ملخص
من دون أي تمهيد أعلن الجيش الإسرائيلي الانتهاء من تطويق حي تل السلطان في رفح بهدف "تدمير البنية التحتية لـ(حماس) والقضاء على مسلحين في المنطقة".
فجأة، ومن دون سابق إنذار، رصد عزيز تقدماً مفاجئاً للدبابات الإسرائيلية في محافظة رفح أقصى جنوب القطاع، وأخذت تحاصر حي تل السلطان المحاذي لمحور فيلادلفي الذي يفصل بين غزة ومصر، وبسرعة فهم أن ثمة عملية عسكرية مباغتة يخطط لها الجيش.
قبل أن يصل عزيز إلى بيته كانت الآليات العسكرية حاصرت حي تل السلطان في رفح بالكامل، وبدأت طائراته المسيرة من نوع "كواد كابتر" تلقي قصاصات ورقية تطالب السكان بالإخلاء الفوري والعاجل، وكانت الأوامر العسكرية مرفقة بخرائط وتعليمات صارمة.
يقول عزيز "في تعليمات أوامر الإخلاء حدد الجيش طريقاً واحداً ليمر منه جميع سكان الحي كمسار إنساني، طلب أن تكون الوجهة منطقة المواصي، كما توعد كل من يسلك طريق آخر أو يتحرك بالمركبات أو يبقى في المنطقة بالموت".
تطويق ثم تحذير
ما يرويه عزيز مجرد البداية فقط ليوم من الجحيم الذي صبته إسرائيل على محافظة رفح وخصصته لحي تل السلطان الذي قتل فيه الجيش رئيس حركة "حماس" يحيى السنوار في خضم اجتياح رفح الأول عام 2024.
من دون أي تمهيد أعلن الجيش الإسرائيلي الانتهاء من تطويق حي تل السلطان في رفح، ويقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي "فعلنا ذلك لتدمير البنية التحتية لحماس، والقضاء على مسلحين في المنطقة، وتعميق السيطرة وتوسيع المنطقة الأمنية في محور فيلادلفي".
بمجرد ما وصل الجيش الإسرائيلي إلى رفح بدأت عمليات الإخلاء، وهذا أسلوب عسكري جديد تتبعه حكومة بنيامين نتنياهو للمرة الأولى، إذ كانت في السابق تطلب من المدنيين الإخلاء وتحذرهم، وبعد ذلك تشن عملية عسكرية برية، لكن هذه المرة اجتاح الجيش المنطقة ثم أخرج السكان بطريقة مرعبة للغاية.
بعد حصار المخيم بدأ النازحون في الهرب من الموت، واستمعت "اندبندنت عربية" لشهادات توقف القلب من الرعب. يقول هشام "لم نحصل على مهلة للنزوح، بمجرد إلقاء أوامر الإخلاء بدأت المعركة، من دون أية أمتعة هربت من البيت، وجدت الجيش قد نصب حواجز للتفتيش الأمني في طريق النزوح الذي حدده".
المركبات ممنوعة
حمزة أب يمسك أطفال يذرف دمعاً ويقول "تمت محاصرتنا، بسرعة ركبت عربة يجرها حصان لكن طائرة (كواد كابتر) أطلقت النار على العجلات، فهمت أنه يجب النزوح مشياً على الأقدام، وأدركت ذلك عندما رأيت حاجزاً عسكرياً للتفتيش حينها سقط قلبي رعباً".
يعيش في حي تل السلطان في رفح نحو 50 ألف غزي جميعهم حاصرهم الجيش في تلك المنطقة، وعاشوا أثناء النزوح حرباً ولحظات عصيبة تحت وابل من القصف المدفعي والجوي، وأجبروا على ترك منازلهم الدافئة وأحلامهم ومواجهة الطائرات والدبابات.
تقول سوسن "الموت كان يرفرف فوق رأسي من جحيم رفح"، مصدومة السيدة تقول "كان إطلاق النار جنوني، قذائف مدفعية وطائرات (كواد كابتر) لا تتوقف عن إطلاق النار. طائرات تقصف بيوت، حاصرونا تماماً".
حاجز عسكري بالذكاء الاصطناعي
أما أمين يقول "كانت الإصابات بالعشرات، والضحايا ملقون في الشوارع، ولا أحد يستطيع الوصول إليهم، نصب الجيش مكامن أمنية على طرق النزوح، علق كاميرات تعمل بواسطة الذكاء الاصطناعي وتطلق النار، يجب المرور من تلك الحواجز أو الموت".
عن الحاجز العسكري هذا، يوضح آسر "لا أعرف آلية عمله، لكن الكاميرات كانت تحدد أشخاصاً ويعتقلهم الجيش، وتطلق على آخرين النار مباشرة، وبعد تجاوز نقطة التفتيش تلك الدبابات كانت تطاردنا، وطائرات مسيرة تطلق النيران علينا من الأعلى".
شاهدت إيمي أثناء نزوحها مصابين على الأرض، وتقول "والدي عجوز حاصرته الدبابة، تركته خلفي ولم أستطع إنقاذه، كنت أشعر أن قدمي مشلولة وأنا أجري، أطلق الجنود النار على أخي قتلوه ثم قصفوه بصاروخ صغير رأيته أشلاء أمام عيني".
ويروي معتصم "استخدم الجيش الذكاء الصناعي في قتل الهاربين من حصار تل السلطان وأجبر النازحين على المرور في شوارع تحددها المسيرات وكاميرات ترصد الأهداف وتقتلها في لمح البصر. إسرائيل تستخدم التكنولوجيا الحديثة بصورة مرعبة".
حفرة ورشاش
يدلي أحمد سهمود بشهادته فيقول "أوقفوا مجموعة من الشباب في حفرة، ثم جاء جندي وأطلق عليهم الرصاص وجعلوا الأجساد تتكدس فوق بعضها بعضاً. لم يكن هناك وقت للصراخ. الرشاشات حسمت كل شيء في ثوانٍ، الأرض ابتلعتهم بسرعة. دفنوهم بواسطة الجرافات بعد ذلك، كانوا مجموعة من الشباب قد لا تتجاوز أعمارهم 14 سنة".
أما عدنان فإنه يؤكد مشاهدته لسيدة تحمل قدر طعام وخبز وكانت تصرخ نجوت وحدي ثم صارت تبكي وتقول "والله طهوت الطعام قبل النزوح، لكن قتلوا زوجي وأولادي".
لندى قصة حزينة تقول "قررنا نطلع وأخبرت أولادي أن ينزحوا لوحدهم. هناك اثنان منهم اتصلا وطمأنا قلبي أنهم وصلوا خارج رفح، إلا واحد من أولادي كنت أتصل على هاتفه، لكنه لا يستجيب. أثناء نزوحي سلكت مساراً آخر غير الذي حدده الجيش، وهناك وجدت جثة ابني على الأرض بكيت فقط وغادرت المنطقة".
منطقة قتال ومزيد من الجحيم
هذا الرعب الذي عاشه المدنيون، مرت به أيضاً طواقم الإسعاف والدفاع المدني. فبحسب نبال فرسخ مدير الإعلام في الهلال الأحمر الفلسطيني فإن الجيش حاصر أربع مركبات إسعاف والاتصال حالياً مفقود مع الطاقم المحاصر، كما أصيب عدد من المسعفين.
من جانب إسرائيل، يقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي "رفح منطقة قتال خطرة وساحة حرب، لكن على رغم ذلك حددنا مساراً إنسانياً للاستخدام من قبل الفلسطينيين للانتقال إلى منطقة المواصي. الذين تعرضوا للخطر هؤلاء سلكوا طرقاً أخرى أو تحركوا بالمركبات أو بقوا في المنطقة".
في الواقع، توعدت إسرائيل سكان غزة بزيادة العنف، إذ قال وزير الدفاع يسرائيل كاتس "سنفتح أبواب الجحيم على غزة، ما يحدث الآن ليس إلا البداية".