لم يتوقع أكثر السياسيين تشدداً ضد حركة النهضة الفائزة بأكبر عدد من مقاعد البرلمان التونسي الذي انتخب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بأن تلحق بها وفي أقل من شهرين هزيمتين، الأولى عندما فشلت في تمرير مشروع قانون إحداث صندوق للزكاة، والثانية عندما أخفقت في تمرير حكومة الحبيب الجملي، التي سقطت في البرلمان بشكل مدوٍّ.
يعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "من شأن عدم تمكن النهضة من تمرير حكومتها تعميق الأزمة داخلها، ويطرح العديد من الاسئلة التي يصعب الإجابة عنها حالياً".
ويسأل الجورشي "كيف ستتصرف النهضة في المرحلة المقبلة بعد سحب امتياز تشكيل الحكومة منها؟ وكيف ستتعامل مع الأحزاب التي دخلت معها سابقاً في مشاورات لتشكيل الحكومة ثم ابتعدت عنها؟ وكيف ستتعامل مع موضوع الحكومة المقبلة؟ وعلى من تقع المسؤولية فيما آلت إليه الأمور؟".
ويتوقع أن "يقلل ذلك من التعامل مع الحركة"، وأن "يكون لذلك تداعيات على أوضاعها الداخلية والخارجية"، وأن "تفقد كثيراً من زخمها ووزنها أمام الأطراف الدولية المتابعة للشأن التونسي ومن مستقبلها السياسي".
يضيف أن "تداعيات هذا الفشل داخل الحركة تدعم موقف الجناح المطالب بعقد مؤتمر الحركة في موعده، بالربيع المقبل، لأنه سيجد فيما جرى في البرلمان تحولاً نوعياً سينعكس مباشرة على الأوضاع داخلها وعلى إعادة توزيع المسؤوليات فيها".
الفشل يفجر الخلافات داخل "النهضة"
منذ عودتها إلى العمل السياسي بعد سقوط نظام بن علي مثّل الانضباط التنظيمي والسياسي أحد مرتكزات الحركة في عملها البرلماني، لكن هذه القاعدة كسرت حينما أعلن أمينها العام زياد العذاري استقالته احتجاجاً على تكليف الجملي بتشكيل الحكومة. وقد رفض العذاري منح صوته لحكومة الحركة. وهو ما اعتبره مراقبون سابقة لم يعتد عليها جمهور "النهضة" الملتزم بتعليمات القيادة.
وهاجم العذاري، في كلمته في البرلمان، الحكومة التي تعوزها الكفاءات والقدرة على تسيير البلاد، ولا تملك سبل النجاح.
ويقرأ المحلل السياسي هشام الحاجي في عدم نيل حكومة الجملي ثقة أعضاء مجلس نواب الشعب "هزيمة سياسية ذات معنى لحركة "النهضة"، التي تراجعت شعبيتها وتقلصت قدرتها على نسج التحالفات، ويتجلى ذلك في عدم تمكنها على إنجاز اتفاق سياسي مع أهم الكتل البرلمانية من أجل تمكين حكومة الجملي من نيل ثقة مجلس النواب".
يضيف الحاجي أن "راشد الغنوشي هو الخاسر الأكبر من عدم نيل الجملي الثقة، لأنه أبدى تعنتاً في التفاعل مع الأصوات المتعددة داخل حركته وأبدى رغبة في احتكار السلطة والنفوذ، معتقداً أن معارضيه داخل الحركة سيغفرون له هذه السقطة الاستراتيجية وسيحرصون على أن يغادر مع المؤتمر المقبل رئاسة الحركة".
"النهضة" وحجمها الطبيعي
ترى الجامعية والباحثة في شؤون الجماعات الإسلامية الفة يوسف، أن "هذه الخسارة ليست الأولى ولكن الأكبر والأقسى، وتبقى نسبية لأن (النهضة) تملك العدد الأكبر من المقاعد في مجلس النواب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتلاحظ يوسف أن "هناك جبهة سياسية بدأت التوحد والتكتل سياسياً ضد (النهضة)، على الرغم من تباين رؤى القوى السياسية المشاركة فيها، والمعارضة الشعبية ضدها تتنامى وتتسع، ويبدو أن الوقت قد حان لتأخذ الحركة حجمها الطبيعي المتناسب مع عدد أعضائها والمتعاطفين معها الذين لا يتجاوز عددهم 5% من عدد المشاركين في الانتخابات، ولا يمكن أن يبقى هذا الحجم حاكماً لتونس بصفة مباشرة أو غير مباشرة".
تضيف أن السؤال المهم هو كيف سيكون رد فعل الحركة على الهزائم التي لحقت بها، خصوصاً أن الحركة تشهد خلافات كبيرة بين أجنحتها وقد تراجع دور الإسلام السياسي دولياً وإقليمياً، وهي تتأثر سلباً بالأوضاع التي تحيط بتونس ولا سيما الأزمة الليبية، وهذا كله ينذر بزلزال سياسي.
القطرة التي أفاضت الكأس
من دون مقدمات ومتجاهلاً دوره في الدولة سافر رئيس حركة "النهضة" إلى تركيا، حيث التقى بعيداً من الإعلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما أثار ردود فعل معترضة، وصل بعضها إلى المطالبة باستبعاده من منصب رئيس مجلس النواب.
فقد اعتبر الوزير السابق والنائب عن حزب "تحيا تونس" المبروك كورشيد على صفحته في فيسبوك، أن "ليس مسموحاً له التقاء الرئيس التركي منفرداً من دون حضور السفير التونسي". وأضاف "من حق الدولة أن تعرف ما دار في هذه الزيارة التي وقعت بعيداً عن رقابتها". وقال إنّ هذه الزيارة "هتكت الأعراف الدبلوماسية، ومست السيادة التونسية".
وأكد أن توجيه الدعوة يجب أن يمر عبر مؤسسات الدولة وقبولها يُعلم به بصفة رسمية مكتب المجلس، "حتى إذا وجهت الدعوة إليه بصفة حزبية أو شخصية، فهو رئيس مجلس النواب".
وانتقد رئيس حزب "مشروع تونس" محسن مرزوق، "ذهاب الغنوشي إلى إسطنبول لمقابلة أردوغان مباشرة بعد سقوط حكومة النهضة في البرلمان، ما يؤكد مرة أخرى أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا".
وطالب مرزوق أعضاء مجلس نواب الشعب بأن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن تتحول مؤسسة رئاسة مجلسهم إلى حالة تبعية لدولة أجنبية، مشدّدا على أن "هذا سبب إضافي لإحداث تغيير في رئاسة المجلس".