Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

كيف تستعد أوروبا لحرب نووية؟

الدفاع عن الوطن ليس مسألة نظرية بالنسبة إلى الدول المتاخمة لروسيا، ولا يشكل التهديد النووي استثناء، فكيف ستكون جهوزية المملكة المتحدة إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تعطيل استخدام صواريخ "ترايدنت" عبر "مفتاح قتل" في حال وقوع هجوم؟

 الغواصة الملكية فجينانس الحاملة لصواريخ ترايدنت أثناء وقوفها قبالة الساحل الاسكتلندي عام 2012 (غيتي)

ملخص

 تشهد دول أوروبا تجدداً لمفهوم الدفاع عن أرض الوطن فيما تعمل دروس الحرب الأوكرانية والتصدعات المستجدة مع أميركا، على إدراج الردع النووي الإستراتيجي والتكتيكي ضمن إجراءات تجسيد ذلك المفهوم، والتي قد تؤدي إلى تنسيق بين بريطانيا وفرنسا في نوعي الردع النووي كليهما مع تدني الوثوق بالاعتماد على الولايات المتحدة فيهما.

تتسارع وتيرة إعادة التسلح في أوروبا وتسلك مسارات غير متوقعة، وأحدث ما تجدد كان في تقرير نشرته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، أورد أن "الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني" SGDSN تُحضر كتيباً جديداً يقدم إرشادات حول كيفية استعداد السكان للصراعات، بما في ذلك الحرب النووية.

وبالنسبة إلى من يستطيعون تذكر حقبة الثمانينيات من القرن الـ 20، تحمل تلك المعطيات أصداء عن منشور (لاقى ازدراء حينذاك) نُشر في المملكة المتحدة وحمل عنوان "احم نفسك وابق على قيد الحياة"، وحتى الآن لم تنشر فرنسا أو توزع نسختها المماثلة لذلك المنشور، لكن التقرير عنه يعكس الأولويات الحالية لكثير من الحكومات الأوروبية.

وفي نوفمبر (تشرين ثاني) 2025 حدّثت السويد نصائحها إلى السكان عن كيفية الاستعداد للحرب، ويبين منشور من 32 صفحة عنوانه "في حال حدوث أزمة أو حرب" ماهية السلع التي يجب تخزينها في المنازل، وأنظمة الإنذار العامة والتحذيرات أثناء الأزمات، إضافة إلى ما يجب فعله مع الحيوانات الأليفة، حتى إن الكتيب تضمن رابطاً إلكترونياً مع "الوكالة السويدية لحالات الطوارئ" (التي نشرت الكُتيب) يوصل إلى خريطة تفاعلية تتضمن مواقع لكل الملاجئ المدنية الدفاعية في أرجاء السويد كلها، حيث تمتلك معظم المباني السكنية واحداً، نسخة سابقة من ذلك الكتيب كانت قد تضمنت نصائح عن كيفية خوض حرب عصابات في حال تعرض البلاد إلى غزو.

وحاضراً نشرت جميع الدول الاسكندنافية وكذلك دول البلطيق [إستونيا ولاتفيا وليتوانيا] توجيهات مماثلة، وبالتالي لم يعد الدفاع عن أرض الوطن مفهوم نظرياً مجرداً بل بات واقعاً ملموساً، فالدول المحاذية لروسيا أو القريبة منها تتعامل مع التهديد بجدية تامة.

على سبيل المثال رفعت السويد العام الماضي موازنة الدفاع المدني من 8.5 مليار كرونة سويدية (650 مليون جنيه إسترليني) إلى 15 مليار كرونة سويدية (1.15 مليار جنيه إسترليني) على مدى أربعة أعوام، مع إمكان تسريع معدل الارتفاع، وخصص كثير من ذلك الإنفاق على بضائع مثل الطعام وإعداد الملاجئ والإمدادات الطبية، وإذا ما تبنت المملكة المتحدة المعدل نفسه من الزيادة في الانفاق الدفاعي فسيتعين عليها رصد 5 مليارات جنيه إسترليني سنوياً.

وهناك عنصر آخر في الاستعدادات في حال نشوب صراع يتمثل في الدفاعات الجوية، فلقد استثمرت كثير من الدول الأوروبية مليارات الدولارات في أنظمة صواريخ أرض - جو متقدمة، وبخاصة نظام "باتريوت" الذي تزوده الولايات المتحدة، وتتمثل إحدى القدرات الرئيسة لهذا النظام في أنه أثبت قدرته على اعتراض مجموعة واسعة من الصواريخ الباليستية، إضافة إلى صواريخ كروز المتقدمة.

عندما تحدث الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي عن إنشاء درع دفاعي ضد الصواريخ السوفياتية أطلق عليه اسم "حرب النجوم" قوبل بالسخرية، إذ لم تكن العلوم والهندسة آنذاك قادرة على إنتاج الرادارات أو الصواريخ أو أنظمة القيادة اللازمة لتنفيذ عمليات معقدة كهذه، ولكن مقطع الفيديو الذي يُظهر صاروخ "آرو-3" الإسرائيلي وهو يعترض صاروخاً باليستياً إيرانياً في الفضاء، أو التقارير التي تتحدث عن قيام المدمرة البريطانية "داياموند" التابعة للبحرية الملكية بإسقاط صواريخ باليستية حوثية في البحر الأحمر، تُظهر أن كثيراً من جوانب رؤية ريغان باتت قابلة للتحقيق بصورة واضحة، وإن كان ذلك بكلفة باهظة.

 

ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة إلى المملكة المتحدة حيث لا نملك أية دفاعات صاروخية أرض - جو موثوقة (باستثناء عدد قليل من المدمرات، اثنتان منها على وشك الانطلاق في مهمة إلى آسيا على بعد 8 آلاف ميل)؟ وبالنظر إلى برامج الدفاع الجوي في ألمانيا وكذلك في دول الخليج الغنية، فإن إنشاء نظام دفاع جوي جيد إلى حد معقول في المملكة المتحدة يمكنه التصدي لكثير من الصواريخ الباليستية وصواريخ "كروز" سيكلف في البداية 15 مليار جنيه إسترليني.

وماذا عن إرساء نظام دفاع جوي أوسع نطاقاً؟ سيكلف كبداية أكثر من 25 مليار جنيه إسترليني (32.3 مليار دولار)، وبكلمات أبسط فإن السلاح الذي يمتلك حظوظاً جيدة في اعتراض صواريخ باليستية لن يكون رخيص الثمن، لكن كلفة الدمار الذي تتسبب به الصواريخ أشد ارتفاعاً، وإن نظاماً للدفاع الصاروخي يعمل على طريقة عقود التأمين [على السيارة] ضد "طرف ثالث وحالات الحريق والسرقة" قد يحظى بالقبول حتى اللحظة التي تقع فيها خسائر بشرية، وفي المقابل، ومع مع تصاعد شبح المواجهات النووية، هناك قضية أخرى يجب أخذها في الاعتبار وهي رادع نووي أوروبي مستقل متعدد المستويات.

يذكر موقع وزارة الدفاع البريطانية "لقد وُجد الردع النووي المستقل للمملكة المتحدة لأكثر من 60 عاماً لردع أشد التهديدات خطورة على أمننا القومي وطريقة عيشنا، مما يساعد في ضمان سلامتنا وسلامة حلفائنا في الـ ’ناتو’".

ولطالما كان هناك عنصر من الردع النووي البريطاني تحت تصرف الـ "ناتو"، أما فرنسا فلم تتبع هذا النهج منذ عقود على رغم أن إيمانويل ماكرون كان أكثر انفتاحاً على تبني باريس موقفاً مشابهاً للمملكة المتحدة مع الإبقاء على الردع الفرنسي مستقلاً، والجمع بين الردعين الإستراتيجيين لكل من فرنسا والمملكة المتحدة سيشكل رادعاً نووياً فاعلاً إلى حد كبير للدول الأوروبية المنضوية في الحلف.

 

واستكمالاً تظهر الشكوك الجدية في شأن ذلك النظام على مستوى الردع النووي التكتيكي، فقد تخلت بريطانيا عن الأسلحة النووية التكتيكية (رؤوس صغيرة محدودة التأثير وتطلق من منظومات أسلحة صغيرة كالمدفعية)، ونتيجة لذلك أصبحت فرنسا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية تكتيكية خاصة بها، حيث يعتمد الردع غير الإستراتيجي لفرنسا حالياً على صاروخ "إيه إس أم بي- إيه" ASMP-A القريب من كونه فرط صوتي، ويُطلق من طائرات "رافال" المقاتلة، ومن المقرر استبداله خلال الأعوام الخمسة المقبلة بصاروخ يتمتع بمدى أطول وسرعة أعلى.

ومرة أخرى طرح ماكرون إمكان وضع هذا الجزء من الردع الفرنسي - المظلة النووية - في خدمة أوروبا، وفي خطاب ألقاه أخيراً في القاعدة الجوية التي تحوي الردع النووي القابل للإطلاق من الجو، أشار إلى أن بعض عناصر هذا الردع يمكن أن تتمركز أقرب إلى ألمانيا باتجاه الشرق.

وبالنسبة إلى بقية البلدان الأوروبية المنضوية في الـ "ناتو"، فقد عرضت دول عدة استخدام قواتها الجوية لحمل وإيصال القنابل النووية التكتيكية التي توفرها (وتتحكم فيها) الولايات المتحدة، وتمتلك كل من بلجيكا وألمانيا وإيطاليا وهولندا طائرات مخصصة لهذه المهمة، وفقاً للمعايير والإجراءات التي تحددها الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الاضطرابات السياسية التي شهدتها الأسابيع الأخيرة دفعت كثيرين إلى التشكيك فيما إذا كانت واشنطن ستوافق على إطلاق هذه الأسلحة في حال نشوب أزمة في أوروبا، يكون الخصم فيها روسيا.

أصداء هذه المخاوف حول مدى موثوقية الولايات المتحدة في المسائل النووية ترددت حتى في المملكة المتحدة، فخلال محادثات مع مصادر في وزارة الدفاع البريطانية العام الماضي، قوبل التساؤل حول ما إذا كانت واشنطن ستسمح للندن باستخدام صواريخ "ترايدنت" النووية (حيث تمتلك المملكة المتحدة السيادة على الرؤوس الحربية ولكن الصواريخ نفسها أميركية) بالسخرية، ومع ذلك لم يعد من المسلم به أن غواصة بريطانية من فئة "فانغارد" المسلحة بصواريخ باليستية ستحصل تلقائياً على الوصول إلى مخزون صواريخ "ترايدنت". [وفق موقع "نيوكلييار إنفو. أورغ"، صممت شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية تلك الصواريخ، وتحتفظ أميركا بمخزونات منها تعود لبريطانيا ضمن قاعدة متخصصة في الأسلحة النووية في ولاية جورجيا ضمن برنامج لصيانتها وإطالة عمر استخدامها].

واستطراداً، فحينما يتحدث بعضهم عن امتلاك الولايات المتحدة "مفتاحاً قاتلاً" حيال الردع النووي البريطاني، لا يكون الأمر متعلقاً بزر أحمر ضخم موضوع في مكان ما داخل الـ "بنتاغون" يمكنه تعطيل صواريخ "ترايدنت" البريطانية، ومع ذلك يمكن لواشنطن منع وصول المملكة المتحدة إلى مخزون الصواريخ، وإذا لم تتمكن بريطانيا من تدوير وتجديد صواريخها بصورة منتظمة فستصبح غير فعالة مع مرور الوقت، وهذا في جوهره هو "مفتاح القتل" الذي يثير القلق حالياً.

 

والحل؟ بالنسبة إلى لأسلحة النووية التكتيكية فقد تحدثت بولندا منذ أعوام عن امتلاك مثل هذه الأسلحة، وببساطة فتاريخ بولندا مليء بحالات الهيمنة أو التعرض للخيانة من قبل القوى الكبرى، ووارسو تستخلص العبر من تجربة أوكرانيا التي تخلت عن ترسانتها النووية في مقابل ضمانات أمنية، وقبل غزو 2022 كان مستوى الثقة بفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة منخفضاً بالفعل، أما الآن فقد تضررت الثقة في الولايات المتحدة أيضاً، لذا فإن مجرد استضافة أسلحة نووية تكتيكية أميركية لم يعد كافياً بالنسبة إلى بولندا.

وبعبارة أخرى فإن الدولتين الوحيدتين في أوروبا القادرتين على تطوير برنامج للأسلحة النووية التكتيكية هما المملكة المتحدة وفرنسا، والأخبار الجيدة أن الدولتين تتشاركان بالفعل في مجموعة من أدوات الاختبار والتحقق الخاصة بالرؤوس الحربية، وإضافة إلى ذلك أعلنت المملكة المتحدة استئناف إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب، وهو المكون الأساس لإنتاج أسلحة نووية تكتيكية جديدة، وبالتالي فليس من المستبعد على الإطلاق بناء جيل جديد من الرؤوس الحربية التكتيكية، وهناك بالفعل خيارات عدة من الصواريخ القادرة على حملها.

والسؤال المطروح بالنسبة إلى المملكة المتحدة هو ما إذا كان الاعتماد على الولايات المتحدة في صواريخ "ترايدنت" الإستراتيجية قد انتهى، وإذا كانت موثوقية الولايات المتحدة قد وصلت إلى هذا المستوى المنخفض، فهل يمكن أن تغير المملكة المتحدة مسارها؟

اقرأ المزيد

مصدر صناعي من داخل القطاع النووي البريطاني أخبرني أنه "في الواقع لا يوجد وقت أنسب من الآن إذا أردنا استبدال ’ترايدنت’ بالصاروخ الفرنسي M51 [صاروخ باليستي يُطلق من الغواصات] فما نزال في مرحلة باكرة بما يكفي في برنامج غواصات "دريدنوت" لتحقيق ذلك".

قبل ستة أشهر فقط كان كل هذا غير وارد تماماً، وهذا يوضح السرعة التي تتغير بها الأمور حالياً، وأي شخص كان ليقترح أن الحكومة البريطانية قد تحتاج إلى إصدار كتيب حول كيفية بناء ملجأ نووي في المنازل كان سيتعرض للسخرية التامة، لكن بالنظر شرقاً فهذا بالضبط ما تقوم به وتخطط له عشرات الدول منذ أكثر من عام.

حكومة المحافظين السابقة كانت بدأت بالفعل في مناقشة إصدار توجيهات، أو لنقل اقتراحات، عما يجب على كل أسرة أن تخزنه من السلع كي تضمن قدرتها على التعامل بمرونة مع الكوارث الطبيعية والصراعات أيضاً، وضمت قائمة التخزين المقترحة أجهزة راديو تعمل بالطاقة الحركية اليدوية وبطاريات إضاءة من النوع الذي يثبت على الرأس ومياه الشرب، وحينذاك لاقى نشر الحكومة لتلك القائمة رد فعل واسع تشابه مع ذلك الذي طاول منشور "احم نفسك وابق على قيد الحياة" الذي نُشر في ثمانينيات القرن الـ 20.

والآن يجب على حكومة ستارمر النهوض بزيارة جديدة إلى كل ذلك وأخذ مفهوم الدفاع عن أرض الوطن بجدية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدفاع النووي.

فرانسيس توسا، محرر في "ديفانس أناليسيس"

© The Independent

المزيد من تقارير