Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

10 أيام من الضربات الأميركية على الحوثيين... ردع أم إنهاء؟

خيارات ترمب: تكثيف عملياته ضد الجماعة أو شن هجوم على إيران أو التراجع

منذ بدأت الغارات الجوية الأميركية باستهداف البنية التحتية للحوثيين في أماكن واسعة في اليمن يشير مسؤولون أميركيون إلى بعض النجاحات مثل قتل عدد من قياديي الجماعة (رويترز)

ملخص

توجد للولايات المتحدة في المنطقة حاملة طائرات واحدة قبالة سواحل اليمن في البحر الأحمر هي "هاري ترومان" التي مددت فترة انتشارها هناك، لكن تقارير أخيرة أشارت إلى احتمال وصول حاملة طائرات أميركية ثانية في الأسابيع المقبلة، مما يعني أن الولايات المتحدة تريد تعزيز قواتها الضاربة هناك.

بعد 10 أيام من الضربات الجوية والبحرية الأميركية ضد الحوثيين التي استهدفت قيادات الجماعة ومراكز القيادة والسيطرة ونقاط الاتصال ومصانع إنتاج الصواريخ والمسيرات وأماكن تخزينها، لا يزال السؤال المطروح دوماً: هل ينجح الأميركيون في تحقيق أهدافهم؟ وإلى أي مدى يمكنهم مواجهة التهديد الحوثي من دون جهود سياسية أميركية أوسع؟ وما إذا كان الرئيس دونالد ترمب ومستشاروه يمتلكون استراتيجية شاملة للشرق الأوسط؟ أم أنهم منتظمون في جهود ارتجالية لإخماد الحرائق المشتعلة في المنطقة؟

أهم حملة عسكرية لترمب

في الـ15 من مارس (آذار) الجاري أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن سلسلة من الضربات على أهداف مرتبطة بجماعة "أنصار الله" اليمنية المعروفة باسم جماعة الحوثي في أهم عملية عسكرية له خلال ولايته الثانية حتى الآن، والتي جاءت بعد 11 يوماً فقط من بدء الإجراءات التنفيذية لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية بسبب هجماتها المرتبطة بحرب غزة على حركة الملاحة في البحر الأحمر وعلى إسرائيل.

تعهد ترمب القضاء على الحوثيين وربط كل تحركاتهم بإيران وقال على منصة "تروث سوشيال" إن أضراراً جسيمة حاقت بالحوثيين، وسيزداد الوضع سوءاً تدريجاً لأنها ليست حتى معركة متكافئة، ولن تكون كذلك أبداً، وسيتم القضاء عليهم تماماً، ومع ذلك اعتبر وزير الدفاع بيت هيغسيث أن الهدف الأساس من الحملة العسكرية الأميركية هو وقف هجمات الحوثيين على الملاحة البحرية، وأنه إذا توقفت هذه الهجمات فستتوقف الحملة الأميركية، ولتبرير الضربات الأميركية، أوضح "البنتاغون" أن جماعة الحوثي أطلقت صواريخ وطائرات مسيرة هجومية على السفن الحربية الأميركية أكثر من 170 مرة، وعلى السفن التجارية 145 مرة منذ عام 2023.

عملية مستمرة

ومنذ بدأت الغارات الجوية الأميركية باستهداف البنية التحتية للحوثيين في أماكن واسعة في اليمن، يشير مسؤولون أميركيون إلى بعض النجاحات مثل قتل عدد من قياديي الحوثيين بمن فيهم المسؤول الأول عن الصواريخ وقادة آخرون في مشروع الطائرات المسيرة، وتدمير عديد من مخازن الطائرات والصواريخ ومصانع إنتاجها وبعض المعسكرات الحوثية، في وقت توقع فيه مسؤولون في "البنتاغون" أن تستمر الحملة الجوية لمدة شهر أو أكثر.

وأوضح قادة "البنتاغون" أن الحملة الأميركية الحالية أوسع نطاقاً عن الحملات السابقة وتمنح القادة العسكريين المحليين سلطة أكبر للتصرف، مما يسمح بتحقيق وتيرة عمليات تمكن من استغلال الفرص التي يرونها في ساحة المعركة لمواصلة الضغط على الحوثيين.

ويعكس هذا التحول في السياسة الأميركية في عهد إدارة ترمب، من الضربات الموجهة إلى حملة أوسع وأكثر قسوة، موقفاً متشدداً ضد الحوثيين، يتجاوز الاحتواء إلى تعطيل قدراتهم، كما يشير استهداف القيادة السياسية، فضلاً عن الأصول العسكرية، إلى الرغبة في تفكيك البنية التنظيمية للحوثيين، وليس فقط إضعاف التهديد العسكري المباشر الذي يشكلونه.

هل يرتدع الحوثيون؟

توجد للولايات المتحدة في المنطقة حاملة طائرات واحدة قبالة سواحل اليمن في البحر الأحمر هي "هاري ترومان" التي مددت فترة انتشارها هناك، لكن تقارير أخيرة أشارت إلى احتمال وصول حاملة طائرات أميركية ثانية في الأسابيع المقبلة، مما يعني أن الولايات المتحدة تريد تعزيز قواتها الضاربة هناك، إذ ليس من الواضح ما إذا كانت حاملة الطائرات "ترومان" وعشرات الطائرات على متنها كانت قادرة على ردع الحوثيين تماماً الذين أطلقوا عدداً من صواريخهم وطائراتهم المسيرة على حاملة الطائرات وسفن شحن تجارية أخرى من دون أن تصيب أهدافها.

كما أنهم أطلقوا أكثر من صاروخ باليستي على إسرائيل تنفيذاً لتهديدهم السابق باستئناف استهداف إسرائيل بسبب وقف تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة، وعودة حكومة بنيامين نتنياهو إلى قصف القطاع، مما يعني أن القوة الجوية الأميركية ليست عصا سحرية لكسب الحروب، وبخاصة في الأماكن ذات الطبيعة الجبلية مثل اليمن، حيث واجه الحوثيون أيضاً هجمات جوية أميركية وبريطانية وإسرائيلية في الماضي، لكنهم صمدوا في وجه العاصفة.

وبينما يعترف مسؤول أميركي رفيع المستوى لموقع "ذا وور زون" بأن الجيش الأميركي غير متأكد من حجم مخزونات الأسلحة التي يمتلكها الحوثيون أو مصدرها، إلا أنه يعتقد أن الحوثيين ينتجون كميات كبيرة منها محلياً، وإن كانت بعض المكونات الرئيسة وأشياء أخرى تأتي على الأرجح من إيران أو من أماكن أخرى.

وكما تقول المحللة العسكرية في موقع "أولويات الدفاع" جينيفر كافانا فإن العمليات العسكرية الأميركية لم تثبط الحوثيين أو تضعفهم بصورة فعالة، ومن غير المرجح أن تستمر في ذلك مستقبلاً، حتى لو وسع ترمب قائمة الأهداف، مشيرة إلى أن المصالح الحيوية الأميركية والأمن الاقتصادي ليست معرضة للخطر في البحر الأحمر، حتى لو استمرت هجمات الحوثيين. ومع ذلك يبدو أن الولايات المتحدة ملتزمة خوض هذه الحرب وحدها على أي حال، وتنفق موارد لا حدود لها (أكثر من مليار دولار في العمليات ضد الحوثيين منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من دون أي تفويض حرب من الكونغرس.

مصدر التحدي

ولا يأتي مصدر التحدي الحوثي من إيران فحسب، فقد بدأ المنافسون للولايات المتحدة مثل روسيا والصين، في استغلال الثغرات التي تتيحها الصراعات اليمنية، وبحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، كان الحوثيون يتلقون دعماً واسعاً من روسيا، التي ترى في الجماعة اليمنية، أداة للرد على الدعم الغربي لأوكرانيا، وكشف تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" في أكتوبر الماضي، عن أن الكرملين زود الحوثيين ببيانات استهداف لضرباته ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، ربما مقابل حرية مرور السفن الروسية بأمان من باب المندب، وكذلك لمشاركة الشباب اليمني إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا.

كما زودت الصين الحوثيين بالصواريخ مقابل ترك سفنها تمر بأمان في البحر الأحمر وخليج عدن، وسعى الحوثيون كذلك إلى إقامة علاقات أكثر دفئاً مع الجماعات الإرهابية، بما في ذلك منافسهم اليمني، تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية و"حركة الشباب" في الصومال، وهي تحالفات تساعد الحوثيين على تشديد قبضتهم على باب المندب.

إيران كهدف

يثير هذا كله تساؤلات حول مسار الحملة العسكرية الأميركية، وما إذا كان الحوثيون، بمشورة إيرانية، يعتقدون أنهم يستطيعون ببساطة الاختباء تحت الأرض والانتظار، بينما يطلقون بين حين وآخر بعض الصواريخ على إسرائيل وبعض القطع البحرية الأميركية أو سفن الشحن الدولية لإثبات قدرتهم على التحدي.

لكن الرئيس ترمب لمح في وقت سابق أن إيران قد تكون مستهدفة أيضاً لأن الحكومة في طهران هي أكبر داعم للحوثيين، إذ قدمت لهم الأسلحة والمساعدة التقنية، ولهذا يرى العميد المتقاعد في البحرية الأميركية مارك مونتغمري أهمية استمرار الحملة العسكرية الأميركية، وأن تمتد لتشمل الخصم الفعلي وهو إيران.

كما يعتبر المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" برادلي بومان أنه إذا نفذ ترمب هذه التهديدات حيال إيران، فسيشير ذلك إلى نقطة تحول مهمة في السياسة الخارجية الأميركية وأمن منطقة الشرق الأوسط، أما إذا تراجع ترمب عن هذه التهديدات، فستتآكل صدقية أميركا وقدرتها على الردع أكثر مما هي عليه الآن.

استراتيجية متماسكة أم ارتجالية؟

يصف بعض المعلقين سياسة ترمب الخارجية تجاه الشرق الأوسط بالارتجالية والفوضوية، لكن جوهر سياسة الرئيس الأميركي هو التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران والحد من نفوذها في المنطقة، ولهذا فإن الإجراءات التي تتخذها الإدارة تجاه إيران واليمن وسوريا ولبنان يمكن اعتبارها داعمة لهذا الهدف المحوري من خلال نزع فتيل الأزمات التي يمكن لإيران أن تشعلها في سوريا ولبنان، لكن في المقابل، يبدو أن دعم الإدارة قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي باستئناف الحرب في غزة غير حكيم، لأنه يخاطر بتقويض الدعم الإقليمي الذي سيحتاج إليه ترمب في مواجهة إيران.

وكما يقول المسؤول السابق في شؤون الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات المركزية آلان بينو فإن استعراض القوة الأميركية ضد الحوثيين وتحذير إيران من أنها قد تكون التالية، يسعيان إلى تعزيز هدف ترمب المتمثل في دفع طهران إلى التفاوض في شأن برنامجها النووي وضمان عدم زعزعة استقرار المنطقة.

لكن بينما تمتلك إدارة ترمب عديداً من العناصر الاستراتيجية المتماسكة تجاه الشرق الأوسط إلا أن هناك كثيراً من العوامل التي يمكن أن تفسد هذه الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، إذ ربما يصعب قمع الحوثيين على رغم الحملة العسكرية المطولة، وقد ترفض طهران التفاوض في شأن برنامجها النووي حتى تبدأ الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات.

ومن المحتمل أن تدفع هذه السيناريوهات بدورها البيت الأبيض على تكثيف عملياته ضد الحوثيين بصورة كبيرة واللجوء إلى هجوم عسكري كبير على إيران، أو التراجع والظهور بمظهر الضعيف، كما قد تنهار جهود واشنطن لتعزيز الاستقرار في لبنان وسوريا، مما يجعل البلدين عرضة لتجدد أعمال التخريب من قبل إيران و"حزب الله"، وقد تصبح غزة مستنقعاً طويل الأمد لإسرائيل ومصدراً للخلاف الذي يعوق جهود الولايات المتحدة لبناء تعاون أقوى مع شركائها في المنطقة.

خطة مستدامة

ومع ذلك يبدو أن إدارة ترمب تخاطر بالوقوع في نمط أميركي يعود إلى الحرب العالمية على الإرهاب بعد أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001، باختيارها عملاً عسكرياً قصير النظر على حساب بناء خطة مستدامة لليمن، فقد أهملت الإدارات الأميركية المتعاقبة تعقيدات الصراع، مما أدى إلى فشلها في تنفيذ استراتيجية مستدامة تحمي مصالح واشنطن في اليمن والمنطقة ككل.

وليس من المتوقع حل الصراعات المتداخلة العديدة والظروف الإنسانية المتردية في اليمن بالعمل العسكري الأميركي، الذي من المرجح أن يرسخ الحرب وتدفقات الأسلحة والتشرذم وضعف الحكم، بحسب ما يشير كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية جاكوب وير والمحلل السابق لشؤون الشرق الأوسط والإرهاب في وزارة الدفاع الأميركية أمير أسمر.

استراتيجية غير كافية

من المؤكد أن الهجمات على الحوثيين وتصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية ستلحق الضرر بالجماعة، لكنها لن تساعد القادة السياسيين في اليمن على بناء توافق، وكما كتب بيتر سالزبوري ومايكل وحيد حنا في مجلة "فورين بوليسي"، فإن التصنيفات الإرهابية تعمق الاستقطاب السياسي، وتحفز الجماعات غير المصنفة إرهابية على السعي وراء مطالب متشددة، وتصعب أحياناً وساطة الأطراف الثالثة، التي تعد حيوية لحل النزاعات عبر التسويات السياسية، من خلال تجريم حتى التواصل المحدود مع الجماعات المصنفة على أنها إرهابية.

وبعدما أصبح اليمن، الآن، دولة فاشلة فعلياً، كون أسباب الصراع وحلوله المحتملة معقدة للغاية، أحبطت هذه التعقيدات صانعي السياسات الأميركيين ودفعت البلاد إلى أدنى مرتبة في أولويات السياسة الخارجية الأميركية.

وكما كتب أليسون ماينور من مؤسسة "بروكينغز" العام الماضي فإن الفشل في منع الصراع في اليمن يعزى في جزء كبير منه إلى قلة الاهتمام رفيع المستوى المخصص لليمن حتى خلال فترات الأزمات، ما يقوض الإجراءات السياسية الأميركية الحاسمة.

وإذا كانت الإجراءات السابقة للولايات المتحدة وحلفائها قد فشلت في منع الحوثيين من شن هجمات على السفن، ربما تظهر الأيام المقبلة بعض المؤشرات إلى مدى نجاح هذا النهج الجديد من قبل إدارة الرئيس ترمب.

المزيد من تحلیل