حينما يصبح القوامُ الرياضيُّ في بعض الأوقات علامةً على المرض، والعضلات المنفوخة إنذارٌ بسلسلة من الأزمات الصحية الكامنة، والأكتاف المرتفعة والصدر العريض بشكل مبالغ فيه خلال وقت قياسي دليلٌ على خللٍ محتملٍ في وظائف أجهزة الجسم، فاعلم أننا في عصر العضلات "المغشوشة" والقوام الرياضي "المزيف"، و"مكملات الجيم"، أو أدوية بناء العضلات.
تلك الأدوية التي أصبحت تباع في مصر بمنتهى السهولة، حتى وصلت إلى "السوبر ماركت"، وعلى ما يبدو أن تكرار حوادث السكتات القلبية لأشخاص من ذوي البنية الرياضية جعل التحذير من خطورتها يبدو بارزاً مؤخراً.
وتقدَّم أكثر من نائب بالبرلمان المصري بطلب إحاطة لتقنين استعمالها، بينهم النائبة مايسة عطوة وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، التي أكدت ضرورة تقنين استخدام تلك العقاقير نظراً إلى ثبوت خطورتها على الصحة وتسببها في الوفيات، وهو نفس مضمون طلب إحاطة آخر تقدَّم به المهندس محمد فرج عامر رئيس لجنة الشباب بالمجلس، مطالباً بتجريم استخدامها دون وصفات طبية، ومحذراً من انتشارها في صالات الألعاب الرياضية.
فوضى في سوق أدوية العضلات
في الوقت الذي حذَّرت فيه منظمة الغذاء والدواء الأميركية منذ سنوات من خطورة تداول المكملات الغذائية، مؤكدة أن كثيراً منها "يسبب مشكلات في الكبد، وكذلك سكتات دماغية وأزمات جمة في الكبد والكلى"، وطالبت بـ"تقنين استخدامها"، وحثّت المستهلكين على التوقف عن استعمالها فوراً، يمكن لأي شخص بمصر الحصول على تلك المساحيق بآلاف المسميات التجارية بسهولة ودون وصفة طبيب، بل يبيعها إليه مدربه بالجيم، أو يشتريها بسهولة من متاجر مرخصة، رغم أن العقار نفسه قد لا يكون مرخصاً، خصوصاً أن وزارة الصحة المصرية لم تسمح إلا بتداول 150 دواءً فقط من تلك المكملات، بينما تمتلئ الأسواق بعشرات أضعاف هذا الرقم.
رغم فوضى بيع المكملات الغذائية المنتشرة في صالات الجيم، التي تتراوح أسعارها ما بين 5 و3 آلاف جنيه مصري (نحو 30 و185 دولاراً أميركياً)، من أجل الحصول على "فورمة" عضلات بشكل سريع، للتباهي بالمظهر الرياضي العملاق، ومشاركة الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لحصد علامات الإعجاب، لكن الأمر أصبح في بؤرة الضوء أكثر بعد تعدد الأزمات الصحية الناجمة عنها.
وأبرز تلك الحالات وفاة الفنان الشاب هيثم أحمد زكي الذي فارق الحياة بعد جرعة من المكملات الغذائية سببت له أزمةً قلبيةً، إذ كان قبلها خضع لتمرين قاسٍ في الجيم، حسب ما رواه شهود العيان وأقره تقرير الطب الشرعي، وفي صوره الأخيرة يظهر الشاب الذي توفى وهو في الـ35 من عمره بعضلات ضخمة.
الأمر سبق أن حدث بصورة أو بأخرى مع الفنان الشاب عمرو سمير الذي توفى قبل عامين ونصف العام أيضاً بعد تعرّضه إلى هبوطٍ حادٍ بالدورة الدموية في أثناء نومه، وكان الشاب البالغ من العمر 33 عاما يفرط في تناول عقاقير تكبير العضلات حسب ما تردد، ولم يكن يحرص على تناول وجبات صحية ملائمة في مقابل الإجهاد الكبير في التمرينات.
تعاطي هرمون النمو يؤدي إلى العقم
من جهتها حرصت نورا حسب الله متخصصة التغذية العلاجية ومدرب الصحة المتكاملة، في بداية حديثها مع "اندبندنت عربية"، على التفرقة بين "المكملات الغذائية التي تتضمن مواد طبيعية آمنة، والأدوية التي تحتوي على مواد مثل (الأفيدرين)".
وقالت، "(الأفيدرين) يستخدم في الأصل بشكل طبي، لكن البعض يحقنه تحت الجلد للتخسيس، وهو أمرٌ خطيرٌ للغاية، إذ مُنِع بالولايات المتحدة الأميركية، لأنه يسبب الوفاة، وكذلك (الإستيرويد)، وهرمون النمو، فهذه ليست مكملات غذائية، بل هي هرمونات تدخل الجسم بهدف تكبير العضلات وحرق الدهون، وهي عقاقير خطيرة جداً ومميتة، وتؤدي إلى مشكلات في الكبد والكلى، بل والعقم أيضاً والضعف الجنسي".
وأضافت حسب الله، "المكملات الغذائية مثل الفيتامينات والكرياتين والبروتينيات كثيرٌ منها لا يحمل ضرراً إذا اُستخدم بنسب معينة، لكن الإفراط في التعاطي يؤدي إلى أضرار كبيرة وقاتلة في بعض الأوقات".
مرض اضطراب التشوه الجسدي
ورغم أن الأمر به شقٌ آمنٌ، خصوصاً إذا اُستخدم بالنسب المقررة، لكن على ما يبدو أن هوس تقليد صور بعض لاعبي كمال الأجسام وأصحاب الجسد المثالي، من وجهة نظرهم، يجعل عادة الشباب يلجؤون إلى طرق خطيرة للحصول على العضلات بشكل سريع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسهم السوشيال ميديا في هذا بشكل كبير فيستعرض نجوم مواقع التواصل الاجتماعي هذا القوام الذي أصبح معتاداً جداً، وبالتالي كثيرٌ من المتابعين يحاولون الحصول على مظهر مماثل، وهنا تقول متخصصة التغذية العلاجية، "ما يُسمى بمنشطات الجيم موجود منذ سنوات، لكن الانتشار السريع أسهمت فيه السوشيال ميديا بالطبع، والمصابون بهوس بناء العضلات يعانون في الأغلب أزمة نفسية حقيقية تعرف باضطراب التشوه الجسدي والشعور بعدم الرضا عن شكل الجسم، فالإنسان يجب أن يتمرّن ويبني عضلاته غذائياً بشكل صحي وطبيعي، لكن ما يحدث هو أن الشباب يأخذون بنصيحة المدرب لا الطبيب، ويتناولون المنشطات لتنمية العضلات بشكل سريع عن طريق حقن تلك المواد".
وتابعت "يحدث في بعض الأوقات مع الإجهاد الشديد بالتمرينات يكون الشخص معرضاً فيما بعد إلى سكتات قلبية، وبالتالي يجب أن لا تكون تلك العقاقير في متناول اليد وسهلة التداول بهذا الشكل، وبعض المدربين يكتبون نظاماً غذائياً صارماً لمن يتمرنون معهم في الجيم، وهو غير مؤهل، لأن هذه مهمة متخصص التغذية والأطباء، والنتيجة إصابة الشخص بالأنيميا أو غيرها من الأزمات الصحية، إذ يصبح جسمه مفتقراً لمواد كثيرة".