تبدأ نصوص رسائل الاستقالة، أو بالأحرى البيانات التي تؤكد طرد شخص معيّن من عمله، تبعاً للرواية التي تفضلونها، بالتشابه فيما بينها.
جاءت آخر رسالة من هذا النوع من ريتشارد سبنسر وزير البحرية السابق الذي أغضب دونالد ترمب عندما حاول الالتزام بالإجراءات العسكرية وطرح فكرة طرد الضابط الصغير إيدي غالاغر من القوات البحرية الخاصة المسماة "نيفي سيل".
وجرت تبرئة غالاغر من تهم القتل وارتكاب جرائم حرب في يوليو (تموز) على خلفية وفاة سجين مراهق من عناصر داعش. وخلال محاكمته، إتُهم بطعن المراهق مرات عدة بمساعدة عناصر آخرين من القوات البحرية الخاصة.
وأمرت هيئة المحلّفين بخفض رتبته بعدما برّأته من تهمة القتل ومحاولة القتل وأدانته بالتقاط صور غير لائقة بجانب جثة السجين. كما كان من المفترض أن تعقد البحرية جلسة لمراجعة وضعه، كما يحصل عادة مع أولئك الذين تدينهم المحكمة بارتكاب مخالفة ما.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ترمب ارتأى أن يغيّر هذا القرار. فاستخدم صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلّحة ليعيد إلى غالاغر رتبته ويطلب من وزير الدفاع مارك إسبر أن يعفي سبنسر من مهامه.
وتصرّف وزير البحرية بصرامة تليق بعسكريّ مثله. فكتب "للأسف، أصبح واضحاً بالنسبة لي أنني لم أعد أشاطر القائد الأعلى الذي عيّنني في منصبي، رأيه حيال من هذه الناحية.. واحتراماً لمبدأ النظام والانضباط الأساسي، لا يسعني أن أطيع بضمير مرتاح أمراً يخالف القسم المقدّس الذي قطعته على نفسي أمام عائلتي، وعلم بلادي، وإيماني، بدعم دستور الولايات المتحدة الأميركية والذود عنه".
تعيد كلماته إلى الأذهان كلمات غيره من العناصر في القوات المسلّحة الذين خرجوا، أو أُخرجوا، من إدارة ترمب.
من جهته، قال وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس إنه يستقيل لأن للرئيس " الحق بالعمل إلى جانب وزير أقرب إليه من حيث وجهات النظر ".أما مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون فاكتفى برسالة من سطرين جاء فيها "أقدم استقالتي الفورية"، ثم ظهر على شاشات التلفزة ليشير إلى غياب التوافق التام بين آرائه الخاصة وآراء ترمب في موضوع إدارة القوات العسكرية.
وبعبارات أخرى، ليس هذا الحادث بجديد لكن توقيت التعديلات الوظيفية يحمل بعض الدلالات. فترمب بحاجة إلى أن يبُقي في صفه الوطنيين الصاخبين الذين يدعمون غالاغر. وهم يشكّلون جزءاً كبيراً من أساس قاعدته الشعبية. والعجز عن دعم عنصر القوات البحرية الخاصة قد يلحق به الضرر، وهو لا يرغب بالمخاطرة بهذه المسألة قبل موسم الانتخابات.
أٌفيد أنّ سبنسر حاول عرض صفقة سرية على البيت الأبيض بأن يحلّ مشكلة غالاغر عبر إعادة رتبته إليه والسماح له بالتقاعد كعنصر من القوات الخاصة. ويمكننا أن نتكهن أنه لو كان الزمن مختلفاً، لرّحب دونالد ترمب باجتماع مع قائد البحرية من أجل إبرام هذا الإتفاق، لأنه يستطيع أن يستخدمه لاحقاً كإثبات على عقده لقاءات سرية من أجل حل المشاكل مع مسؤولين محترمين ومبجّلين من القوات المسلّحة. لكن الإشارة إلى أن هذا الاقتراح قد رفض، ومن ثم استخدم لاحقاً ضد سبنسر، تحمل الكثير من الدلالات بالنسبة إلى استراتيجية الرئيس القومية الجديدة.
ولا شكّ أنّ همّ ترمب الأكبر حالياً هو المساءلة. وبما أنّ المساءلة، إن لم نقل العزل، أصبحت الآن يقيناً، ربما قبل عيد الميلاد حتى، فهو بحاجة إلى تحويل اهتمام الناخبين نحو موضوع آخر. والعمل على إثارة الغضب إزاء معاملة عنصر البحرية الخاصة المدان هو القضية المثالية لتحقيق هذا الغرض. فهي تتيح للرئيس أن يظهر ولاءه لقاعدته ويثبت نفسه كقائد للقوات المسلحة. يستطيع أن يقول فليذهب البروتوكول والأعراف المؤسسية إلى الجحيم. سأقف إلى جانب الرجال الذين يحاربون بإسم أميركا.
كان الضباط ومنهم وزير البحرية السابق سبنسر، واضحون في قولهم إن تدخّل الرئيس قبل الانتهاء من الإجراءات الواجب اتبّاعها وفقاً للأعراف المرعية، يقوّض "النظام والانضباط" في صفوف الجنود ويسمح للقوات المسلحة أن تصبح مسيّسة أكثر مما يجب. ولعل مثول سبنسر أمام الصحافيين يوم الجمعة قبل أن تنتهي خدمته الفعلية هو ضرب من العصيان. لكن من الواضح أنه حاول ضمان احترام البروتوكول. والمسألة الأكبر هي أنّ ترمب مستعدّ للدوس على المؤسسات والقواعد دون اكتراث للحفاظ على رضى قاعدته.
لا يعرف ترمب سوى طريقة واحدة هي طريقته ، كما تدل جملة من التطورات بدءاً بانتهاك المعاهدات الدولية حول الوضع القانوني للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ووصولاً إلى محتوى اتصاله الهاتفي "المثالي" مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ولن يتخلى أبداً عن الأجواء المسرحية التي تصاحب رئاسته ولا سيّما أنّ استراتيجية الإلهاء وتحويل الأنظار هي إحدى أسلحته الأساسية كي يضمن الحصول على ولاية ثانية في البيت الأبيض.
© The Independent