Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

اقتصاد تونس في قلب العاصفة في 2025

انخفاض عدد من المؤشرات الاقتصادية بصورة لافتة وارتفاع العجز التجاري مع الصين إلى 3 مليارات دولار

اتساع العجز التجاري ليصل إلى 1.1 مليار دولار في ظرف شهرين (أ ف ب)

ملخص

يعكس إعفاء المدوري من مهامه عدم رضاء الرئيس التونسي عن أدائه أمام مجمل الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة التي تواجهها البلاد وعدم حلحلة عدد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية الشائكة، فضلاً عن عدم تفكيك ما وصفه قيس سعيد بالعصابات والمفسدين الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة وفق تعبيره

مع بداية العام الجديد وقرب اكتمال الربع الأول من العام الحالي تبدو مؤشرات تونس الاقتصادية غير مريحة، مع تسجيل نتائج عكسية في وقت تتطلع البلاد إلى تحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود للخروج من بوتقة المؤشرات المتواضعة في قطاعات اقتصادية عدة.

يأتي ذلك، بالتوازي مع إقالة الرئيس التونسي قيس سعيد لرئيس وزرائه كمال المدوري فجر أمس الجمعة وتعيين المهندسة سارة الزعفراني وزيرة التجهيز والإسكان خلفاً له.

وهي المرة الثانية التي تتولى فيها امرأة رئيسة للحكومة التونسية في تاريخ البلاد إثر نجلاء بودن.

ويعكس إعفاء المدوري من مهامه عدم رضاء الرئيس التونسي عن أدائه أمام مجمل الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة التي تواجهها البلاد وعدم حلحلة عدد من الملفات الاجتماعية والاقتصادية الشائكة، فضلاً عن عدم تفكيك ما وصفه قيس سعيد بالعصابات والمفسدين الذين تغلغلوا في مفاصل الدولة وفق تعبيره.

وفي الوقت الذي تخطط فيه تونس إلى تحقيق معدل نمو عند 3.2 في المئة في العام الحالي، إلا أن تذبذب المؤشرات الاقتصادية ووفق توقعات جل المؤسسات المالية الدولية تشير إلى صعوبة بلوغ هذه النسبة.

ارتفاع سريع للعجز التجاري

وارتفع العجز التجاري لتونس خلال الشهرين الأولين من عام 2025 إلى 3.5 مليار دينار (1.1 مليار دولار)، من بينها 1.8 مليار دينار (600 مليون دولار) عجز الميزان الطاقي مقارنة بعجز خلال الفترة نفسها من العام الماضي 1.7 مليار دينار (566 مليون دولار).

وأبرزت النتائج التي نشرها معهد الإحصاء، أن عجز الميزان التجاري من دون احتساب قطاع الطاقة ينخفض إلى حدود 1.6 مليار دينار فيما بلغ العجز التجاري لقطاع الطاقة 1.8 مليار دينار مقابل 1.8 مليار دينار خلال الشهرين الأولين من 2024.

ويسجل هذا العجز، وفق بيانات نشرها معهد الوطني الحكومي حول التجارة الخارجية، في ظل تراجع الصادرات بنسبة 4.4 في المئة إلى 10 مليارات دينار (3.3 مليار دولار) وزيادة في قيمة الواردات بنسبة 10.2 في المئة لتصل إلى 13.6 مليار دينار (4.5 مليار دولار).

وبلغت نسبة تغطية الواردات بالصادرات في تونس خلال يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين قرابة 74.3 في المئة مقابل 85.7 في المئة خلال الفترة نفسها من عام 2024.

وقدرت قيمة الصادرات 10 مليارات دينار، في نهاية فبراير الماضي 2025، مقابل 10.6 مليار دينار (3.5 مليار دولار) خلال الشهرين الأولين من عام 2024.

ويفسر هذا الانخفاض المسجل على مستوى الصادرات خلال الشهرين الأولين من عام 2025، بالأساس، بتقلص صادرات قطاع الطاقة بنسبة 5.1 في المئة نتيجة تراجع صادرات المواد المكررة.

تأثير في التوازنات المالية

ومن ضمن أسباب اتساع العجز التجاري بصورة متسارعة مع بداية العام الجديد اتساع التوازن التجاري مع الصين، إذ إن العجز التجاري المتزايد مع بلد المليار وربع ساكن، الذي تجاوز عتبة الـ3 مليارات دولار، يؤثر سلباً في التوازنات المالية بدليل تآكل احتياط البلاد من العملة الأجنبية.

ولذلك، يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي، أن الأمر اللافت أن تونس ما انفكت تسجل عجزاً هيكلياً كبيراً مع الصين وروسيا مما يؤثر سلباً في التوازنات المالية في البلاد.

وقال الشكندالي إلى "اندبندنت عربية" إن "العجز مع الصين وروسيا بات يمثل حملاً مهماً على اقتصاد تونس العليل في ظل هذه الأرقام المقلقة"، موضحاً "في المقابل، صارت تونس تعول كثيراً على الصين في بناء العديد من المشاريع الكبيرة في البلاد تتعلق بالبنى التحتية، غير أن العلاقة التجارية مختلة بين الطرفين".

وأشار إلى أن هذا الاختلال يؤدي إلى تزايد العجز التجاري، ويضعف الصناعة المحلية التي تجد نفسها غير قادرة على منافسة المنتجات الصينية الأرخص.

وتابع الشكندالي أن تدفق المنتجات الصينية بكثافة إلى السوق التونسية يؤثر سلباً في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ تغرق السوق بسلع منخفضة السعر، مما يضعف فرص الشركات التونسية في الصمود.

وفي ما يتعلق بالعجز مع روسيا فأرجعه الشكندالي أساساً إلى توريد تونس للمنتجات البترولية والقمح، إذ تعول تونس على واردات الطاقة والمواد الأولية الروسية، مما يجعلها عرضة للتقلبات في الأسعار وظروف السوق الدولية.

تقييم بعض الاتفاقات التجارية

من جانبه، كشف وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد، أنه يتم حالياً العمل على تقييم بعض الاتفاقات التجارية مع البلدان الشقيقة والصديقة ومراجعتها بما يستجيب لطموحات تونس فضلاً عن العمل على دفع الصادرات من خلال مرافقة المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتنويع المنتجات التصديرية والبحث عن فرص جديدة.

ولم يفصح الوزير التونسي خلال حضوره أخيراً لجلسة حوار مع أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة الثانية) عن الدول التي تعتزم تونس مراجعة الاتفاقات التجارية معها أو تقديم رزنامة في الغرض.

اقرأ المزيد

وتعاني البلاد عجزاً تجارياً مهماً مع بعض البلدان، على غرار الصين (3 مليارات دولار) وروسيا (1.7 مليار دولار) والجزائر (1.4 مليار دولار)، وتركيا (0.9 مليار دولار)، والهند (0.4 مليار دولار)، وأوكرانيا (0.4 مليار دولار) وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء في نهاية عام 2024.

ويرجع ارتفاع العجز التجاري لتونس، إلى ارتفاع واردات مواد الطاقة، بنسبة 9.1 في المئة، ومواد التجهيز، بنسبة 5.6 في المئة، والمواد الاستهلاكية، بنسبة 6.3 في المئة، في المقابل، سجلت واردات المواد الأولية ونصف المصنعة انخفاضاً (المخصصة للاستثمار)، بنسبة 2.6 في المئة.

الاتفاق مع تركيا

واتفقت تونس وتركيا في ديسمبر (كانون الأول) 2023 على تعديل اتفاق التجارة الحرة الموقع بينهما في عام 2004، وذلك في خطوة تهدف إلى حماية المنتجات الصناعية والفلاحية (الزراعية) التونسية.

وأوضحت وزارة التجارة في بيان لها أن اتفاق تعديل اتفاق التجارة الحرة التونسية- التركية، الذي وقعته وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية كلثوم بن رجب قزاح، مع نظيرها التركي عمر بولات، ينص على تعديل اتفاق التجارة الحرة من خلال إقرار ثلاثة إجراءات أساسية تتمثل، أولاً، في مراجعة قائمة من المنتجات الصناعية التي لها مثيل مصنع في تونس من خلال إخضاعها مجدداً للرسوم الجمركية لمدة خمس سنوات.

ويتضمن هذا الإجراء زيادة الرسوم الجمركية من 0 في المئة، حالياً، إلى نسب تتراوح ما بين 27 في المئة و37.5 في المئة، مما يمثل 75 في المئة من الرسوم المطبقة في النظام العام أي التعريفات القياسية للدولة الأكثر رعاية.

ويتعلق الإجراء الثاني من الاتفاق بمراجعة قائمة المنتجات الزراعية من خلال موافقة الجانب التركي على دعم الصادرات التونسية نحو تركيا في صورة حصص سنوية معفية تماماً من الرسوم الجمركية.

أما الإجراء الثالث من هذا التعديل، فهو ينص على دعم الاستثمارات التركية في تونس، وتنظيم منتدى استثماري تونسي- تركي للتعريف بالمشاريع والفرص الاستثمارية في تونس لدى الممثلين والمستثمرين الأتراك.

تراجع احتياط العملة الأجنبية

في غضون ذلك، تراجع احتياط تونس من العملة الأجنبية ليغطي 98 يوم توريد ما يعادل 22.4 مليار دينار (7.4 مليار دولار) وفق بيانات البنك المركزي التونسي إلى حدود يوم 21 مارس (آذار) 2025 وهو لم يحدث تقريباً منذ العامين الأخيرين، إذ استقرت مدخرات البلاد من رصيد العملة الأجنبية إلى أكثر من 100 يوم.

وتزامن انخفاض رصيد العملة الأجنبية مع تراجع عدد من المؤشرات المالية والاقتصادية لتونس منذ بداية العام الحالي، خصوصاً ارتفاع العجز التجاري والطاقي للبلاد في شهري يناير وفبراير 2025.

اهتزاز المعاملات التجارية

ومن ضمن عوامل اهتزاز الوضع الاقتصادي دخول القانون الجديد للصكوك البنكية الذي أربك بشهادة المتخصصين المعاملات التجارية في البلاد، مما يهدد مستقبل العديد من القطاعات وفي مقدمتها قطاع التجارة وتجارة تزويد المواد الغذائية والقطاع الصحي في علاقة بالمصحات الخاصة.

وأربك القانون الجديد للصكوك البنكية في فبراير الماضي العديد من التعاملات، وأثر في نسق عمل العديد من الشركات التي وجدت نفسها أمام وضعية جديدة لم تكن متعودة عليها في السنوات الماضية باستخدام الصكوك كوسيلة ضمان ووسيلة دفع مؤجلة من أجل تسيير تجارتها.

وفي هذا الإطار، أظهرت بيانات البنك المركزي التونسي تراجع المعاملات بواسطة الصكوك البنكية في ظرف أقل من شهر بنسبة 94 في المئة جراء القانون الجديد للشيكات البنكية.

تراجع صادرات زيت الزيتون

ومن بين ملامح الوضعية المقلقة للاقتصاد التونسي مع بداية العام الحالي، فقدانه أحد أبرز أسلحته التجارية، ألا وهو صادرات زيت الزيتون (الذهب الأخضر)، إذ بلغت عائدات تصدير زيت الزيتون، منذ بداية الموسم في فبراير 2025، ما قيمته 1691.4 مليون دينار (653.8 مليون دولار) بتراجع بنسبة 26.8 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من الموسم الماضي، وفق ما أظهرته معطيات المرصد الوطني للفلاحة الحكومي، ويرجع تراجع عائدات التصدير، أساساً، بتراجع متوسط سعر زيت الزيتون، إذ إن الأسعار تراجعت بنسبة 54.9 في المئة خلال فبراير 2025، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024 وتراوح متوسط أسعار زيت الزيتون، ما بين 8.5 دينار (2.8 دولار) للكيلوغرام و18.7 دينار (6.2 دولار) للكيلوغرام، وفق الأصناف.