Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

لجنة التحقيق الدولية حول سوريا تعاني عوائق سابقة وتحديات مستقبلية

استقال أكثر من عضو فيها لغياب الدعم من قبل مجلس الأمن الدولي

رئيس اللجنة الدولية الخاصة بالجرائم التي تُرتكب في سوريا البرازيلي باولو سيرجيو بينهيرو (مواقع التواصل)

ملخص

بدأت لجنة التحقيق الدولية بخصوص سوريا عملها في أغسطس (آب) 2011، وحين منعها النظام السابق من دخول الأراضي السورية أصدرت تقارير عدة حيال مجرمي الحرب، وحققت في مجازر عدة من بينها التي جرت باستخدام الأسلحة الكيماوية، كما حملت التحالف الدولي مسؤولية مقتل مدنيين، واليوم عادت لتواصل عملها على الأرض.

بعد أشهر من انطلاق الانتفاضة السورية ضد نظام البعث، بدأت دائرة القتل وارتكاب المجازر تتسع شيئاً فشيئاً، فقرر "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة إنشاء لجنة دولية خاصة ومستقلة للتحقيق في الجرائم التي تُرتكب في سوريا، فجرى الإعلان عن اللجنة في الـ 22 من أغسطس (آب) 2011، وأوكلت إليها مهمة "الوقوف على الحقائق والظروف التي قد ترقى إلى الانتهاكات، والتحقيق في الجرائم التي ارتكبت وتحديد المسؤولين عنها بهدف ضمان المحاسبة".
وبدأت اللجنة عملها وفق المهمة الموكلة إليها لكنها واجهت عائقين أساسين، الأول عدم تعاون النظام السوري السابق معها، والثاني يتمثل في عدم تلقيها الدعم الكافي من مجلس الأمن الدولي، وفق ما أفادت العضو السابق في اللجنة كارلا ديل بونتي، والتي قررت تقديم استقالتها والانسحاب من اللجنة في أغسطس عام 2017، وقالت إن السبب الرئيس للاستقالة هو عدم تقديم مجلس الأمن أي نوع من الدعم للجنة التحقيق.
ويترأس اللجنة الدولية البرازيلي باولو سيرجيو بينهيرو، وأعضاؤها هم المصري هاني مجلي والبريطانية ولين ويلشمان والأميركي كارين كونينغ أبو زيد والتايلاندي وفيتيت مونتاربهورن والتركية ياكين إرتورك، والأخيرة لم تواصل العمل مع اللجنة وأعلنت استقالتها في مارس (آذار) 2012 من دون أن تكشف عن الأسباب، إضافة إلى السويسرية المستقيلة أيضاً كارلا ديل بونتي.

أول التحقيقات

وعلى الصعيد العملي كانت القضية الأولى التي تولت اللجنة التحقيق فيها هي "مجزرة الحولة" بمحافظة حمص التي حدثت في الـ 25 من مايو (أيار) 2012، وتحديداً في بلدة تلدو بمنطقة الحولة، ووفق الحصيلة النهائية للضحايا فقد قُتل 108 أشخاص خلالها بينهم 34 امرأة و49 طفلاً، وعلى الفور اعترفت حكومة النظام السابق بحصول المجزرة لكنها اتهمت تنظيم "القاعدة" بارتكابها.

وبعد إجراء لجنة التحقيق الدولية تحقيقاتها في الحادثة أصدرت تقريراً أكدت فيه مسؤولية الحكومة السورية عن ارتكاب المجزرة بالتعاون مع "جماعات الشبيحة"، وبعد صدور التقرير اكتفى مجلس الأمن بإصدار بيان إدانة للحكومة السورية السابقة، وقامت الولايات المتحدة بطرد سفير النظام السوري السابق من واشنطن، وبعد ذلك أصدرت اللجنة الدولية بياناً قالت فيه إن "الحكومة السورية لم تسمح لها بالدخول إلى البلاد لمواصلة التحقيق في مجزرة الحولة".

قضية الاعتداء على قافلة أممية

واصلت اللجنة عملها ببطء واعتمدت على شهادات المدنيين والمصادر المفتوحة من دون أن تتمكن من دخول الأراضي السورية والتحقيق في الانتهاكات، وفي الـ 19 من سبتمبر (أيلول) 2016 تعرضت قافلة مساعدات إنسانية تابعة للأمم المتحدة للاستهداف في مدينة أورم الكبرى بريف حلب أثناء توجهها لتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين، ففتحت اللجنة تحقيقاً مستقلاً في الحادثة، وفي مارس 2017 أصدرت تقريرها النهائي وجاء فيه أن "صور الأقمار الاصطناعية وأدلة الطب الشرعي أفادت بتورط القوات السورية في الهجوم، ونفى وجود طائرات هجومية روسية قرب المكان أثناء الهجوم، كما حوى التقرير شهادات بأن المروحيات أسقطت براميل متفجرة على دفعتين، ثم شنت طائرات هجمات تسببت بمقتل عدد من العاملين في تقديم المساعدات، وبعد ذلك أطلقت الطائرات مدافعها الرشاشة على الناجين فتسبب الهجوم بمقتل 14 مدنياً وإصابة 15 آخرين وتدمير 17 شاحنة مساعدات".

وأكد التقرير أن "القوات الجوية السورية خططت للهجوم بدقة ونفذته بوحشية"، معتبراً أنه "جريمة حرب لما وقع من تعمد الهجوم على العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية والحرمان من المساعدات الإنسانية واستهداف المدنيين"، وعلى رغم صدور هذا التقرير من جهة تابعة للأمم المتحدة فإن مجلس الأمن الدولي لم يتخذ أي إجراء ضد المسؤولين عنه.

مجزرة المسجد

وفي الـ 16 من مارس عام 2017 قصفت طائرات حربية أميركية مسجد عمر بن الخطاب في قرية الجينة بريف حلب الغربي أثناء أداء صلاة العشاء، مخلفة ما لا يقل عن 46 قتيلاً وعشرات الجرحى معظمهم من مدنيين، ويشار إلى أن قرية الجينة كانت تسيطر عليها في ذلك الوقت قوات المعارضة السورية، فيما أشارت تقارير أولية إلى أن الطائرات التي استهدفت المسجد تتبع للتحالف الدولي وانطلقت من قاعدة أنجرليك جنوب تركيا.

وقال المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية آنذاك جون توماس إن "الطائرات الأميركية لم تستهدف مسجداً، والمبنى الذي استهدفناه كان تجمعاً لتنظيم 'القاعدة' يقع على نحو 15 متراً من مسجد لا يزال قائماً، واستهدفه الطيران الأميركي مما أدى إلى مقتل كثير من الإرهابيين"، مؤكداً أنه سيجري أيضاً "فتح تحقيق في الادعاءات بأن تلك الضربة قد أدت إلى سقوط ضحايا مدنيين".
وبعد البيان الأميركي فتحت لجنة التحقيق الدولية تحقيقاً في الحادثة وأصدرت تقريرها النهائي في سبتمبر 2017، ومما جاء فيه أن "قوات الولايات المتحدة شنت غارة جوية على مجمع ديني حيث قصفت المكان بـ 10 قنابل ثم أطلقت قذيفتين على أهداف خرجت من المبنى، وأسفر الهجوم عن مقتل 38 شخصاً بينهم امرأة وخمسة أطفال وإصابة 26 آخرين".

ونفى التقرير أن يكون الموقع المستهدف مجمعاً لتنظيم "القاعدة"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة لم تكن تعرف طبيعة الهدف الفعلي وتقاعست عن اتخاذ الاحتياطات الممكنة لتجنب أو تقليل وقوع خسائر عرضية في أرواح المدنيين وإصابات في صفوفهم والإضرار بأعيان مدنية بما ينتهك القانون الدولي الإنساني"، ثم أُغلق ملف القضية من دون اتخاذ أية إجراءات.

اللجنة توجه أصابع الاتهام لروسيا

واستمرت اللجنة في عملها من دون أن يكون لنتائج التحقيقات التي تصدرها أي انعكاس في المحاكم الدولية أو أي تحركات جادة من مجلس الأمن الدولي، وفي مارس 2020 أصدرت اللجنة تقريراً في تحقيقات أجرتها في شأن حادثتين جرى فيهما استهداف المدنيين، الأولى كانت قصف سوق مدينة معرة النعمان بريف إدلب في الـ 22 من يوليو (تموز) 2019، حيث أسفرت سلسلة غارات جوية على المكان عن مقتل 43 مدنياً بينهم أربعة أطفال، وإصابة 109 أشخاص بينهم 18 طفلاً و15 امرأة، أما الحادثة الثانية فهي قصف "مخيم حاس" للاجئين في الـ 16 من أغسطس عام 2019 والذي أدى إلى مقتل 20 شخصاً وستة أطفال وثمان نساء كانت إحداهن حاملاً مع إصابة 40 آخرين.

واتهمت اللجنة القوات الجوية الروسية بالمشاركة في كلتا الحادثتين وشن هجمات عشوائية على مناطق مدنية بما يرقى إلى جريمة حرب، وهنا أيضاً لم يُتخذ أي إجراء عملي من قبل مجلس الأمن الدولي.

الكيماوي على طاولة لجنة التحقيق

وخلال أعوام عملها الـ 13 أصدرت اللجنة تقارير عدة حول استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، واتهمت النظام السابق بارتكاب أكثر من 20 هجوماً بالأسلحة الكيماوية ضد مناطق مدنية مأهولة بالسكان، وفي تقريرها المتعلق بالهجوم على مدينة خان شيخون في الرابع من أبريل (نيسان) 2017، قالت إن "القوات الحكومية السورية استخدمت غاز السارين أو مادة تشبهه في قصف مدينة خان شيخون مما أسفر عن مقتل 83 شخصاً بينهم 28 طفلاً و23 امرأة، وإصابة 293 شخصاً بينهم 103 أطفال".

وأضاف التقرير أن "الحكومة السورية هي من نفذت الهجوم الذي يُعد جريمة حرب متمثلة في استخدام أسلحة كيماوية وشن هجمات عشوائية على منطقة مأهولة بسكان مدنيين".

الدخول المتأخر إلى سوريا

وبعد سقوط النظام السابق وانتصار الثورة السورية تمكنت لجنة التحقيق الدولية المستقلة أخيراً من زيارة سوريا، وفي حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" قال رئيس اللجنة باولو سيرجيو بينيرو، إنه تمكن من "زيارة السجون والمعتقلات التي كان يستخدمها النظام السابق، والحكومة الجديدة منحتنا إمكان الوصول الفوري إلى سوريا، وقد جئنا إلى هنا بالفعل ونرى اليوم أن السوريين يقفون أمام فرصة كبيرة لرسم مسار مستقبلي جديد لبلدهم، لكن من المهم رفع العقوبات عن سوريا وإزالة العوائق أمام التعافي وإعادة الإعمار".

آلاف المتهمين

وأوضح بينيرو أن "هناك آلافاً من مرتكبي الجرائم في عهد نظام بشار الأسد تجب محاسبتهم، ونحن مستعدون للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة لملاحقة المتهمين ومحاكمتهم أمام القضاء الدولي، فما شهدناه في سوريا ليس انتقالاً للحكومة بل هو نهاية ستة عقود من الدكتاتورية الاستبدادية، وكل ما نراه حتى الآن إيجابي، فالحكومة الجديدة لا تزال تفي بوعودها حتى الآن وتمكنت بالفعل من ضبط الجماعات المسلحة، أما بالنسبة إلى مستقبل عملنا في لجنة التحقيق فنعمل حالياً على الحفاظ على أدلة الجرائم، فالأدلة مهمة كي نستطيع مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب".

اقرأ المزيد

كيفية تنظيم المحاكمات

وأوضح المسؤول الأممي "لدينا ضرورة ملحة لتقييم الظروف التي يمكن أن تجري فيها محاسبة المجرمين خلال عهد نظام الأسد، وكيفية تنظيم المحاكمات والتعامل مع النظام القضائي الدولي مثل 'المحكمة الجنائية الدولية' التي لم يكن من الممكن التقدم بطلب إليها منذ 13 عاماً، لأن سوريا ليست طرفاً في 'نظام روما الأساسي' وبالتالي لا يمكن فتح بعض التحقيقات ضد الجناة إلا من خلال مجلس الأمن الدولي، إذ كانت روسيا والصين تستخدمان حق النقض ضد أي قرار يمكن أن يتخذه المجلس لمحاسبة مجرمي الحرب في سوريا".

قائمة سرية بالمجرمين

وتابع بينيرو "أنشأنا قائمة سرية للمجرمين تتكون من الأفراد والمنشآت العسكرية والسجون في ما يتعلق بالأحداث التي وقعت في سوريا خلال الأعوام الـ 13 الماضية، ومع ذلك فمن المهم إنشاء سلسلة قيادية تتحمل مسؤولية محددة عن بدء التحقيقات بحق الأسد أو وزرائه أو أعضاء حكومته المتورطين بارتكاب جرائم بحق المدنيين السوريين، ونحن في اللجنة والحكومة السورية الجديدة تواجهنا تحديات كبيرة أهمها كيفية التعامل مع آلاف الجناة الذين تورطوا في أعمال عنف على مدى الأعوام الماضية، ونحن نجري اتصالات مع كثير من المنظمات الدولية المتخصصة في إعداد القضايا الجنائية".

شبكة عذاب

وختم المسؤول الأممي حديثه بالقول إن "حكومة النظام السابق كانت تستخدم الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري بصورة منهجية لقمع المعارضة، وهذا يشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ويمثل بعضاً من أسوأ الانتهاكات المنهجية للقانون الدولي التي ارتُكبت خلال النزاع، وقد أصدرنا أخيراً تقريراً حمل عنوان 'شبكة عذاب: الاحتجاز التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة في الجمهورية العربية السورية' استند إلى أكثر من 2000 إفادة من الشهود، بما في ذلك أكثر من 550 مقابلة مع ناجين من التعذيب، ويكشف عن تفاصيل مروعة حول أنماط التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية التي مارستها قوات النظام السابق على الرجال والنساء والأطفال المحتجزين، بما في ذلك الضرب المبرح والصعق بالكهرباء والحرق وقلع الأظافر وإتلاف الأسنان والاغتصاب والعنف الجنسي والتشويه وفرض أوضاع منهكة لفترات طويلة، والإهمال المتعمد والحرمان من الرعاية الطبية وتفاقم الجروح والتعذيب النفسي، ونأمل أن نرى مبادرات عدالة وطنية ذات صدقية يمكن أن يلعب فيها الناجون والعائلات دوراً محورياً، ونحن على استعداد للمساعدة في ذلك".

المزيد من حوارات