ملخص
لم تكن الفيدرالية فكرة طارئة بعد سقوط الأسد، بل عاشت البلاد منذ اندلاع الصراع المسلح أربع حكومات (أمر واقع) فرضت نفسها من خلال الأزمة السورية على مر السنوات الماضية.
قبل 10 أيام من إطلاق عملية ردع العنوان في سوريا، أي يوم الـ16 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ونجاحها لاحقاً في إطاحة نظام بشار الأسد، التفت تيارات سياسية معارضة حول طاولة واحدة للمناداة بصيغة جديدة لإدارة البلاد بالاعتماد على "اللامركزية" في مدينة السويداء جنوباً.
آنذاك كانت السويداء تعيش عاماً كاملاً محاصرة من قوات النظام السابق رداً على حراك سلمي شعبي رافض لحكم الأسد، وظلت السلطة الحاكمة في السويداء ذاتية الإدارة في شؤونها المحلية.
هذه التيارات السياسية المعارضة دعت إلى تشكيل تحالف محلي لمتابعة مخرجات الاجتماع الهادف إلى تطبيق نظام سياسي جديد في ظل الاستعصاء الحاصل في السويداء، في وقت طوقت الأجهزة الأمنية والجيش في النظام السابق المحافظة وحاصرتها، ولم يدخلها بعدما طرد متظاهرون عناصر المدينة الأمنية.
فن الممكن
في غضون ذلك لم تكن الفيدرالية فكرة طارئة بعد سقوط بشار الأسد، بل عاشت البلاد منذ اندلاع الصراع المسلح أربع حكومات (أمر واقع) فرضت نفسها من خلال الأزمة السورية على مر السنوات الماضية.
قبل أشهر حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع رئيس التيار الفيدرالي السوري طارق الشوفي في أعقاب اجتماع التيارات السياسية، لكنه اكتفى حينها بتأكيد أن الاجتماع يأتي للمحافظة على البلاد ومنعها من التقسيم إلى دويلات عبر طرح الفيدرالية في ذلك الوقت للحفاظ على ما وصفه بـ"سوريا الاتحادية" وطرح الحل على مستوى داخلي، ونبه إلى أن هذه الفكرة (التي طرحت قبل سقوط النظام) بحاجة إلى دعم دولي من أجل تنفيذها بصورة واضحة.
واليوم تتجه أنظار السوريين إلى السويداء وسط عدم اتفاق مع الإدارة الجديدة، بينما اتجه وفد ديني درزي إلى إسرائيل بغرض زيارة قبر "النبي شعيب" في بلدة جولس بالقرب من طبريا في الجليل الأسفل عبر ثلاث حافلات من خلال معبر عين التينة في الجولان باتجاه قرية حضر السورية عند الشريط الفاصل مع إسرائيل قبل أن يصل إلى مجدل شمس في الجولان المحتل.
تلك الزيارة مع التلويح الإسرائيلي الدائم حيال دعم الطائفة الدرزية في سوريا، وإنزال العلم السوري في السويداء، علاوة على استمرار المحافظة ذاتية الحكم عدا عن اتفاق بين أبناء الطائفة والإدارة الجديدة بإعادة عمل قوى الأمن الداخلي كلها مؤشرات على استمرار واقع الحال في المنطقة.
اللامركزية كحل
من الجنوب إلى الشمال الشرقي وتجربة الإدارة الذاتية الكردية، التي سعت طوال فترة الحرب إلى الاستقلال بقرارها بعيداً من دمشق، بل وشكلت عقداً اجتماعياً خاصاً بها، وسط تضارب بالآراء حيال الاتفاق الجديد بين الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي.
رئيس حزب الوسط الكردي عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي شلال كدو قال في حديث خاص حول الفيدرالية المطروحة إن اللامركزية مشروع وطني بامتياز شديد، ومما لا لبس فيه فإن معظم مكونات الشعب السوري ترغب في "سوريا اللامركزية".
وأضاف "نحن جميعاً رأينا منذ الدولة السورية الحديثة ماذا فعل النظام المركزي في بلادنا؟ أدى ذلك إلى احتقان وتسلط ديكتاتوريات على رقاب الشعب فجرت ثورة عارمة استمرت 14 عاماً وراح إثرها مئات الآلاف من القتلى وتشريد ملايين داخلياً وخارجياً، ولهذا النظام اللامركزي هو البلسم الحقيقي للجراح السوري ومشروع وطني بامتياز، وسنضغط في هذا الاتجاه حتى يتوافق السوريون لتبني مشروع اللامركزية".
في هذه الأثناء اعتبر كدو أن اللامركزية لا تحتوي على عيوب نهائياً، ولعل التجارب في البلدان المجاورة، ولا سيما في دول ذات مكونات إثنية أو دينية أو مذهبية وغير ذلك، له أوجه إيجابية، وتابع "نمد جسور الثقة بين المكونات الشعبية سواء المذهبية والعرقية بعد سنوات الحرب، ومن هنا فإن النظام اللامركزي من شأنه أن يخلق حالة وطنية ومتضامنة، وأن يعيد وحدة البلد أرضاً وشعباً".
اقرأ المزيد
- حكومة أحمد الشرع بين الشرعية الثورية والاعتراف الدولي
- الوحدة أم التقسيم: إلى أين تبدو سوريا أقرب اليوم؟
- هل يعفي الاحتضان العربي سوريا من ثقل الاشتراطات الإقليمية؟
- بنظرة قانونية... هل يلبي الإعلان الدستوري تطلعات السوريين؟
- المهاجرون السوريون بعد سقوط الأسد... التباس الانتماء
- كيف تبدو تركيبة الجيش السوري الجديد بعد دمج الفصائل؟
- عن التحول الدراماتيكي في الشخصية بين الشرع القديم والجديد
حرية الاختيار
إزاء ذلك نبه معهد واشنطن للدراسات إلى ضرورة اختيار الفيدرالية كمسار أنسب لإعادة إعمار البلاد، وتجنب تكرار أخطاء النظام السابق. ورجح في تقرير أعده الأستاذ المشارك مدير الأبحاث في جامعة ليون فابريس بالونش أنه "إذا أراد الشرع عدم تكرار أخطاء الأسد فقد يضطر إلى اللامركزية الحقيقية للسلطة، وإقامة نظام فيدرالي على رغم أن هذا قد يثير أسئلة حول تخصيص الموارد".
بالعودة لعضو الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي شلال كدو أوضح أن النظام اللامركزي لا يؤدي إلى تقسيم البلدان كما يظن بعضهم، ولعل الهند مثال على ذلك فيها مئات الفيدراليات واللغات وهي أرض واحدة، ولا يوجد خطر عليها من هذا النظام كما توجد بلدان عربية مثل الإمارات، مضيفاً "صحيح أن الشعب الإماراتي مكون واحد لكنه اتبع النظام اللامركزي وأثبت نجاحه".
وضع استباقي
في المقابل رأى الباحث في القانون الدولي فراس حاج يحيى أنه من المبكر الحديث عن نوع وشكل نظام الحكم في سوريا في هذه المرحلة، فالشمال الشرقي خارج سيطرة الحكومة، وإسرائيل تواصل تقدمها وقضمها للأراضي السورية، والعقوبات لم ترفع بعد، في حين أن الوضع المعيشي والخدمي والصحي لم يتحسن، بينما المهجرون والنازحون لم يعودوا لديارهم، واليوم كل هذا هي أولويات المواطن في الداخل والخيم ودول اللجوء وهذا المطلب الأساسي من الحكومة بالمرحلة الحالية والمتوسطة القادمة كأولوية.
ومن فرنسا قال حاج يحيى إن "المسار السياسي ينبغي أن يسير ببطء مع هذه الخطوات وصولاً إلى دستور دائم ينبثق من عقد اجتماعي سوري جديد تحدده كل مكونات الشعب من دون إقصاء من خلال العمل السياسي والمدني، وتقوده الحكومة الانتقالية، وكنتيجة له نكون أمام مرحلة تحديد شكل الدولة ونظام حكمها الذي يتوافق عليه السوريون سواء دولة لا مركزية أم غيرها".
هنا لا بد من إدراك تاريخ سوريا وقراءته بصورة جيدة لفهم المستقبل، فسوريا مع بداية احتلال فرنسا لها عام 1922 قسمتها إلى أربع دول، وهي (دمشق وحلب ودولة الدروز ودولة العلويين)، ثم في عام 1935 اكتمل توحيدها من جديد في دولة واحدة، سبب ذلك عدم وجود مقومات لدى هذه الدول لتكون دولاً بذاتها لانعدام المقومات، وفق الباحث في القانون الدولي.
قفزة في الهواء
هنا يتساءل الباحث القانوني فراس حاج يحيى عن مدى إتمام الفيدرالية عبر فرضها على السوريين أم استفتاء لكل واحد منهم، قائلاً "لكن أين هم السوريون اليوم ليتم تنظيم جدول انتخابي لهم للإدلاء بأصواتهم، وأين هي البيئة الآمنة والمحايدة والهادئة في البلاد حالياً للمطالبة بالفدرلة".
وختم حديثه "كل ما يقال في هذه المرحلة عن فدرلة أو غيرها يمثل قفزة في الهواء للهرب من الواقع الحالي، واستقواء بالخارج مع تناسي من يطالب بذلك الوضع الإقليمي وعدم إمكان نشر مثل هذا النموذج في الإقليم، إذ لا مصلحة لأية دولة من دول الجوار بمثل هذا الحل وإنما يتم ترويجه فقط لنشر الفوضى وزعزعة الاستقرار، فشكل الدولة ونظام حكمها يحدده الدستور الدائم الذي ينبغي أن يكون في نهاية المرحلة الانتقالية، ويصوت عليه كل السوريين من دون إقصاء أو تهميش".