ملخص
النائب جورج عقيص يقول إن "اتفاق الطائف" ليس قائمة طعام نختار منها ما يناسبنا، فهو يبدأ بسحب السلاح ومن ثم نتجه إلى إقرار الإصلاحات. والخبير الدستوري سعيد مالك يرى أن التوقيت غير ملائم وغير مناسب ولا ينطبق مع أحكام الدستور الذي ينص على انتظار انتخاب أول مجلس نيابي على أساس وطني والبحث بعدها بمجلس شيوخ، والنائب هادي أبو الحسن يعتبر أن مجلس الشيوخ طرح لطمأنة الطوائف وليس العكس.
ما ورد في خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، ودعوة رئيس الحكومة نواف سلام إلى تطبيق "اتفاق الطائف"، ليطرح تحت هذا العنوان مسألة الطائفية السياسية وقانون الانتخابات ومجلس الشيوخ، كبنود منتقاة من النص لم تطبق بعد. وتقدم عضو كتلة "حركة أمل" النيابية التي يترأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي حسن خليل باقتراح قانون معجل مكرر لتعديل قانون الانتخاب، مقترحاً انتخاب مجلس النواب من 134 نائباً (ستة نواب للاغتراب زائد 128) على أساس النظام النسبي، ولبنان دائرة انتخابية واحدة، وانتخاب مجلس شيوخ من 64 عضواً لولاية تمتد ست سنوات على أن تجري الانتخابات أيضاً على أساس مذهبي ولبنان دائرة انتخابية واحدة. وعكست جلسة اللجان المشتركة أمس الإثنين، التي دعيت إلى مناقشة اقتراح القانون حجم الانقسام النيابي حول طرح اعتماد الدائرة الواحدة في الانتخاب وإلغاء الطائفية، واعتبر رئيس "التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن إلغاء الطائفية السياسية وحدها هي إلغاء للبنان. وشكك نواب في توقيت الطرح لا سيما أن إنشاء مجلس الشيوخ، وفق الدستور، لا يمكن أن يحصل إلا بعد انتخاب مجلس نواب على أساس وطني وليس طائفياً كما يؤكد الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك. واتهم عدد من النواب الرئيس بري بأنه يهدف من طرح تعديل قانون الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ إلى تحويل الأنظار عن موضوع سلاح "حزب الله" في اتجاهات أخرى. وسأل كثيرون لماذا لا يبدأ بري بتطبيق ما ينص عليه "اتفاق الطائف" لجهة حصر السلاح بيد الجيش اللبناني وتنفيذ ما ورد فيه من "حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر، تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني".
لماذا الآن؟
يذكر أن مجلس الشيوخ كان معتمداً في لبنان قبل أن يلغى في دستور عام 1927، وتختصر السلطة التشريعية في سلطة واحدة هي البرلمان النيابي. وكان المجلس مؤلفاً من 16 عضواً موزعين على كل الطوائف، ويعين رئيس الحكومة سبعة منهم بعد استطلاع رأي الوزراء، وينتخب الباقون، وتكون مدة ولاية عضو مجلس الشيوخ ست سنوات.
ويبرر صاحب الاقتراح النائب علي حسن خليل أسباب تقديم اقتراحه في هذه المرحلة، ويؤكد أن اقتراح القانون مقدم من "كتلة التنمية والتحرير" (حركة أمل) منذ ست سنوات، ويربط الأسباب بما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري عن استكمال بنود "اتفاق الطائف"، والعمل على تطوير النظام. ويضيف "أردنا تحصين الوفاق الوطني من خلال هذا الاقتراح لأن الانتخابات النيابية هي الأساس في هذا الإطار والخروج من شرنقة الطائفية وبناء دولة المواطنة"، ولا يوافق خليل من يعتبر بأن اقتراح قانون الانتخاب الذي قدمه ضرب للميثاقية، ويؤكد أنهم منفتحون على نقاش هادئ للوصول إلى أفضل صيغة انتخابات ترتكز على "الطائف".
التوقيت غير ملائم
يوضح الخبير الدستوري سعيد مالك "أن المادة 22 من الدستور تنص على أنه مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني وليس طائفي، يصار إلى استحداث مجلس الشيوخ". ويتابع "بالتالي، فإن التوقيت المطروح فيه تشكيل مجلس شيوخ هو توقيت غير ملائم وغير مناسب ولا ينطبق مع أحكام الدستور الذي ينص على انتظار انتخاب أول مجلس نيابي على أساس وطني والبحث بعدها بمجلس شيوخ"، مضيفاً "صحيح أن المطالبة بهذا الموضوع هي مطالبة حق، لكن يراد بها باطل لا سيما أن هناك سعياً من أجل حرف النظر عن ملفات أكثر أهمية منها القرارات الدولية، وحصر السلاح بيد الدولة، ووضع الخطة اللازمة من المجلس الأعلى للدفاع لحصر السلاح بيد الشرعية والجيش اللبناني وحده".
الطائف ليس "قائمة طعام"
من جهته يشدد عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب جورج عقيص أن "حزب القوات اللبنانية لا يعارض أية خطوة باتجاه تطبيق اتفاق الطائف، وتنفيذ كل الإصلاحات الواردة فيه ومنها مجلس الشيوخ"، ويضيف "لكن اتفاق الطائف ليس قائمة طعام نختار منها ما يناسبنا، فهو يبدأ بسحب السلاح وضمن مدة زمنية محددة لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والعسكري والاجتماعي في لبنان، ومن ثم نتجه إلى إقرار الإصلاحات واحدة تلو الأخرى أو في آن معاً". ويشدد النائب القواتي على أن الشرط المسبق لتطبيق إصلاحات "الطائف" هو حصرية أي سلاح بيد الجيش اللبناني، "وهذا ما أكد عليه خطاب القسم لرئيس الجمهورية، والبيان الوزاري للحكومة"، ويرى "أن البلاد تمر في وضع خطر جداً، والحرب قد تكون مجدداً على الأبواب، وهناك انقسام عامودي حول تطبيق القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار، وحزب الله يرفض، على رغم كل ذلك، تسليم سلاحه، ويصعب المهمة على الجيش اللبناني في جنوب الليطاني ويرفض البحث بالموضوع شمال الليطاني".
يضيف عقيص "لن نسمح بأن يتكرر السيناريو نفسه عندما يشعر الثنائي، حركة أمل حزب الله أنه محشور، فيلجأ إلى طرح قوانين كبرى مثل قانون الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ لحرف الأنظار، فلنطبق في البداية البند الأول من اتفاق الطائف، ونستعيد السيادة، ونبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، ومن ثم نبحث ببقية البنود ومنها اللامركزية الإدارية وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ومجلس الشيوخ، شرط الاتفاق على تحديد المواضيع التي ستترك لمجلس الشيوخ، وهذا كله قابل للبحث، لكن الأولوية الآن هي حصرياً لمسألة سحب السلاح وتكريس حصرية الدولة في حمله".
بعد السلاح حان وقت العدد الطائفي
ويعتبر عقيص أن "الثنائي الشيعي" شاعر بأنه في نهاية المطاف سيسلم سلاحه وسيتجرد من هذه الورقة التي استخدمها للقبض على الحياة السياسية منذ عام 2005 حتى اليوم، "وهو يسعى إلى تحقيق مكسب عبر الإطباق على الحياة السياسية بالعدد من خلال تذويب الصوت المسيحي وكل التعددية التمثيلية الحقيقية، ليتمكن من الحفاظ على الأكثرية النيابية في المجلس النيابي لتكون أداته لحكم لبنان، وهذا ما لن نقبل به لا اليوم ولا غداً ولا بعد غد. على حزب الله أن يفهم أنه يجب أن يسلم سلاحه لإعادة بناء الدولة والجيش والمؤسسات، وبعد ذلك يبدأ البحث بكيفية إصلاح هذه الدولة".
الهدف تذويب المسيحيين
وعن تغليب العددية وتذويب المسيحيين كهدف لاقتراح تعديل قانون الانتخاب وإنشاء مجلس الشيوخ يتحدث أيضاً نائب "التيار الوطني الحر" سيزار أبي خليل ويقول إن فريقه ليس ضد تطبيق "اتفاق الطائف" وإنشاء مجلس الشيوخ، "إنما الذي حصل أن هذا البند طرح بالتلازم مع اقتراح وضع قانون انتخاب لمجلس النواب خارج القيد الطائفي". وإذ يشرح أن "التيار الوطني الحر" تقدم باقتراح قانون مبني على "القانون الأرثوذكسي" "إذ ينتخب كل مذهب نوابه وأضيفت إليه الإصلاحات التي تضمنها قانون انتخاب 2017"، ويؤكد أنهم مع الذهاب إلى نظام علماني شامل في البلد واعتماد إلغاء الطائفية وليس إلغاء الطائفية السياسية، والبدء باعتماد قانون موحد للأحوال الشخصية وإلغاء الطائفية من كل جوانب الحياة اليومية قبل الذهاب إلى مجلس النواب. ويعبر أيضاً أن الهدف من هذا الطرح هو "لغلبة طوائف بالعددية على طوائف أخرى، ولوضع اليد على حصة المسيحيين، وهذه قمة الطائفية السياسية". ولا يتوقف نائب "التيار الوطني الحر" عند توقيت الطرح، والمهم بالنسبة إليه أن تحصل مناقشة حقيقية "فإما تكون مناصفة حقيقية وتمثيل فعلي للمكونات وميثاقية حقيقية أو علمنة شاملة. أما العبور إلى مجلس الشيوخ فيجب أن يمر بقانون انتخابي يسمح للمسيحيين بانتخاب ممثليهم، وكذلك الشيعة والأرثوذكس والسنة والكاثوليك والدروز".
"الاشتراكي" يتمسك بمجلس الشيوخ
ينص "اتفاق الطائف" أنه "مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية"، وذلك من دون توضيح هذه القضايا أو التطرق إلى طائفة رئيسه. ويطمح الدروز إلى ترؤسه استناداً لما يقال إنه اتفاق غير رسمي عن "اتفاق الطائف". لكن عضو "اللقاء الديمقراطي" برئاسة النائب تيمور جنبلاط، النائب هادي أبو الحسن يؤكد أن الإصلاح لا يتجزأ، "وأن المدخل الفعلي للإصلاح هو السياسي، واقتراح إنشاء مجلس الشيوخ خطوة إصلاحية تأتي بالتزامن مع وضع قانون انتخاب من خارج القيد الطائفي. لكن من بديهيات الإصلاح أن نبدأ بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ووضع قانون أحزاب جديد يقوم على التنوع الوطني، والتنشئة الوطنية السليمة من خلال برامج وطنية، والبدء باعتماد اللامركزية الإدارية وفق ما نص عليها اتفاق الطائف، وإقرار قانون استقلالية القضاء، لأنه لن يكون إصلاح فعلي في ظل محميات طائفية تحمي المرتكبين".
وعن مجلس الشيوخ يوضح النائب الاشتراكي أنه طرح لطمأنة الطوائف وليس العكس، "وهو يسهل عملية الإصلاح السياسي". أما لماذا لا يجري البدء بتطبيق البند المتعلق بالسلاح الخارج عن الشرعية، فيشدد أبو الحسن على "أن الحزب التقدمي الاشتراكي يشدد دائماً في كل مواقفه وأدبياته على تطبيق مندرجات اتفاق الطائف كافة، وأهمها بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وتطبيق القرارات الدولية وأضيفت ضرورة تطبيق القرار 1701 كاملاً بكل مندرجاته وحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، وهذا موقف ثابت عنا ولا نساير فيه على الإطلاق"، ويختم أن المطروح اليوم مسألة حساسة تستدعي حواراً وطنياً للتمكن من القيام بالإصلاح الفعلي.