Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

هل تفسد مناورة بوتين في أوكرانيا الود بينه وبين ترمب؟

تنظر روسيا إلى عودة الرئيس الأميركي إلى السلطة في سياق دور مساعد في حل الصراع الأوكراني

من الواضح أن روسيا تنظر إلى عودة ترمب إلى السلطة في المقام الأول ضمن سياق دور مساعد في حل الصراع الأوكراني (أ ف ب)

ملخص

خلال الأسبوع الأخير من مارس الماضي تحدثت الصحافة الأميركية بصورة نشطة عن أن الرئيس الأميركي "غاضب" من نظيره الروسي بسبب مماطلته في عقد الصفقة الموعودة. وهدد ترمب بفرض عقوبات ثانوية على النفط الروسي إذا لم يُوقَّع على اتفاق السلام في أوكرانيا قريباً.

وضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه في مكانة "ملك عقد الصفقات" الذي يمكنه استغلال علاقته الدافئة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وتخفيف التوترات بين أكبر القوى النووية في العالم. لكن هذه الصورة تتناقض مع تجربة تفاعلهما والحقائق الجيوسياسية الجديدة، ومع شخصية "القيصر" الآتي من عالم الاستخبارات والواثق من حنكته السياسية وقدرته الفائقة على المناورة والحفاظ على "شعرة معاوية" مع الخصم والصديق في آن واحد، حتى لو بلغ السيل الزبى.
خلال ولاية ترمب الأولى، فشل الملياردير الأميركي والقيصر الروسي في التوصل إلى اتفاقات في شأن ضبط الأسلحة أو وضع حد للأزمة التي كانت أوكرانيا حبلى بها، واتسعت الفجوة بين البلدين بعد ترك الأول منصبه نتيجة انتخابات رئاسية لا يسمح القيصر بمثيلتها في عرينه. لكن لم يغب عن بال الزعيم الروسي أبداً ذلك الرئيس الأميركي الذي اتهم مراراً وتكراراً بدعم الكرملين له ولوصوله إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض خلال انتخابات عام 2016، لذلك تحدث بوتين بحميمية وبحرارة عن ترمب منذ إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ووصفه بأنه "شجاع" و"قدير"، لكنه لم يذكر أنه يمكن الوثوق به لإصلاح ما أفسده الدهر والسياسة في العلاقات بين البلدين.

مشكلات وخلافات متراكمة

ليس لدى الكرملين حتى الآن أي أمل في القضاء على المشكلات المتراكمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، حتى لو بذلت الإدارة الجديدة لدونالد ترمب مساعي حثيثة في هذا الاتجاه. وهذا ما عبر عنه السكرتير الصحافي لبوتين، دميتري بيسكوف، بقوله إن التوقعات في شأن حل مشكلة التأشيرات للدبلوماسيين الروس في الأمم المتحدة بعد وصول ترمب إلى السلطة سابقة لأوانها. وأضاف أنه "من السابق لأوانه الحديث عن آمال [في حل المشكلات المتراكمة]. وثانياً، لم تجر أية اتصالات حتى الآن حول المسائل الأخرى العالقة باستثناء الأزمة الأوكرانية، من ثم ليس هذا هو السؤال الوحيد الذي يمكن طرحه على الجانب الأميركي".

ورداً على سؤال حول إمكانية إثارة الرئيس الروسي مشكلة التأشيرات للدبلوماسيين الروس في الأمم المتحدة، أكد بيسكوف أن "أجندة القضايا المزعجة واسعة للغاية" وسيكون من الخطأ تحديد أي منها كأولوية.

وبحسب سفير ترمب السابق لدى حلف شمال الأطلسي كورت فولكر فإن الكلمات الدافئة التي يلقيها الرئيس الأميركي تجاه بوتين تخفي تكتيكاته كرجل أعمال في المفاوضات مع زعماء العالم، "إنه يتجنب شيطنة الشخص الآخر لأنه يريد عقد صفقة معه".
وقال دبلوماسي أميركي سابق في روسيا "قد لا يعترض بوتين على الاتصالات الدبلوماسية الأميركية الأكثر نشاطاً في شأن الأزمة الأوكرانية، لكن هذا لن يؤدي بالضرورة إلى تغيير في سلوكه، لأنه يعتقد أنه يتصرف بصورة جيدة في ساحة المعركة".


أسباب حذر موسكو

من جهتها، شرحت صحيفة "وول ستريت جورنال" السبب وراء أن فرحة موسكو بعودة ترمب قد تكون سابقة لأوانها. ورأت الصحيفة أن تعيين عضو الكونغرس مايك والتز، وهو من قدامى المحاربين في القوات الخاصة الأميركية في منصب مستشار الأمن القومي، قد يكون سلاحاً ذا حدين بالنسبة لبوتين. فمع أن هذا المحارب القديم انتقد حجم المساعدات الأميركية لأوكرانيا ودعا أوروبا إلى بذل مزيد من الجهود، لكن بوتين حذر منه أيضاً، لأن واشنطن قد ترفع القيود المفروضة على إمدادات الأسلحة بعيدة المدى إلى أوكرانيا، وهو ما قد يسمح لكييف بشن هجمات أعمق في الأراضي الروسية، إذا لم يأت بوتين طوعاً ومن دون شروط مسبقة إلى طاولة المفاوضات.
ووعد ترمب أيضاً بزيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تخمة في سوق النفط العالمية، لا سيما أن المبيعات النفطية هي مصدر حيوي للدخل بالنسبة للاقتصاد الروسي الذي يعاني بالفعل من العقوبات الغربية الضخمة. ويعاني اقتصاد الحرب في الكرملين من علامات ارتفاع درجة الحرارة بسبب نقص العمالة.
ويهدف ترمب أيضاً إلى زيادة الضغط على كوريا الشمالية، التي أصبحت حليفاً استراتيجياً لموسكو خلال الحرب في أوكرانيا، إذ زودتها بملايين القذائف المدفعية وأرسلت أخيراً قواتاً إلى خطوط المواجهة في غرب روسيا.

وهدد الرئيس الأميركي أيضاً بتحميل إيران، حليف الكرملين الآخر الذي يزوده بالمسيرات، المسؤولية المباشرة. ويسعى ترمب إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل، التي قالت إن ضربتها الأخيرة أضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية الروسية الصنع، وألحقت أضراراً بمنشآت إنتاج الصواريخ لديها.
وبعد تنصيبه مباشرة، قال الرئيس الأميركي الـ47 إن على بوتين أن يعقد صفقة. وأضاف "كانت لدينا علاقة رائعة مع [بوتين]، وآمل أن يكون راغباً في إبرام صفقة. لا يمكنه أن يكون سعيداً لأن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة له. أعني، إنه يعمل بجد لكن معظم الناس ظنوا أن الحرب ستنتهي في غضون أسبوعين تقريباً. والآن مرت ثلاثة أعوام، أليس كذلك؟". وبُعيد تنصيبه، قال الرئيس الأميركي إن أوكرانيا مستعدة لإبرام صفقة والآن يحتاج إلى معرفة رأي بوتين.

هل تعقد الصفقة؟

ومن الواضح أن روسيا تنظر إلى عودة ترمب إلى السلطة في المقام الأول ضمن سياق دور مساعد في حل الصراع الأوكراني. لكن بالنسبة للرئيس الأميركي نفسه، لا تشكل هذه القضية أهمية أساس في جدول أولوياته، ولكنها ليست الأقل أهمية أيضاً. وخلال الـ17 من يناير (كانون الثاني) الماضي اتصل ترمب بنظيره الصيني شي جينبينغ، ووعده بأنهما "سيفعلان كل ما هو ممكن لجعل العالم مكاناً أكثر سلاماً وأمناً". ومن الممكن تماماً أن يكون النقاش تناول أيضاً العمليات العسكرية في أوكرانيا.

تزامناً، عقد بوتين اجتماعاً مع أعضاء مجلس الأمن الروسي وأكد أن موسكو مستعدة للحوار مع الإدارة الأميركية الجديدة في شأن الصراع الأوكراني، معتبراً أن "الأهم هنا هو القضاء على جذور الأزمة، وهو ما تحدثنا عنه مراراً وتكراراً. أما بالنسبة إلى تسوية الأزمة بحد ذاتها، فأود التأكيد مجدداً على أن هدفها لا ينبغي أن يكون هدنة قصيرة، ولا مهلة لإعادة تجميع القوات وإعادة التسلح بهدف استمرار الصراع لاحقاً، بل سلام طويل الأمد قائم على احترام المصالح المشروعة لجميع الشعوب والأمم التي تعيش في هذه المنطقة. لكننا سنناضل بالطبع من أجل مصالح روسيا، ومن أجل مصالح الشعب الروسي".
وبدا الأمر كما لو أن الرئيس الروسي كان يحدد موقف موسكو الأساس في المفاوضات المقبلة مع ترمب. ومن المعروف أن الكرملين ربما رأى أنه من الضروري تكرار ذلك مرة أخرى أمام الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة. على رغم أن الإدارة الرئاسية الروسية كانت أشارت خلال وقت سابق إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن تغييرات محتملة في الخطاب الأميركي.

وفي خطاب تنصيبه، قال ترمب إنه يريد أن يسجل في التاريخ باعتباره صانع سلام وموحداً. وهناك رأي يتردد داخل أروقة الكرملين في كثير من الأحيان مفاده أن الرئيس الأميركي العائد إلى كرسي الرئاسة يحلم بالحصول على جائزة نوبل للسلام. وأنه سيحصل عليها أيضاً إذا تمكن من حل الصراع في أوكرانيا. وقال ترمب المعروف بمزاجه المتقلب وتهديداته العسكرية المتواترة، "قوتنا ستوقف كل الحروب وتجلب روحاً جديدة من الوحدة إلى عالم كان غاضباً وقاسياً، ولا يمكن التنبؤ به تماماً".
ترمب الذي أصبح بالفعل الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، حدد مع ذلك الموقف الرسمي لواشنطن حيال أوكرانيا. وفعل ذلك من المكتب البيضاوي، مجيباً عن أسئلة الصحافة أثناء توقيع المراسيم الأولى (التي بُثت على القنوات التلفزيونية الأميركية)، حول وعده بإنهاء حرب أوكرانيا خلال 24 ساعة. وقال "لم يمض سوى نصف يوم، ولا يزال أمامي نصف يوم. لنر". وأضاف ترمب مبتسماً "نريد الوصول إلى هناك في الوقت المحدد. وسنحاول حل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن". وتابع "كما تعلمون، ما كان ينبغي أن تبدأ الحرب بين أوكرانيا وروسيا". وعندما سئل عن الإطار الزمني لإنهاء الصراع، أشار الرئيس الأميركي إلى أن عليه التحدث مع بوتين حول الأمر، قائلاً "سنكتشف ذلك".

وذكر بأنه "كانت لدينا علاقة ممتازة معه (بوتين)، وآمل أن يرغب في إبرام صفقة. لا يمكنه أن يكون سعيداً لأن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة له. أعني إنه يعمل بجد، لكن معظم الناس ظنوا أن الحرب ستنتهي في غضون أسبوعين تقريباً. والآن مرت ثلاثة أعوام، أليس كذلك؟". ولفت الانتباه إلى عواقب الأعمال العسكرية على الاقتصاد الروسي والتضخم.
وأعلن ترمب أيضاً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "يريد إبرام صفقة". وأضاف"أعتقد أن على فلاديمير بوتين إبرام صفقة. وأعتقد أنه يدمر روسيا بعدم إبرامها. وأرى أن روسيا ستواجه مشكلات كبيرة". ولم يكشف ترمب عن طبيعة الصفقة.

ومع ذلك قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه لا يستطيع تحديد إطار زمني محدد لإنهاء الصراع. ولكنه أشار إلى أنه سيتعين على كلا الجانبين "تقديم تنازلات".

ترمب غاضب

خلال الأسبوع الأخير من مارس (آذار) الماضي تحدثت الصحافة الأميركية بصورة نشطة عن أن الرئيس الأميركي "غاضب" من نظيره الروسي بسبب مماطلته في عقد الصفقة الموعودة. وهدد ترمب بفرض عقوبات ثانوية على كل النفط الروسي إذا لم يوقَّع على اتفاق السلام في أوكرانيا قريباً، هكذا رد الرئيس الأميركي على اقتراح بوتين وضع أوكرانيا تحت حكم موقت ترعاه الأمم المتحدة لإجراء انتخابات هناك.
وقال ترمب "إذا لم نتمكن من التوصل إلى اتفاق مع روسيا لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا، وإذا وجدت أن روسيا هي المسؤولة عن ذلك - وقد لا تكون كذلك - فسأفرض رسوماً جمركية ثانوية على النفط، على كل النفط القادم من روسيا".
وكشف الرئيس الأميركي أيضاً إنه يخطط للتحدث مع الرئيس الروسي الأسبوع المقبل، معرباً عن أمله في ألا يعني كلام بوتين أن موسكو تؤجل توقيع اتفاق السلام لفترة طويلة.
وصرح بأنه كان غاضباً للغاية "عندما بدأ بوتين في تقويض سلطة زيلينسكي".
ونشرت قناة "أن بي سي" مقتطفاً من تصريحات ترمب. وقُرأت بقية تصريحات الرئيس على الهواء مباشرة من قبل المذيعة التلفزيونية كريستين ويلكر وبحسب قولها، فإن الرئيس نفسه "اتصل بها". وخلال وقت سابق قال ترمب إنه لم يعد يرغب في التحدث إلى صحافيي قناة "أن بي سي نيوز"، وإن القناة "فقدت صدقيتها تماماً".

وأشار السكرتير الصحافي للرئيس الروسي دميتري بيسكوف معلقاً على التقارير التي تفيد بأن ترمب غاضب من بوتين، إلى أن "عدداً من تصريحات الرئيس الأميركي نشرت في إعادة سرد، دون اقتباسات داعمة. ونعمل على تطبيق بعض الأفكار المتعلقة بالتسوية الأوكرانية، وهذا العمل مستمر".
وخلال الـ28 من مارس الماضي، اقترح بوتين إجراء مناقشة مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي حول إمكانية إدخال إدارة دولية موقتة لحكم أوكرانيا تحت رعاية الأمم المتحدة، حتى تُنتخب حكومة شرعية.


التباين المرئي

تختلف التعليقات التي أوردتها شبكة "أن بي سي نيوز" بصورة كبيرة عما قاله ترمب خلال الأشهر الأخيرة، والجو الذي أشاعه حول علاقته الطيبة بنظيره الروسي، فيما انتقد الرئيس الأميركي زيلينسكي مراراً وتكراراً، واتهمه ببدء الحرب ووصفه بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات".
وكتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن التغيير التدريجي في خطاب واشنطن يعود إلى حقيقة مفادها أن مستشاري الرئيس الأميركي المناهضين لروسيا زادوا من نفوذهم مع استمرار المحادثات في شأن أوكرانيا، بحسب ما نقلت الصحيفة عن رئيس مؤسسة ساراتوغا البحثية غلين هوارد.
ويعتقد المتخصص أن إحباط ترمب الشخصي تجاه موسكو يتزايد، كما يتضح من أحد منشوراته الأخيرة على شبكته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال"، والذي يتحدث فيه عن "العدوان الروسي" المزعوم والتوسع الصيني كمبرر لمطالبة واشنطن بضم غرينلاند.
وفي الوقت نفسه، أفادت خدمة الصحافة الحكومية البريطانية أن محادثة هاتفية جرت بين رئيس وزراء البلاد كير ستارمر والرئيس ترمب، اتفق خلالها الزعيمان على توسيع الضغط الجماعي على روسيا.
وفي سياق مناقشة حرب أوكرانيا، أطلع ستارمر ترمب على المناقشات البناءة التي جرت خلال اجتماع "تحالف الراغبين" في باريس. واتفق القادة على ضرورة مواصلة الضغط الجماعي على بوتين، وفق بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء البريطاني.

غيمة صيف عابرة

بحسب المتخصص السياسي رافائيل أوردوخانيان، فإن موضوع "غضب" ترمب تجاه بوتين يُضخم بصورة مصطنعة في وسائل الإعلام الأميركية. وقال إنه "لا يوجد دليل ملموس يدعم هذه الحقيقة، وبصورة عامة، اختلف الخطاب الأميركي اختلافاً جوهرياً. ترمب لا يروق له حقاً أن يعارضه الناس ويقولوا أشياء لم يوافق عليها. وفي هذه الحال، يعد هذا رد فعل على اقتراح روسيا خطتها الخاصة. وربما أثار هذا دهشته، لكنه لم يثر غضبه. وهناك خطاب سلبي في البيئة السياسية الأميركية، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار جميع العوامل المحيطة بترمب حالياً".

وأوضح عالم السياسة أن "الحقيقة أن ترمب يتعرض لضغوط هائلة من الداخل. وهناك تخريب حقيقي يجري داخل الساحة السياسية الأميركية". وأضاف "ترمب يتعرض لانتقادات لاذعة من كل حدب وصوب، فهو متهم باتباع سياسات خاطئة تجاه أوروبا وكندا والمكسيك والصين. أما داخل الولايات المتحدة، فهو متهم بالتساهل مع روسيا. ترمب يضغط على زيلينسكي، وهو أمر واضح. وهذا يسبب رد فعل عنيف من العولميين، لأنهم يلعبون بورقة أوكرانيا ضد روسيا، لذلك علينا أن نأخذ هذا التوتر بعين الاعتبار".
ويعتقد المتحدث ذاته أن "مجموعات العمل من روسيا والولايات المتحدة تجري حالياً مفاوضات مكثفة وهذه إجراءات حقيقية. وكل ما تبقى هو مجرد كلام في الصحافة".
وبرأيه، فإن "كل ما ينشر الآن حول غضب ترمب من بوتين هو، إلى حد كبير، مجرد رغوة سياسية ستزول سريعاً. لكن في الوقت نفسه، لا ينبغي للمرء أن يعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام مسبقاً بين واشنطن وموسكو، ولكن في هذه الحال من المهم النظر إلى أفعال الأميركيين لا إلى أقوالهم. ونرى أنه إذا كان ترمب غاضباً من أحد، فهو في المقام الأول من زيلينسكي. إنه غاضب من كندا، ومن شركائه في ’ناتو‘ وهو يعبر عن ذلك علانية".

الوقت ينفد

عالم السياسة الروسي ومدير معهد الدراسات السياسية سيرغي ماركوف أوضح رغبة ترمب في إنهاء الصراع داخل أوكرانيا في أسرع وقت ممكن. وقال في مقابلة صحافية "سيكون يوم الـ20 من أبريل (نيسان) عيد الفصح لجميع الطوائف المسيحية، وهو ما يرمز إلى وحدة العالم المسيحي. وفي الـ29 من أبريل، سيكمل ترمب 100 يوم في منصبه، إذ سيبلغ شعب الولايات المتحدة والعالم أجمع بما أنجزه. لذلك، سيكون من الجيد الاتفاق بحلول هذا الوقت وإعلان هدنة ووقف إطلاق نار على طول خط المواجهة. هذا ما كان ترمب يسعى إليه، ولهذا بدأ في استعادة العلاقات مع روسيا. ومع ذلك، لم تسر الأمور كما أرادها حتى الآن".
وبحسب ماركوف، فإن ترمب غير قادر على التفاوض في شأن السلام بسبب معارضته من قبل قوى ما يسمى "حزب الحرب".
وأوضح أن "’حزب الحرب‘ ينشط داخل الولايات المتحدة وفي أوروبا، ويمثله رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني المستقبلي فريدريش ميرز. إنهم لا يريدون السلام بل يريدون الاستفادة من وقف إطلاق النار على غرار اتفاقات مينسك، أي استخدام هذا الوقت للتحضير لمرحلة أكثر وحشية من الحرب. ولذلك فإن الجانب الروسي يشير إلى موافقته على وقف إطلاق النار، ولكن فقط في ظل ظروف معينة"، بحسب ما قال المتخصص السياسي.
ويعتقد ماركوف أن "المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود بسبب هذه التناقضات"، وأشار إلى أن ترمب كان يخطط لزيارة السعودية خلال الـ14 من أبريل الجاري، إذ أراد لقاء بوتين والإعلان عن اتفاق سلام. لكن ظهرت معلومات تفيد بأن ترمب أرجأ زيارته إلى منتصف مايو (أيار) المقبل. وأعتقد أن ترمب أدرك بالفعل أن السلام لن يتحقق بحلول الـ20 من أبريل الجاري. وحتى الآن، اقترحت روسيا هدنتين قصيرتين، الأولى لوقف الهجمات على منشآت الطاقة، والثانية في البحر الأسود. وهاتان الهدنتان القصيرتان ضروريتان لاختبار مدى قدرة أوكرانيا على الالتزام بالاتفاقات. وحتى الآن، نرى أنها غير قادرة على ذلك".

ويعد ماركوف أن ترمب وصل حالياً إلى طريق مسدود لأن زيلينسكي لا يفي بمطالبه، وأوروبا ترفض ربط "بنك روسيل خوز" بشبكة "سويفت".

وأعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن خطط الرئيس ترمب لزيارة السعودية خلال مايو المقبل لا علاقة لها بالرئيس الروسي. وقال في إفادة صحافية أمس الأربعاء "هذه الخطط خاصة بالرئيس الأميركي وحده، ولا صلة لها بالرئيس بوتين، وليس لدى الرئيس مثل هذه الخطط حتى الآن".
وكان ترمب قال خلال وقت سابق إنه قد يسافر إلى السعودية خلال أبريل (الجاري)، وربما "بعد ذلك بقليل"، فيما ذُكرت السعودية كمكان محتمل للقاء الزعيمين الروسي والأميركي.
وفي سياق متصل، لم يستبعد بيسكوف زيارة رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة كيريل دميتريف، الذي شارك في محادثات الرياض، إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

اقرأ المزيد

التفكير في عقوبات مؤلمة

وتدرس الولايات المتحدة فرض عقوبات صارمة على السفن التي تنقل النفط الروسي، بحسب ما قاله الصحافي في شبكة "فوكس نيوز" جاكي هاينريش على منصة "إكس"، نقلاً عن مصدر مسؤول. وكتب أن "إدارة البيت الأبيض تدرس فرض عقوبات صارمة، بما في ذلك ضد أسطول الظل الروسي". وبحسب الصحافي، فإن واشنطن تصنف فعالية القيود الحالية ضد روسيا على أنها عند "مستوى ثلاثة من 10".
وفي ما يتعلق بالإجراءات الجديدة، قد تحاول الولايات المتحدة فرض حظر على مرور السفن التي تحمل النفط الروسي عبر بحر البلطيق، بحسب ما أكد هاينريش.
وخلال الأحد الـ30 من مارس الماضي، ذكرت شبكة "أن بي سي نيوز" أن ترمب هدد بفرض رسوم جمركية ثانوية تراوح ما بين 25 و50 في المئة على كل النفط المصدر من روسيا، ما لم يُتوصل إلى اتفاق مع موسكو لإنهاء الصراع في أوكرانيا. لكن بعد ذلك بقليل أوضح الرئيس الأميركي أنه لا يرغب في اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات.

وفي تعليقه على هذه التصريحات، أشار بيسكوف إلى أن روسيا تواصل الاتصال بالولايات المتحدة في شأن موضوع حل الأزمة الأوكرانية، لكن هناك حاجة إلى جهود إضافية لمتابعة مثل هذا الحوار.
الخبير في مركز الدراسات الروسية بجامعة شرق الصين كوي هينغ اعتبر أن تهديدات الرئيس الأميركي لن تؤدي إلى تقديم تنازلات من موسكو في محادثات أوكرانيا، ونقلت صحيفة "غلوبال تايمز" تصريحاته، مؤكدة أن "توقعات الإدارة الأميركية باستسلام روسيا وأوكرانيا في المفاوضات لا تتوافق مع الواقع".
واعتبر أن "تصريحات ترمب في شأن فرض عقوبات على صادرات النفط الروسية، والتي من المفترض أنها تهدف إلى تسريع عملية التفاوض، من غير المرجح أن تؤخذ على محمل الجد من قبل موسكو. وأعرب المتخصص عن ثقته في أن الكرملين سيرد "بقوة" على التهديدات، مشيراً إلى أن "روسيا تحتفظ بالمبادرة سواء في ساحة المعركة أو على طاولة المفاوضات".

الخلافات لن تفسد للود قضية

ورأى كوي هينغ أن "ترمب ليس غاضباً من روسيا، بل يزيد الضغط على جميع أطراف النزاع، ويظهر غضبه لدفعهم جميعاً نحو تسوية أكبر وأسرع. ويظهر الرئيس الأميركي تشدداً في مطالبه على جميع الأطراف. لكن يبدو لي أن هذا الضغط لن يجدي نفعاً أيضاً. ولكي تعقد هدنة، يجب على ترمب أن يعلن وقفاً فورياً لجميع إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا إذا لم تقبل المطالب الروسية".

وفي وقت سابق، أعرب ترمب عن أمله في أن يفي الرئيس الروسي بالتزاماته بموجب اتفاق محتمل لحل الصراع سلمياً. وأكد استعداده لفرض عقوبات ثانوية إذا لم تقدم موسكو تنازلات، لكنه أكد مع ذلك على علاقاته الجيدة مع بوتين.

وأشار ترمب أيضاً إلى رغبة كييف في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كأحد أسباب الصراع، ومن المتوقع أن يؤثر احتمال إجراء مكالمات هاتفية جديدة بين ترمب وبوتين على التطورات المستقبلية، لكن رد فعل روسيا يظل غير مؤكد.

لكن المؤكد أن ترمب وخلافاً لسلفه الديمقراطي جو بايدن لم يطلق ولا مرة نعوتاً جارحة بحق بوتين ولم يتحدث عنه بسوء أبداً، كما أن "القيصر" مقتنع في قرارة نفسه أن الملياردير الرئيس هو الأقرب إليه والأكثر تساهلاً مع سياساته من كل الرؤساء الأميركيين الذين عاصرهم، لذلك يجد في رئاسته وفي إدارته "فرصة ذهبية لن تتكرر"، للتوصل إلى حل الأزمة الأوكرانية بأكبر قدر ممكن من المكاسب التي يمكن تحقيقها ولو من طريق المناورات السياسية أو المماطلة المدروسة، التي لا تؤدي إلى إثارة غضب "الشريك" وتجعله يخرج عن طوره.
فالقيصر بارع في تدوير الزوايا عند لحظة الحقيقة، وفي إرخاء الشعرة إذا شعر أن من يقف مقابله يشدها بقوة ومستعد لقطعها. وهو منذ وصوله إلى الكرملين مارس سياسة المداراة والاحتواء مع رجالات الإرث الثقيل الذي تركه له سلفه بوريس يلتسين، ولم يكن حازماً وحاسماً إلا مع أولئك الذين لم يجد بداً من خوض المعارك معهم، وهو كشف مراراً أنه اكتسب منذ طفولته مبدأً عملياً من شوارع سانت بطرسبورغ، يتلخص في أنه إذا لم يكن هناك بد من الصراع ولا فكاك منه، فلتكن المبادر لتوجيه الضربة الأولى بدل انتظار تلقيها على حين غرة.
ومن هنا يمكن فهم إعلان الكرملين أن الرئيسين الروسي والأميركي يثقان ببعضهما بعضاً ويعتزمان اتباع مسار تطبيع العلاقات الثنائية، فيما تتحدث وسائل إعلام أميركية عن غضب ترمب من بوتين.
وقال السكرتير الصحافي للكرملين أمس الأربعاء "أستطيع أن أقول بثقة عالية إن الرئيسين بوتين وترمب يفهمان بعضهما بعضاً جيداً ويثقان ببعضهما بعضاً، ويعتزمان التحرك تدريجاً على طريق تطبيع العلاقات الروسية الأميركية". وأشار إلى أن "روسيا والولايات المتحدة دولتان كبيرتان للغاية، وأُفسد كثير خلال الإدارة السابقة في العلاقة بين موسكو وواشنطن".
"ولذلك، بطبيعة الحال سيستغرق الأمر وقتاً وجهداً بدعم من إرادة رئيسي البلدين لاستعادة هذه العلاقات، ولكن خلال الوقت الحالي فإن هذه الإرادة القوية للرئيسين هي على الأرجح أفضل ضمانة بأن الجميع سيتبعون هذا المسار، وهذا يعني في كل من أميركا وروسيا"، وفق بيسكوف.
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت اتصالات بوتين وترمب تعد مؤشرات إلى قيام نظام عالمي جديد، قال بيسكوف "كثيراً ما تحدث الرئيس بوتين عن ضرورة بناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة، وهذا ما يحدث الآن". وأكد أن "موضوع استمرار الإمدادات العسكرية إلى كييف مهم وحساس للغاية"، لافتاً إلى أنه "إلى جانب الجوانب الأخرى فإن هذا الأمر سيكون على رأس أجندة أية اتصالات ستُجرى مستقبلاً حول هذا الموضوع بيننا والأميركيين. لكن بما أن هذا موضوع حساس للغاية، فلا جدوى من مناقشته علناً. ولا ننوي القيام بذلك حالياً".

ورداً على سؤال توضيحي حول ما إذا كان الجانب الأميركي استجاب لمخاوف روسيا في شأن مراقبة وقف إطلاق النار في حال التوصل إلى هدنة، بما في ذلك مسألة تعليق التعبئة في أوكرانيا وإعادة تسليح القوات المسلحة الأوكرانية، قال بيسكوف "أتيحت لنا الفرصة لإطلاع الجانب الأميركي بالتفصيل على تلك القضايا المتعلقة بوقف إطلاق النار المحتمل، وتلك التفاصيل الدقيقة التي ذكرها الرئيس بوتين. لقد لُفت انتباه الأميركيين إلى جميع هذه التفاصيل الدقيقة بتفصيل كبير. ولكن، مرة أخرى، جميع هذه المواضيع حساسة للغاية وتخضع لدراسة معمقة على المستوى الثنائي، ولا ينبغي أن تكون موضوع نقاش عام".
هل سينفذ ترمب كل ما وعد به من حلول وحروب، أم أن الأمر مجرد جزء من العرض؟ بالنسبة له، كل شيء هو عرض، من ثم فإن التنفيذ هو عرض أيضاً ولكنه سيحاول تنفيذه. ويرى ترمب نفسه وكأنه يقف وجهاً لوجه مع الأمة الأميركية. الرجل الذي يقول "لقد أعطاني الله مهمة جعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وقد أنقذني من أجلها" يثير المخاوف في شأن ما يمكن توقعه منه بصورة عامة. لكن ما قاله سيفعله بطريقة أو بأخرى، ولكن إلى أي مدى سيتحقق هذا ويتوافق بالمعنى الحرفي للكلمة مع تصريحاته، سنرى.

المزيد من تحقيقات ومطولات