ملخص
صادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على حجب الثقة عن المستشارة القضائية للحكومة، والتي تعد أول امرأة تشغل هذا المنصب حين تولت رئاسته في السابع من فبراير (شباط) 2022 بقرار من وزير العدل.
في تصعيد غير مسبوق يعكس مدى التوتر الكبير بين الحكومة والجهاز القضائي، صادقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على حجب الثقة عن المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراف ميارا، في خطوة تعد تمهيداً لمساعي إقالتها التي ستواجه عقبات إجرائية وقانونية وفق مراقبين، خصوصاً وأنها جاءت بعد يومين فقط من تصويت مجلس الوزراء الإسرائيلي على إقالة رئيس الـ "شاباك" رونين بار للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل.
وفي ظل تصاعد الخلافات معها داخل الائتلاف الحاكم الذي يسيطر عليه اليمين المتطرف، اتهم نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير القضاء ياريف ليفين المستشارة بـ "تسييس منصبها وإحباط إرادة الحكومة مراراً وتكراراً"، مما عزز الصراع في إسرائيل وعمق الشرخ المجتمعي والاستقطاب السياسي، كيف لا وقد رُحب داخل أروقة الائتلاف الحكومي بالخطوة، وصفق لها بينما وصفت في صفوف المعارضة بـ "غير القانونية والإجرامية".
وتعد المستشارة القضائية الحالية أول امرأة تشغل هذا المنصب الذي تولت رئاسته في السابع من فبراير (شباط) 2022 بقرار من وزير العدل وافقت عليه الحكومة حينها، إلا أن رأيها القانوني الذي أعلنته مطلع فبراير 2023 والذي أعربت فيه عن معارضتها لخطة إصلاح القضاء، التي قدمها ليفين آنذاك بالاتفاق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، دفع المعارضين لها إلى اتهامها "بالانقلاب السلطوي".
أهم المناصب
وبموجب حكم محكمة العدل العليا الإسرائيلية فإن المستشار القضائي هو المفسر للقانون تجاه السلطات الإدارية ورأيه ملزم لها ما لم تقرر المحكمة العليا خلاف ذلك، ويعد هذا أحد أهم المناصب وأكثرها تأثيراً في الحكومة الإسرائيلية، وعلى رغم أهميته فقد اكتسب المستشار القضائي للحكومة دوره والصلاحيات التي أنيطت به بصورة تدرجية من قرارات المحكمة العليا واللجان الرسمية على مدى العقود الماضية من دون أن يشرّع الكنيست قانوناً خاصاً له، لكن "لجنة شمغار" التي أنشئت عام 1994 لتقصي الحقائق حول مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل أسهمت بصورة كبيرة في تحديد طرق تعيين المستشار القانوني وحددت شروطاً واضحة لعزله تبنتها الحكومة الإسرائيلية بقرار رسمي عام 2000، والتي ترتكز على توصية من اللجنة التي يجب عليها تأكيد أن المستشار الذي اختارته خالف الصلاحيات الموكلة إليه واستوفى أحد شروط العزل، والمتمثلة إما بوجود خلافات حادة بين المستشار والحكومة أو رئيسها تحول دون التعاون، أو قيام المستشار بأعمال مخالفة لا تليق بمنصبه، أو تعذر عليه مواصلة عمله كمستشار، أو في حال تقديم لائحة اتهام بحقه أو التحقيق في قضية يشتبه بضلوعه فيها.
وحددت الحكومة الإسرائيلية مدة ولاية المستشار القانوني بستة أعوام، على أن توصي به لجنة خاصة يترأسها قاض متقاعد في المحكمة العليا يعينه الرئيس الحالي للمحكمة، وتشمل وزيراً سابقاً للعدل أو مستشاراً قانونياً سابقاً تعينه الحكومة، ونائباً تعينه اللجنة البرلمانية لشؤون الدستور والقانون والقضاء، ومحامياً تعينه نقابة المحامين، ومتخصصاً أكاديمياً يعينه رؤساء مساقات القانون في الجامعات، وإذا شغر أحد مقاعدها فيُعين بديل له من قبل الجهة المخولة بذلك. وبحسب القرار الحكومي فإن المسؤول عن بدء هذه التعيينات من قبل الجهات المعنية هو وزير العدل، ووفقاً لدراسة أعدها عمير فوكس وغاي لوريا لـ "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، فإن رأي اللجنة، إضافة إلى جلسات الاستماع ورد فعل الرأي العام سيكون كافياً لمنع إقالة المستشارة القضائية في ظروف غير مناسبة.
الحكم السليم
ويرى محللون أن الإقالة السياسية للمستشارة ستكون لها تداعيات هائلة في كل جانب ممكن من جوانب أنظمة الحكم في إسرائيل، وقد تؤدي إلى تفكك سريع للمبادئ الأساس لسيادة القانون التي قد تشمل عواقب بعيدة المدى على النظام السياسي وعلى مكتب المستشارة القضائية وقسم التحقيق والاستخبارات في الشرطة، وعلى مكانة إسرائيل الدولية.
وأفادت القناة "13" الإسرائيلية بأن عملية إقالة المستشارة القضائية للحكومة تواجه عقبات كبيرة ومن غير المتوقع أن تنجح بسهولة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى أزمة دستورية غير مسبوقة في إسرائيل، وقد حذر 19 من رؤساء وقضاة المحكمة العليا السابقين في إسرائيل في بيان مشترك من المضي في مسار الإقالة، واصفين ذلك بأنه "خطر على أسس دولة القانون ومبادئ الحكم السليم"، في حين اعتبرت مجموعة من القضاة البارزين السابقين ضمت كل من رؤساء المحكمة الإسرائيلية العليا السابقين أهارون باراك ودوريت بينيش وإستير حيوت ويتسحاق زامير وإلياكيم روبنشتاين وجورج قرا وعوزي فوغلمان، أن ميارا "تؤدي وظيفتها بصورة مهنية وجادة، وأن من غير المقبول أن يؤخذ عليها التزامها بالقانون كسبب لإقالتها"، محذرين من أن الخطوة "ستضعف أسس النظام الديمقراطي وستشوه استقلالية المنصب".
من جهته رأى رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان أن الإقالة تهدف إلى صرف الأنظار عن قضايا الأسرى الاسرائيليين والتهرب من الخدمة العسكرية، محذراً من أن "حكومة 7 أكتوبر" تعرّض أمن إسرائيل للخطر، على حد وصفه، فيما اعتبر الرئيس السابق للـ "شاباك" عامي أيالون أن قرار إقالة رئيس الـ "شاباك" والمستشارة القضائية من الحكومة يعكس "التحول نحو نظام استبدادي".
وكانت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية قد وجهت رسالة تحذير شديدة اللهجة إلى الوزراء قبل قرار حجب الثقة عنها، اتهمت فيها الحكومة بالسعي إلى "تقويض استقلالية الجهاز القضائي ومحاولة تحويل منصب المستشار القضائي إلى أداة صامتة أمام انتهاكات القانون، بل وحتى داعمة لها"، مشددة على أن الإجماع على إقالتها "يُستخدم لتبرير خطوة خطرة تهدف إلى فرض الولاء السياسي على حساب سيادة القانون"، ومتهمة الحكومة بأنها "تسعى إلى أن تكون فوق القانون وأن تتصرف من دون رقابة أو توازنات حتى في أكثر الفترات حساسية".
وفيما وقع 14 وزيراً في الحكومة الإسرائيلية على عريضة تطالب بعزلها بصورة فورية لعرقلتها قرارات الحكومة والمبادرات التشريعية وتجاوزها حدود التفويض الممنوح لها، يرى معارضون أن ميارا من بين آخر "حماة البوابات" التي تضبط السياسات الحكومية في مواجهة سلسلة من الإجراءات والتشريعات المناهضة للديمقراطية.
خلافات جوهرية
وفي وقت تزعم الحكومة الإسرائيلية أن أحد الأسباب المنصوص عليها في قرارها لعام 2000 قد تحقق، وهو وجود خلافات جوهرية وطويلة الأمد بين الحكومة والمستشارة القانونية تعوق التعاون، يرى متخصصون في الشأن القانوني أن معظم الخلافات مع المستشارة القانونية غالي بهراف ميارا ليست سوى حالات تتجاهل فيها الحكومة رأيها القانوني الملزم، وهو ما يخالف القانون.
وبحسب "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" فإن المسألة لا تتعلق بخلافات حقيقية بل برغبة الحكومة في التصرف خلافاً للقانون من دون وجود مستشار قانوني فعال يفرض عليها قيوداً قانونية، وقد أوضحت "لجنة شمغار" عند اقتراحها إجراءات العزل أن "إقالة المستشار القانوني لا تحدث لمجرد أنه دافع عن سيادة القانون"، بينما يرى مراقبون أن تغييب المستشارة القضائية من خلال استبدالها قد يسهل مسار محاكمة نتنياهو في ثلاثة ملفات تتعلق بعضها بالرشوة وخيانة الأمانة، خصوصاً أن ميارا هي المدعية المركزية التي تقف على رأس جهاز الادعاء في قضايا الفساد التي يتهم نتنياهو بالضلوع فيها منذ أكثر من ثمانية أعوام.
وتتوقع رئيسة المحكمة العليا سابقاً دوريت بينيش في حديث إذاعي "ألا تعزل المستشارة القانونية في نهاية المطاف"، وهذا التوقع مبني على أن مسار العزل طويل ومن المرجح أن يصل إلى المحكمة العليا التي قد تلغي القرار، إذ إن لجنة التعيينات غير مكتملة في هذا الوقت ويقتصر التمثيل فيها على رئيسها القاضي السابق أشير غرونيس ومندوبين آخرين عن المؤسسة الأكاديمية ونقابة المحامين، فيما سيكون على الكنيست والحكومة اختيار نائب ووزير سابق أو مستشار قانوني لاستكمال أعضاء اللجنة، وهذا بحد ذاته، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، سيستغرق وقتاً وقد يواجه تساؤلات وتشكيكاً في قانونية المسار ومهنيّته، والذي جاء بعد قرار حجب الثقة.
وبحسب ما جاء في صحيفة "لوتان" فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي استطاع إعادة أقصى اليمين إلى ائتلافه بفضل إنهاء الهدنة في قطاع غزة يواصل شن هجوم مباشر على العدالة وأمن الدولة، غير مبال بخطر اندلاع حرب بين الإسرائيليين، وذكرت أن إسرائيل التي ظلت تدعي أنها يهودية وديمقراطية على مدى 77 عاماً توشك أن تصبح "دولة استبدادية" بسبب "هجوم نتنياهو على الأجهزة الأمنية والنظام القضائي، مما دفع آلاف الإسرائيليين إلى النزول للشوارع".
ظهور قوي
وحصلت ميارا التي ولدت عام 1959 على البكالوريوس والماجستير في القانون عام 1984 من جامعة تل أبيب، وعملت كمساعدة تدريس ومحاضرة في الجامعة إلى جانب المحاماة، إلا أنها عام 1985 انضمت إلى مكتب المدعي العام لمنطقة تل أبيب، وقبل أن تنشغل على مدى 30 عاماً في مناصب مختلفة، خدمت في الجيش الإسرائيلي ضمن الوحدة (8200) في قسم الأبحاث بالاستخبارات العسكرية (أمان)، وكانت من المبادرين إلى تشريع يحصن جنود الجيش الإسرائيلي خلال الأنشطة العسكرية، وفي مارس (آذار) 2022 أثبتت ميارا أول ظهور قوي لها عندما أعلن وزير الأمن الداخلي عمر بارليف أن عضو الكنيست الذي يرغب في زيارة الحرم القدسي خلال شهر رمضان يجب أن يحصل على موافقة الشرطة الإسرائيلية، لتعلن أن وزارة الأمن الداخلي لا تمتلك صلاحية اتخاذ هذا القرار.