Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

هل يبقى الدولار ملكا للعملات؟

تظل سياسات ترمب العامل الحاسم في تحديد ما إذا كانت العملة الأميركية ستحافظ على مكانتها للاحتياط العالمي

يعتمد مستقبل الدولار على مدى التزام القادة الأميركيين بسيادة القانون واحترام فصل السلطات (اندبندنت عربية)

ملخص

شهدت حصة الولايات المتحدة من الصادرات العالمية انخفاضاً كبيراً منذ أوائل الخمسينيات إذ تراجعت من 18 إلى 11 في المئة.

عندما يسعى الاقتصاديون إلى تفسير الدور البارز للدولار كعملة عالمية رئيسة، فإنهم يشيرون إلى عوامل هيكلية مثل حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو عمق وسيولة أسواقها المالية. هذا النهج يدعم وجهة النظر المتفائلة لعديد من المشاركين في الأسواق المالية، والتي تفيد بأنه مهما كانت الظروف، فطالما بقيت الولايات المتحدة الاقتصاد الرائد عالمياً، فسيظل الدولار ملاذاً آمناً.

يقول المتخصص في الشأن الاقتصادي والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا بيركلي ومؤلف كتاب "الامتياز الباهظ: صعود وسقوط الدولار" باري إيتشنغرين لصحيفة "فاينانشيال تايمز" في تقرير مطول عن تاريخ ولادة الدولار الأميركي والتحديات التي تواجه عملة أكبر اقتصاد في العالم، والمخاوف التي تهدد بقاء الدولار على عرش العملات العالمية، إن الإدارة الثانية لدونالد ترمب تذكر بأن الأرقام وحدها لا تكفي، فكما يقول المؤرخون، "صعود العملات الدولية أو سقوطها لا تحدده الأسواق أو الاقتصادات بصورة مجردة، بل تحكمه أفعال الأفراد".

من بين الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في تشكيل مكانة الدولار عالمياً، يبرز اسم المصرفي الألماني - الأميركي المتحدر من عائلة واربورغ المصرفية العريقة في هامبورغ، بول واربورغ. بدأ واربورغ حياته المهنية في عالم المال في هامبورغ وباريس ولندن، قبل أن يتزوج من عائلة كوهن، لوب المصرفية الشهيرة عام 1895، ويهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1902.

وأدرك واربورغ، من خلال خبرته الواسعة في الأسواق المالية الدولية، الفوائد التي جنتها بريطانيا من موقع لندن كمركز رئيس للائتمان التجاري والتمويل الاستثماري للتجار والمصرفيين في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي كانت تعتمد بالكامل تقريباً على لندن والجنيه الاسترليني في تمويلها الدولي.

وكحال عديد من المواطنين المجنسين، كان واربورغ مخلصاً بشدة لوطنه الجديد، لكنه كان قلقاً من أن اعتماد الاقتصاد الأميركي على لندن والجنيه الاسترليني يجعله عرضة لصدمات خارجية لا يمكنه التحكم فيها، وأدرك أن جاذبية لندن كمركز مالي عالمي لم تكن مجرد صدفة، بل كانت تستند إلى الدور الحاسم الذي لعبه بنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني)، الذي كان مستعداً دائماً للعمل كمقرض الملاذ الأخير، مما يضمن السيولة والاستقرار في السوق.

ومن هذا المنطلق فإن أي محاولة أميركية لتعزيز الدور الدولي للدولار كانت محكومة بالفشل في ظل غياب بنك مركزي قادر على أداء هذا الدور.

وبدءاً من عام 1906، أصبح بول واربورغ أحد أبرز الداعمين لإنشاء بنك مركزي أميركي، إذ جادل بأن إحدى الوظائف الأساسية لهذه المؤسسة يجب أن تكون تطوير سوق للأدوات الائتمانية المقومة بالدولار لتمويل التجارة الدولية. واعتمد مصطلحات أوروبية في وصف هذه الأدوات المالية، مشيراً إليها باسم "قبولات تجارية"، متوقعاً أن يقوم البنك المركزي "بقبول" أو شراء هذه السندات كوسيلة لتعزيز سوق الائتمان التجاري الجديد.

وكتب واربورغ مقالات صحافية وألقى خطباً في منتديات عامة، متغلباً على خجله الناجم عن لهجته الإنجليزية الثقيلة، وفي عام 1910، كان من بين مجموعة صغيرة من المتخصصين الذين اجتمعوا في جزيرة جيكل، قبالة ساحل جورجيا، لوضع الأسس التي أدت لاحقاً إلى إصدار قانون "الاحتياطي الفيدرالي". وفي عام 1914، أصبح عضواً مؤسساً في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إذ أسهمت القوانين التي صاغها في تمكين البنك المركزي من شراء القبولات التجارية المقومة بالدولار لدعم السوق.

وبحلول عشرينيات القرن الماضي توسعت هذه السوق إلى درجة أن قيمة القبولات التجارية بالدولار باتت توازي، وفي بعض السنوات تفوق، قيمة القروض التجارية المقومة بالاسترليني والصادرة من لندن، لكن مكانة الدولار كمنافس للجنيه الاسترليني تعرضت لانتكاسة في ثلاثينيات القرن الـ20، عندما انسحب "الاحتياطي الفيدرالي" من سوق القبولات التجارية، شهدت الولايات المتحدة سلسلة من الأزمات المالية والمصرفية المدمرة.

خرجت أميركا من الحرب العالمية الثانية كالقوة العظمى الوحيدة في العالم الغربي، مما خلق فرصة جديدة لصعود الدولار، لكن هذا التحول لم يكن ليكتمل من دون تدخل شخصية أخرى محورية هاري دكستر وايت، الذي لعب دوراً أساساً في ترسيخ المكانة الدولية للعملة الأميركية.

هاري دكستر مهندس النظام النقدي

على عكس واربورغ الذي نشأ في عائلة مصرفية مرموقة، جاء هاري دكستر وايت من خلفية أكثر تواضعاً، فقد كان والده مهاجراً ليتوانياً بدأ حياته كبائع متجول قبل أن يفتتح متجراً للأدوات المنزلية. وعلى رغم شخصيته الحادة، خاض وايت مسيرة أكاديمية غير مثمرة قبل أن ينضم إلى وزارة الخزانة الأميركية عام 1934، إذ عمل تحت إشراف هنري مورغنثاو، ليترقى لاحقاً إلى منصب مساعد وزير الخزانة، ويتولى المسؤولية الكاملة عن الشؤون الاقتصادية والمالية الدولية المتعلقة بالحرب العالمية الثانية.

وخلال الحرب، صاغ وايت الخطة التي أصبحت، مع بعض التعديلات، الأساس الأميركي لإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونظام "بريتون وودز"، وهي المؤسسات التي أرست النظام النقدي العالمي بعد الحرب، ورسخت هيمنة الدولار.

الدور الأميركي في "بريتون وودز"

لم يكن بإمكان الولايات المتحدة فرض خطتها من دون مفاوضات مع الدول الأخرى الحاضرة في مؤتمر "بريتون وودز" النقدي الذي انعقد في نيوهامبشاير عام 1944. وكان على وايت مواجهة المفاوض البريطاني جون ماينارد كينز، لكن عناصر أساسية من خطته وجدت طريقها إلى الاتفاق النهائي.

سعى وايت إلى جعل الدولار العملة الدولية الوحيدة القابلة للتحويل بصورة كاملة ضمن النظام الجديد، وفي مسودة مبكرة للاتفاق، ورد أن أسعار الصرف يجب أن تربط بالذهب أو بـ"عملات قابلة للتحويل إلى الذهب". وعندما أشار الاقتصادي البريطاني دينيس روبرتسون إلى أن الدولار قد يكون العملة الوحيدة القابلة للتحويل إلى الذهب بعد الحرب، أدرك وايت الفرصة المتاحة لترسيخ موقع العملة الأميركية. قضى وايت وفريقه الليل بأكمله في إعادة صياغة الاتفاقية، مستبدلين عبارة "عملات قابلة للتحويل إلى الذهب" بعبارة "الذهب... أو الدولار الأميركي بوزنه ودرجة نقاوته كما كان سارياً في الأول من يوليو (تموز) 1944"، مما جعل الدولار محور النظام النقدي العالمي.

تعزيز الهيمنة الأميركية بعد الحرب

لم يكن استمرار هيمنة الدولار بعد الحرب مجرد نتيجة لمؤتمر "بريتون وودز" أو لمجهودات وايت وحده، بل احتاجت أوروبا إلى خطة مارشال لتوفير السيولة الدولارية التي مكنتها من استئناف المدفوعات الدولية وإعادة دمج اقتصاداتها في النظام العالمي. تجاوز القادة الأميركيون رفض الكونغرس للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية عبر إقرار الاتفاق العام للتعريفات والتجارة (GATT) الذي شك حجر الأساس للنظام التجاري العالمي المفتوح.

طمأن دعم الولايات المتحدة لجهود التكامل الأوروبي وإنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية صناع القرار الأوروبيين في شأن الاعتماد على عملة شريك تحالف موثوق. وأكدت منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن واشنطن لم تكن مجرد شريك اقتصادي، بل كانت أيضاً حليفاً جيوسياسياً يمكن الاعتماد عليه، سواء من حيث الالتزامات الدفاعية أو استقرار عملتها.

وعلى رغم انهيار نظام "بريتون وودز" عام 1971 وانتهاء ربط العملات بالدولار، استمرت هيمنة العملة الأميركية عالمياً، مدعومة بالمؤسسات التي بناها واربورغ ووايت وغيرهما، بما في ذلك "الاحتياطي الفيدرالي" المستقل، والنظام التجاري المفتوح، والتحالفات الجيوسياسية القوية.

استمد الدولار قوته ليس فقط من الأرقام الصافية، مثل الحصة الكبيرة للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي والتعاملات المالية، بل أيضاً من العلاقات المتشابكة والتبادل المتوازن للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية التي عززت مكانته كعملة عالمية لا تزال تهيمن حتى اليوم.

سياسات ترمب والهيمنة العالمية للدولار

يقول إيتشنغرين إن دونالد ترمب لم يحتاج سوى بضعة أشهر ليضعف – إن لم يدمر – العلاقات والتوازنات التي قامت عليها هيمنة الدولار لعقود، فترمب ومسؤولوه يعيدون النظر في القيم والترتيبات التي دعمت الهيمنة النقدية الأميركية لما يقارب القرن، مما يثير للمرة الأولى في الذاكرة الحديثة الشكوك حول استمرارية المؤسسات التي تستند إليها قوة الدولار.

وكثيراً ما تفوقت الولايات المتحدة اقتصادياً على الدول المتقدمة الأخرى، إذ تحتضن أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، وتقود أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتمتلك بيئة أعمال صديقة للشركات الناشئة وثقافة تسمح لرواد الأعمال بتجربة الفشل والعودة بقوة، علاوة على أن قطاع رأس المال المغامر فيها من بين الأكثر تطوراً، مما يسهم في تمويل الابتكارات الجديدة، ناهيك بكونها وجهة جاذبة للمواهب الأجنبية.

ويوضح إيتشنغرين أنه لا يوجد ضمان بأن ما كان صحيحاً في الماضي سيبقى كذلك في المستقبل، إذ يشهد قطاع الأبحاث العامة في الولايات المتحدة، وكذلك جامعاتها الرائدة، تراجعاً في قدراتها، فيما أصبح استقبال المهاجرين الموهوبين محل تساؤل في ظل السياسات المتشددة، علاوة على أن عدم اليقين السياسي والشكوك حول سيادة القانون قد يجعلان الاستثمار في أميركا أقل جاذبية.

التراجع في التجارة العالمية ودلالاته

شهدت حصة الولايات المتحدة من الصادرات العالمية انخفاضاً كبيراً منذ أوائل الخمسينيات، إذ تراجعت من 18 في المئة إلى 11 في المئة، هذا التراجع لا يعد في حد ذاته، ظاهرة غير صحية، بل هو انعكاس لنجاح إعادة إعمار الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وهو المسار الذي لعبت أميركا دوراً رئيساً فيه.

وحذر إيتشنغرين من أنه في حال حدوث أي انخفاض إضافي في الحصة الأميركية من التجارة العالمية، نتيجة سياسات الحماية الجمركية المفرطة وفرض رسوم جمركية باهظة تحت ذريعة أن التجارة الدولية لعبة صفرية، فسيكون له تأثير مدمر، مذكراً بأن التاريخ مليء بالأمثلة التي تبين أن الروابط التجارية القوية تدعم الاستخدام الدولي للعملة، في حين أن تعطيل هذه الروابط يضعف مكانة العملة عالمياً.

وأضاف إيتشنغرين أنه مع استمرار التحولات في النظام النقدي العالمي، تبقى السياسات الاقتصادية للولايات المتحدة، وبخاصة تلك التي تتبناها إدارة ترمب، العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان الدولار سيحافظ على مكانته كعملة الاحتياط الأولى عالمياً، أم أنه سيفقد بعضاً من بريقه لمصلحة عملات أخرى.

يقول إيتشنغرين من السهل فهم أسباب هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي، فالعملة المرتبطة بأكبر اقتصاد تجاري تصبح تلقائياً الأداة المفضلة للمصدرين والمستوردين، مما يعزز استخدامها عالمياً، مشيراً إلى أن الكيانات الأجنبية التي تسعى إلى الاقتراض من الأسواق المالية لهذا الاقتصاد تجد في عملتها خياراً منطقياً، لكن عندما يتراجع وزن الاقتصاد في التجارة والتمويل العالميين، تضعف تلقائياً العوامل التي تدفع نحو الاستخدام الواسع لعملته، وهنا، قد تؤدي سياسة "أميركا أولاً" التجارية التي ينتهجها ترمب إلى تسريع هذا التراجع.

خطر الإفراط في استخدام العقوبات

وتشكل العقوبات الأميركية عاملاً إضافياً يدفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل للدولار، حتى قبل الحرب الروسية - الأوكرانية استخدمت واشنطن العقوبات بصورة متزايد، إذ قفز عدد الأفراد المدرجين على قوائم العقوبات من 912 شخصاً عام 2000 إلى أكثر من 9400 شخص عام 2021. أما العقوبات المفروضة على موسكو في 2022، فقد عززت دوافع الدول لتنويع احتياطاتها بعيداً من الدولار، بخاصة مع احتمالية مصادرة الأصول الروسية المجمدة واستخدامها لإعادة إعمار أوكرانيا، وهو ما قد يشكل سابقة تقلق دولاً أخرى.

إلا أن نجاح تلك العقوبات اعتمد على تنسيق أميركي - أوروبي، إذ لم تجد روسيا بدائل واسعة للدولار في نظام المدفوعات العالمي، لكن هذا لا يضمن استمرار مثل هذا التعاون، فقد رفضت أوروبا في السابق دعم سياسة "الضغط الأقصى" التي تبناها ترمب ضد إيران، مما يشير إلى إمكان تكرار الانقسامات في المستقبل. وفي حال استمر ترمب في استخدام الأدوات الاقتصادية مثل الرسوم الجمركية والعقوبات من دون تنسيق مع الحلفاء، فقد تستفيد عملات أخرى من الابتعاد التدريجي عن الدولار.

المشهد المالي الأميركي المقلق

وكثيراً ما كان الدولار الخيار الأول للاحتياطات النقدية العالمية وللشركات وصناديق الثروة السيادية والمستثمرين الدوليين بفضل توافره الكبير مع استقرار قيمته، لكن هذا الاستقرار ليس مضموناً للأبد، بخاصة مع تصاعد الديون الأميركية.

وفي حين تشير تقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس إلى أن الدين العام سيقفز من 99 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 إلى 116 في المئة في 2034، و139 في المئة في 2044، و166 في المئة في 2054، يمثل تمديد الخفوض الضريبية التي أقرها ترمب في 2017 عاملاً إضافياً قد يسرع ارتفاع الديون، ولا يوجد مستوى معين لنسبة الدين إلى الناتج المحلي يمكن عنده فقدان الثقة فوراً، لكن استمرار السياسات المالية غير المستدامة قد يدفع المستثمرين الأجانب إلى التشكيك في استقرار الدولار.

هل يفقد "الاحتياطي الفيدرالي" استقلاليته؟

ويقول إيتشنغرين إن إحدى الركائز الأساسية لقوة الدولار هي استقلالية "الاحتياطي الفيدرالي"، لكن خطوات ترمب الأخيرة قد تهدد هذه الاستقلالية، ففي فبراير (شباط) الماضي، وقع ترمب أمراً تنفيذياً يؤكد أن المسؤولين الذين يتمتعون بسلطات تنفيذية واسعة يجب أن يخضعوا لإشراف مباشر من الرئيس المنتخب، مشيراً إلى أن "الوكالات المستقلة" يجب أن تمرر قراراتها التنظيمية لمراجعة البيت الأبيض قبل تنفيذها.

وحذر من أن هذه التوجهات قد تؤثر في "الاحتياطي الفيدرالي"، بخاصة مع سجل ترمب في إقالة مسؤولين مستقلين، مثل طرد اثنين من الديمقراطيين من لجنة التجارة الفيدرالية. وفي حال استهدف ترمب "الاحتياطي الفيدرالي" أو رئيسه جيروم باول، فقد يثير ذلك مخاوف عالمية حول قدرة المؤسسة على الحفاظ على استقرار العملة الأميركية.

هل يمكن التلاعب بحاملي سندات الخزانة؟

اليوم تتصاعد التساؤلات حول مدى عدالة التعامل مع المستثمرين الأجانب في سندات الخزانة الأميركية، إذ أفادت تقارير بأن المرشح لمنصب وزير الخزانة في إدارة ترمب سكوت بيسنت بحث إمكان إجبار المستثمرين الأجانب على تحويل سندات الخزانة ذات آجال 5 و10 سنوات إلى سندات طويلة الأجل لمدة 100 عام بأسعار فائدة منخفضة، من دون موافقتهم.

اقرأ المزيد

ناقش مستشارو ترمب، مثل روبرت لايتهايزر، فرض ضرائب على مشتريات الأجانب من السندات الأميركية لخفض قيمة الدولار وتعزيز تنافسية الصادرات الأميركية. ومن جانبه أيد المرشح لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترمب، ستيفن ميران، هذا التوجه، مقترحاً فرض "رسوم استخدام" على المستثمرين الأجانب في سندات الخزانة، عبر حجز جزء من مدفوعات فوائدهم، لتجنب انتهاك الاتفاقات الضريبية الدولية.

قد تبدو هذه الإجراءات مغرية لصانعي السياسة الأميركية الساعين إلى تعزيز الصادرات عبر إضعاف الدولار، لكن مثل هذه التدخلات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إن المبدأ القائم على معاملة المستثمرين الأجانب والمحليين على قدم المساواة هو أحد الأسس الرئيسة لهيمنة الدولار، لذا إذا تآكل هذا المبدأ، فقد تتسارع جهود بعض الدول لإيجاد بدائل تقلل من الاعتماد على الدولار في المدفوعات الدولية واحتياطات البنوك المركزية.

قد لا تختفي هيمنة الدولار بين عشية وضحاها، لكنه يواجه تحديات متزايدة، لا سيما إذا استمرت السياسات التي تقلل من جاذبيته كعملة احتياط عالمية، فالقرارات التجارية المتشددة، والاستخدام غير المنضبط للعقوبات، والمخاوف في شأن الاستقرار المالي واستقلالية "الاحتياطي الفيدرالي"، كلها عوامل قد تدفع الدول والمستثمرين إلى البحث عن بدائل أخرى في المستقبل.

تحالفات أميركا وتقويض هيمنة الدولار

أحد العوامل الرئيسة التي تعزز مكانة الدولار عالمياً هو الثقة التي تضعها الدول الحليفة في الولايات المتحدة، فالدول عادةً ما تحتفظ باحتياطاتها من عملات شركائها الاستراتيجيين، ليس فقط لأنهم يعدون أوصياء موثوقين على هذه الأصول، لكن لأن ذلك ينظر إليه على أنه إشارة إلى حسن النية في العلاقات الثنائية.

ولم يكن هذا النمط وليد العصر الحديث، بل كان واضحاً قبل الحرب العالمية الأولى، إذ احتفظ أعضاء التحالف الثلاثي (ألمانيا، والنمسا - المجر، وإيطاليا) والتفاهم الثلاثي (فرنسا وبريطانيا وروسيا) باحتياطاتهم من عملات بعضهم بعضاً. وفي الثلاثينيات لم تحتفظ دول الكومنولث والإمبراطورية البريطانية وحدها باحتياطاتها في لندن، بل فعل ذلك أيضاً عديد من الدول الحليفة الأخرى، مما عزز قوة الجنيه الاسترليني ضمن ما كان يعرف بمنطقة الاسترليني.

في الستينيات دعمت حكومتا ألمانيا واليابان الدولار للحفاظ على مكانته العالمية تقديراً للتحالف الدفاعي مع واشنطن، بخاصة مع وجود القوات الأميركية على أراضيهما. واليوم تحتفظ تايوان وكوريا الجنوبية واليابان بجزء كبير من احتياطاتها بالدولار بسبب اعتمادها على المظلة الأمنية الأميركية.

لكن هذا النموذج قد يواجه اختباراً قاسياً بسبب مواقف ترمب المتشددة، فخلال فترة رئاسته الأولى أثار قلق الحلفاء من خلال خلافاته العلنية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى جانب تبنيه سياسة مهادنة روسيا، وإذا شعر الحلفاء بعدم اليقين في شأن التزام أميركا بتحالفاتها، فقد تبدأ الدول في تقليل اعتمادها على الدولار في احتياطاتها ودفوعاتها الدولية.

في نهاية المطاف يعتمد مستقبل الدولار على مدى التزام القادة الأميركيين بسيادة القانون واحترام فصل السلطات والوفاء بالتزامات بلادهم تجاه شركائها الدوليين، وسيتحدد هذا أيضاً بقدرة الكونغرس والمحاكم والرأي العام على فرض ضغوط على الإدارة للحفاظ على تلك الالتزامات.

وختم إيتشنغرين بالقول، "اليوم وبالنظر إلى ما يحدث في أميركا من كان يعتقد أن الأمر قد يصل إلى هذا الحد؟".

المزيد من أسهم وبورصة