تتزايد الأسئلة حول مصير الاحتجاجات العراقية، في ما لو اختير رئيس وزراء جديد، وفق ما رسمه المحتجون من ملامح، بينما تستمر الكتل السياسية بالتغاضي عن مطالبهم.
مشهد متشعب
يرى خبراء وناشطون أن استمرار الاحتجاجات غير مرهون بتجاوب الكتل واختيارها لرئيس وزراء يخضع لما طرحه المحتجون من معايير، بل إنها ستستمر حتى تنفيذ كل المطالب وضمان عدم الالتفاف عليها، فضلاً عن الضغط على رئيس الحكومة المقبلة لمحاسبة من تورط بقتل المتظاهرين منذ انطلاق الاحتجاجات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويشير هؤلاء إلى أن الاحتجاج بشكل عام، صار يحمل هوية أكثر ثباتاً، وهي التمرد على النظام السياسي القائم.
لكن ما يعقّد المشهد هو إصرار عددٍ كبيرٍ من الكتل السياسية على طرح مرشحين حزبيين تابعين لها، وعدم الاكتراث برأي الشارع العراقي، حيث تقول التسريبات إن الكتل السياسية القريبة من إيران لا تزال مصرة على أنها الكتلة النيابية الأكبر، وبالتالي من حقها تقديم الترشيحات.
في الوقت ذاته، تنازلت كتلة "سائرون" عمّا أسمته بحقها الدستوري كونها الكتلة الفائزة في الانتخابات الماضية، ودعت إلى احترام رأي المحتجين، قائلةً إن "الشعب هو الكتلة الأكبر".
في المقابل، شدّدت المرجعية الدينية، وفي أكثر من مناسبة، على ضرورة تلبية مطالب المحتجين الذين يصرون على ضرورة أن يكون الرئيس المقبل ضمن الضوابط التي وضعوها في بياناتهم، التي تتمثل في أن يكون مستقلاً وغير منتمٍ لأي حزب أو تيار ومن غير مزدوجي الجنسية، ولم يكن وزيراً أو بدرجة وزير أو برلمانياً أو محافظاً، وأن يكون نزيهاً وشجاعاً، ولم يتورط في أي قضية فساد، وأن يكون قراره عراقياً مستقلاً خالصاً، ولا يخضع لضغوط الكتل السياسية أو التدخلات الخارجية، إضافةً إلى تقديم تعهدات بمحاسبة قتلة المتظاهرين وعدم الترشح للانتخابات المقبلة ويكون ملتزماً بتنفيذ مطالب المحتجين في ساحات الاعتصام.
أساليب مختلفة للاحتجاج
ويعبّر ناشطون عن استعدادهم للمرحلة المقبلة بأساليب مختلفة للاحتجاج، مرهونةً بمدى تجاوب القوى السياسية مع مطالبهم، ويؤكدون أنهم مستمرون حتى تنفيذ كل مطالبهم.
ويقول الناشط محمود حميد إن "استمرار الاحتجاجات لا يتوقف عند تحقيق أحد المطالب، فبعضها جزء من مهام رئيس الوزراء المقبل، وأولها محاسبة الجهات التي قمعت الاعتصامات".
ويضيف "لن نترك الساحات بغير ضمانات، والضمانات هنا ليست مجرد وعود وتصريحات، بل خطوات على الأرض"، موضحاً أنّ "الاحتجاج سيستمر عندها بأساليب مختلفة، إذ نريد إشعار من بيده زمام الأمور (رئيس الحكومة) بأن رقابة الشارع المحتج مستمرة وخياراته مفتوحة".
تمرد على النظام
ولم تعد الانتفاضة العراقية تقتصر على استقلالية رئاسة الوزراء، بل باتت ذات هوية واضحة عنوانها التمرد على كل النظام السياسي القائم، بحسب مراقبين.
في هذا السياق، يقول الكاتب والصحافي علي عبد الخالق، إن "انسحاب المحتجين سيعني الرضا عن النظام السياسي أو القبول بوضعه الحالي، المشوه والمؤسس لكل مشاكل البلاد منذ عام 2003"، مستبعداً أن تختار القوى السياسية، رئيس وزراء تنطبق عليه المواصفات التي يطالب بها المحتجون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح أنه "حتى لو انصاعت الكتل السياسية لهذا الأمر، فالعُقد الأساسية لم تُحل بعد، إذ لا يزال أمام رئيس الوزراء المقبل التزامات عدّة، أهمها محاسبة قتلة المتظاهرين والتحضير للمرحلة الانتقالية"، مرجّحاً أن يكون الاحتجاج أكثر حذراً في فترة رئيس الوزراء المقبل، لأن خصوم الثورة كثر وخطرون ومتربّصون بها".
ويلفت عبد الخالق إلى أن "ما يدفع باتجاه استمرار الاحتجاجات هو أن المحتجين لا يثقون بكل التعهدات التي تطلقها الكتل السياسية بشأن الوفاء بالتزاماتها وتنفيذ المطالب".
رئيس مؤقت
ويعبر ناشطون عن رفضهم لاحتمال أن يكمل رئيس الوزراء المقبل مهامه، مشيرين إلى أن محاولة الالتفاف على ذلك، سيدفع بهم إلى تصعيد جديد، وكل الخيارات متاحة أمامهم.
في السياق، يقول الناشط والصحافي علي رياض إن "رئيس الوزراء المنتظر من قبل الثوار هو رئيس وزراء مؤقت بالضرورة"، مضيفاً "الشارع يمتلك القوة دائماً، ولم يعد في العراق شريحة مرئية معارضة للاحتجاج، فحاجز الخوف كسر".
وعن احتمال انسحاب بعض المحتجين، يوضح أنه "لا يهمنا بالحقيقة من ينسحب، الشعب باقٍ، والشعب أكبر من الجميع، وقراره هو الذي سيُسمع ويُطبّق".
أمّا واثق الهاشمي، المحلل السياسي فيقول إن "أحد أهم عناصر تعقيد المشهد هو تعدّد المطالب، إذ يصعّد بعض المحتجين مطالبهم لغاية إسقاط النظام بالكامل، وهذا مطلب غير دستوري في ظل نظام ديمقراطي وإن كانت لدينا ملاحظات عدّة على تلك الديمقراطية"، موضحاً أن "اختيار رئيس الوزراء لن تكون نهاية الاحتجاج، بل هناك مطالب أخرى بتشريع قوانين وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة".
وتجدر الإشارة إلى أن المهلة الدستورية الخاصة بتكليف رئيس الجمهورية شخصية تشغل منصب رئيس الوزراء شارفت على الانتهاء، فيما تستمر الكتل السياسية بالبحث عن مخارج للأزمة من خلال التوافق على شخصية سياسية لتشكيل حكومة انتقالية.