Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وسط عجز بالطاقة... "الفيتورة" أم الاختراع في تونس

600 ألف طن من بقايا الزيتون تحول إلى وقود وأموال

تتزايد كميات مخلفات الزيتون في تونس مع كل عام ترتفع فيه كميات المحاصيل (أ ف ب)

ملخص

تونس بلد يعتمد بصورة كلية تقريباً على استيراد المحروقات والغاز لتلبية أكثر من 60 في المئة من حاجاته

في منطقة صنهاجة الريفية في شمال غربي تونس العاصمة، وبين مزارع الزيتون التي تطوق ورشة ياسين الخليفي، يسمع هدير محرك آلة تدور بقايا الزيتون وتحولها إلى مصدر للطاقة التي تؤدي دوراً حيوياً في بلد يعتمد بشدة على واردات الغاز والنفط.

يقول الخليفي البالغ 36 سنة، وهو صاحب شركة "بيوهيت" الناشئة التي أسسها عام 2022 وهي فريدة من نوعها في البلاد "من النفايات العضوية المهملة نستخرج الطاقة ونربح أموالاً".

ويضع الخليفي على كف يده بقايا من "الفيتورة"، وهي عجينة من بقايا الزيتون بعد عملية العصر، مبدياً لوكالة الصحافة الفرنسية فخره بتحويل "شيء بلا قيمة إلى مصدر للثروة".

عادة متوارثة

تستعمل بعض الأسر في الأرياف التونسية منذ زمن بعيد "الفيتورة" التي تفرزها عمليات عصر الزيتون داخل المنزل لإضرام النار للحمامات التقليدية أو الطبخ، أو لتقديمها علفاً للحيوانات، لكن ومع وفرة الإنتاج تلقى كميات كبيرة منها في الطبيعة وتتسبب في تلوث التربة إذا ما تراكمت وقتاً طويلاً.

وتونس من بين البلدان الخمسة الأكثر إنتاجاً لزيت الزيتون في العالم، ويتوقع أن تشهد إنتاج 340 ألف طن خلال عام 2025 من هذه المادة، وسيفرز ذلك نحو 600 ألف طن من بقايا "الفيتورة"، غالبيتها ستلقى في الطبيعة.

يقول ياسين الذي نشأ في بيئة زراعية مع والديه "كنت دائماً عندما أشاهد العمال في معاصر الزيتون يستعملون ’الفيتورة‘ أتساءل كيف لهذه المادة أن تشتعل وقتاً طويلاً من دون أن تنطفئ؟". ومن هنا، "قلت لنفسي لماذا لا أحول هذه المادة إلى طاقة؟".

حطب أقل

ومن شأن ذلك أيضاً أن يسهم في "التخفيف من استعمال الحطب فيما البلاد أمام معضلة تصحر الغابات والتغير المناخي".

يجلب العمال "الفيتورة" بالشاحنات، وتكوم داخل الورشة ثم تُدخل في آلة للتدوير والمعالجة لتخرج بعد ذلك في شكل قوالب أسطوانية الشكل.

تنقل لاحقاً إلى مرحلة التجفيف طوال 30 يوماً تحت أشعة الشمس وداخل بيوت دفيئة ترص في علب كرتونية قبل أن تسلم للعملاء من أصحاب المطاعم وغيرهم.

شرع ياسين منذ عام 2018 في التفكير جدياً في مشروعه، وحمل المهندس الشاب المتخصص في التأثيرات البيئية وصاحب أعوام من الخبرة في العمل، بعضاً من "الفيتورة" وسافر إلى دول أوروبية بحثاً عن آلة بإمكانها أن تحول هذه المادة إلى قوالب تستعمل للتدفئة أو الطبخ وتشتعل أطول وقت ممكن بفضل كمية الزيت التي تحتويها، لكن مساعيه باءت بالفشل وعاد إلى تونس خائباً.

يقول "من 2018 بدأت المشوار إلى 2021، خلال أربعة أعوام جربت بنفسي تركيب كل أنواع المحركات وقطع الغيار المتاحة لكي أحصل على آلة تعطيني النتائج المطلوبة".

وبالفعل توصل في النهاية إلى "قالب ’فيتورة‘ بنسبة رطوبة ثمانية في المئة بعد تجفيفه 30 يوماً، ومع انبعاثات أقل من ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالحطب الذي يتطلب تجفيفه أربعة أشهر برطوبة في مستوى 17 في المئة".

قائمة مطولة بالمستخدمين

ونشطت التجارة بين الشركة والعملاء من المطاعم وبيوت الضيافة، وزودت الشركة مدارس في المناطق الغربية المهمشة التي تفتقر إلى تجهيزات التدفئة، حيث درجات الحرارة في فصل الشتاء تصل إلى ما دون الصفر.

أصبحت "بيوهيت" تشغل نحو 10 عمال وتصدر 60 في المئة من منتجها إلى الأسواق الفرنسية والكندية، مع إنتاج يناهز 600 طن خلال 2025.

اختار سليم الساحلي (40 سنة)، وهو مالك بيت ضيافة، هذا العام استعمال قوالب "الفيتورة" مكان الحطب لإشعال المدخنة والتدفئة لعملائه، ويفصح "هذا حل إيكولوجي بديل واقتصادي بالنسبة إليَّ"، ويضيف "هي طاقة نظيفة سهلة الاستعمال، وكذلك من الجانب المالي انخفضت كلفة التدفئة بالثلث".

اقرأ المزيد

يشاطره الرأي أحمد حرار الذي يدير محلاً لبيع البيتزا في ضواحي العاصمة تونس، ويؤكد أن هذه التقنية قللت من كميات الأدخنة المنبعثة مقارنة بالخشب، وهو ما أسعد جيرانه، علاوة على أن "الفيتورة" "تفرز طعماً ونكهة بخاصة في البيتزا".

تتزايد كميات مخلفات الزيتون في تونس مع كل عام ترتفع فيه كميات المحاصيل، وسيسمح استغلالها "بالحفاظ على البيئة وخلق فرص العمل والثروة"، وفق المتخصص في التنمية الزراعية والريفية نور الدين نصر.

عجز كبير في موازنة الطاقة

ويحدث ذلك من خلال توجيه استخدام مخلفات الزيتون "كمورد لتنويع مصادر الطاقة والإسهام في تقليل واردات الطاقة في بلد يعاني عجزاً كبيراً في موازنة الطاقة"، بحسب نصر.

وتونس بلد يعتمد بصورة كلية تقريباً على استيراد المحروقات والغاز لتلبية أكثر من 60 في المئة من حاجاته، وفق إحصاءات رسمية.

ويزيد الاعتماد الكبير على استيراد النفط والغاز من العجز التجاري ويرفع كلفة دعم الطاقة، مما يفرض "عبئاً كبيراً" على عجز الموازنة الحكومية، وفق تقرير للبنك الدولي نشر عام 2023.

وترتفع نسب استهلاك المحروقات والغاز خلال فصل الشتاء، وتسجل مناطق عدة ندرة في التزود بهذه المواد على غرار ما حدث في ولايات من مناطق الشمال الغربي خلال ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين.

واجه ياسين كغيره من الشباب التونسيين الباحثين عن تأسيس شركات ناشئة صعوبات كثيرة في مشواره، وأهمها "ضعف التمويل" والقروض المصرفية "بنسب فائدة عالية"، مما دفعه إلى الاعتماد على دعم المقربين منه.

يشير صاحب المشروع إلى أن تجربته الاستثمارية تهدف أساساً لأن "أضع بصمتي كلاعب مهم في عملية التحول نحو طاقة نظيفة في تونس، ولمَ لا، في العالم".

المزيد من منوعات