اجتمع مساء أمس الثلاثاء وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية اللواء عماد الطرابلسي بصفته رئيس اللجنة العليا لمتابعة ملف الهجرة غير الشرعية وأمن الحدود، مع نائب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لدى بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ناون تشوي وعدد من ممثلي المنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة "يونيسيف" في ليبيا، وناقشوا ملف الهجرة غير الشرعية والتداعيات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الظاهرة .وبحث وزير الداخلية سبل مكافحة هذه الظاهرة والحد منها، مع تأكيد أهمية تعزيز برامج الترحيل الطوعي للمهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، أو إعادة توطينهم في دول ثالثة، بما يسهم في معالجة التحديات الناجمة عن هذه الظاهرة.
مناورات كلامية
وفتح ملف الهجرة غير النظامية في ليبيا حرباً كلامية بين المعسكرين، إذ طرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة (غرب) إمكان شن هجوم على الحدود الجنوبية لمنع تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى الأراضي الليبية، ليردّ عليه رئيس الحكومة الليبية أسامة حماد (شرق) محذراً من أن "أي محاولة من حكومة الدبيبة لتحريك وحدات مسلحة نحو الجنوب ستكون بمثابة خطوة تصعيدية، ستواجه بما يقتضيه الأمر من ردع وحزم".
ونبّه مراقبون من تحول ورقة الهجرة غير الشرعية إلى شرارة حرب بين المعسكرين على خلفية التناحر على تأمين الحدود الجنوبية الواقعة فعلياً تحت سيطرة قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر والتي تعد بمثابة البوابة الرئيسة لتدفق المهاجرين غير النظاميين بسبب انفتاحها على أكثر من بلد أفريقي يعاني صعوبات اقتصادية ونزاعات أمنية على غرار السودان وتشاد والنيجر.
حبر على ورق
وفي الإطار يقول الباحث السياسي إبراهيم لاصيفر إن "ما يجمع بين معسكر حفتر ومعسكر الدبيبة أكبر من أن يصل بهما إلى مرحلة التصادم، على غرار المنافع النفطية وملف التجارة بالبشر الذي يبقى ورقة "فيتو" بالنسبة إليهما للضغط على أوروبا وعدد من الدول الإقليمية الأخرى، بخاصة أن ملف الهجرة غير النظامية ليس مناطاً بليبيا فقط وإنما بكل دول شمال أفريقيا على غرار تونس والجزائر والمغرب، مما يرجع إلى تغير القوى الإقليمية والدولية التي كانت تهيمن على تلك المناطق على غرار تشاد وبوركينا فاسو وغانا ومالي، غير أن الانقلابات العسكرية في هذه الدول الأفريقية أخلّت بالتوازنات الإقليمية". ويؤكد لاصيفر أن "اقتراب الأنظمة الحاكمة الجديدة في هذه الدول من المعسكر الروسي غيّر معادلة الهجرة غير النظامية التي أصبحت تضغط على أوروبا وحلفائها في المنطقة"، ويتابع أن ما يحدث بين حكومة الشرق وحكومة الغرب من مناورات كلامية "مجرد حبر على ورق".
ويوضح أيضاً أن الذهاب باتجاه حرب بين المعسكرين سيؤدي إلى إنهاء أحد الطرفين "مما لا يريده المعسكران، لا سيما الدبيبة لأنه يعلم أن دخوله في أي صدام عسكري مع حفتر سيكلفه نهاية حكومته سواء انتصر على خليفة حفتر أو لم ينتصر لأنه سيجد نفسه أمام مشهد سياسي جديد سيدفع الأمم المتحدة إلى التسريع بالذهاب نحو حكومة جديدة"، ويلفت لاصيفر إلى أن حفتر "هو الآخر ليس من مصلحته الصدام مع معسكر الدبيبة لأنه أصبح يركز أكثر على الدبلوماسية الناعمة وتوجه نحو الإعمار والتنمية، أي إنها توجهات تحتاج إلى تفاهمات مع الحكومة الشرعية حتى يتحصل على الأموال ويستطيع أن يستمر في هذا الاتجاه"، موضحاً أن ملف الهجرة غير النظامية هو ملف دولي ناتج من اختلال الصراع الإقليمي بين الأقطاب مما جعلنا أمام مشهد دولي جديد نتج منه صراع جيوسياسي مغاير في منطقة القرن الأفريقي، وأكد أن ملف الهجرة غير النظامية لن يُحل إلا بتفاهم دولي يرسم الخطوط العريضة للمنطقة ويرسي سبل استقرارها حتى نشاهد حلاً لهذا الملف الذي يؤرق أوروبا، لا سيما أن روسيا تستخدمه في إطار ضغطها في الحرب الأوكرانية مع حلفائها.
طبول الحرب
الباحث السياسي محمود الكاديكي تساءل بدوره "لماذا تجاهل الدبيبة الإنجازات الأمنية التي حققها الجيش الليبي بقيادة حفتر في إطار مكافحة الهجرة غير النظامية، مقابل عمله على إخراج قوات الشرق في صورة القوة غير القادرة على ضبط الأوضاع الأمنية؟"، وتابع أن "من يحاول قرع طبول الحرب مجدداً هو الدبيبة من خلال إصراره على إرسال قوات أمنية تابعة لحكومته بطرابس (غرب) بحجة تأمين الحدود الجنوبية الليبية والحال أن الجنوب تحت سيطرة معسكر الرجمة الذي يقوده المشير خليفة حفتر". ولفت الكاديكي إلى أن كلام الدبيبة يفهم على أنه تحرك "لإحداث تغيير في موازين القوى وليس مجرد إجراء أمني لضبط الحدود الجنوبية، والهدف الآخر السيطرة على الجنوب تحت غطاء الهجرة غير النظامية وليس للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين"، وطالب الباحث السياسي المتخصص في الشأن الليبي حكومة الدبيبة بالتعاون مع قوات حفتر التي تؤمّن الجنوب لتعزيز الجهود الوطنية لضبط الحدود وإنهاء ظاهرة الهجرة غير النظامية، بدلاً من فرض قوات أخرى موالية للدبيبة في الجنوب ستزيد من تعقيد المشهد الأمني.
وأوضح أن "الهجوم الكلامي لحكومة الدبيبة ضد قوات حفتر يعكس التنافس بين حكومة حماد وحكومة الدبيبة على الجنوب الذي يمثل منطقة استراتيجية غنية بالموارد الطبيعية والمنجمية"، وقال إن الصراع على الجنوب يتأثر بتدخلات إقليمية ودولية، مما يجعل من أي قوة محلية نجحت في السيطرة على الجنوب أن تكون هدفاً لإعادة ترتيب موازين القوى.
وختم الكاديكي أن "حكومة الوحدة الوطنية تحاول تعزيز سلطتها، مما قد يدفعها إلى مواجهة أي قوة ترى أنها تعمل خارج سيطرتها بغض النظر عن نجاحها أو فشلها (في إشارة إلى قوات حفتر)، وليبيا رقعة جغرافية واسعة وحكومة حماد تؤمّن الجنوب والشرق عبر جناحها العسكري المتمثل في قوات حفتر، مما يعزز سلطتها محلياً ودولياً ويقلق معسكر الدبيبة".
تسريع التواصل
عميد كلية العلوم السياسية في جامعة "نالوت" إلياس الباروني دعا بدوره حكومة الوحدة الوطنية إلى تسريع التواصل مع الدول الأوروبية، بخاصة دول جنوب البحر الأبيض المتوسط المتضررة من مسألة الهجرة غير النظامية للحصول على دعم لها ولجميع القوات المسلحة الليبية الموجودة في الشرق والجنوب من دون استثناء باعتبارها "تكافح ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تتسبب بقلق كبير للدول الأوروبية وأصبحت عبئاً أمنياً واقتصادياً على المجتمع الليبي الذي بات يعاني انتشار ظاهرة الجريمة المنظمة، لا سيما في ظل انعدام الاستقرار الأمني"، وحذر الباروني من استغلال حكومة الشرق لتصريحات حكومة الغرب في اختراق وقف إطلاق النار، مما يستدعي معالجة هذه الظاهرة سريعاً بالتنسيق مع القطب الشرقي لتكون هناك رؤية ليبية مشتركة لمعالجة هذه الإشكالية.