرة

في عام 1976 أعيد فتح التحقيق في اغتيال الرئيس كينيدي عبر لجنة مجلس النواب المختارة للاغتيالات، وسط تصاعد الشكوك حول نتائج لجنة وارن. استمرت التحقيقات لثلاث سنوات، وانتهت اللجنة عام 1979 إلى استنتاج مثير للجدل بأن هناك "احتمالية عالية" لوجود مؤامرة وراء الاغتيال.

كشفت اللجنة عن تناقضات خطرة في تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية حول أوزوالد، بخاصة فيما يتعلق بمراقبته واتصالاته في الفترة التي سبقت الاغتيال. انتقدت لجنة مجلس النواب أداء لجنة وارن ومؤسسات الاستخبارات، مشيرة إلى أن التحقيقات الأولية كانت قاصرة ولم تفحص بعض الأدلة بعمق.

استندت لجنة مجلس النواب إلى أدلة صوتية مأخوذة من تسجيلات راديو شرطة دالاس، والتي اقترحت أن طلقتين في الأقل أطلقتا على كينيدي من مواقع مختلفة، مما يعني وجود أكثر من مسلح واحد. وعلى رغم أن اللجنة لم تتمكن من تحديد جميع المتآمرين المحتملين، فإنها أكدت صحة نظرية الرصاصة الواحدة التي كانت أساس استنتاج لجنة وارن، لكن لجنة مجلس النواب لم تستبعد احتمال تورط جهات أخرى، بما في ذلك الجريمة المنظمة.

تسبب تقرير اللجنة بتفاقم الجدل حول اغتيال كينيدي، وأدى لاحقاً إلى تشريعات مثل قانون سجلات اغتيال جون كينيدي (JFK Act) عام 1992، الذي فرض الإفراج عن الوثائق السرية المتعلقة بالقضية.

أدى هذا القانون إلى الكشف عن آلاف الوثائق، لكنه أظهر أيضاً أن بعض المعلومات كانت محجوبة عمداً، إذ سمح لبعض الوكالات بتأجيل نشر بعض السجلات "في الحالات النادرة فقط".

وعلى رغم مرور أكثر من ستة عقود على الاغتيال، لا تزال بعض الوثائق المتعلقة بالقضية سرية، بحجة الأمن القومي وحماية مصادر الاستخبارات. هذا التأجيل المستمر أسهم في تعميق شكوك الجمهور حول دور الوكالات الاستخباراتية ومدى تورطها في التستر على حقائق مهمة ودقة الرواية الرسمية للاغتيال.

مع استمرار رفع السرية عن بعض الوثائق ببطء، يبقى السؤال الأكبر: هل ستكشف جميع الأسرار يوماً ما؟ وهل ستغير هذه المعلومات نظرتنا إلى واحدة من أكثر الجرائم إثارة للجدل في التاريخ الأميركي؟

المزيد من تقارير