على الرغم من عزوف الشباب السوري عن الزواج لأسباب اقتصادية ومادية ترتبط بارتفاع تكاليفه، وجّه فيروس "كورونا" ضربةً قاسمة إلى هذا "الحلم الوردي" ليصيبه بشللٍ كلي في سابقة بتاريخ البلاد.
الحظر والمنع
قرار صادر بوقف معاملات الزواج غير المستكمِلة للفحص الطبي في المحاكم السورية، سببه الفيروس المستجد، والقرار نتج من حالة الحظر والإجراءات الاحترازية التي أطلقتها الحكومة في مواجهة الفيروس منذ 14 مارس (آذار) الحالي، أتَبعتهُ بحظر تجوالٍ جزئي منذ يومين في كل المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويعزو القاضي الشرعي الأول في دمشق محمد معراوي وقف الدعاوى إلى وقف العمل في مراكز فحص الزواج والتي عادةً ما تكون مكتظة، وتندرج ضمن العوامل التي أدت إلى توقف معاملات عقد القران، تفادياً لنقل العدوى، إلاّ تلك المستكمِلة للأوراق المطلوبة، وذلك وفق ما صرّح لوسائل إعلام محلية.
في المقابل، يأتي ذلك القرار وسط عوامل عدّة، من بينها خفض عدد القضاة في المحاكم على خلفية الإجراءات الاحترازية إلى 10 في المئة لبتّ القضايا العاجلة.
وتوضح جهات قضائية أن القرار يندرج بسبب العطلة القضائية، إضافةً إلى خفض عدد القضاة وتعليق الدعاوى إلاّ الطارئة والعاجلة منها، عبر وجود قاضٍ مناوب بشكل يومي، يثبّت المعاملات في حال كانت مستكمَلة بما فيها ورقة الفحص الطبي قبل الزواج.
تقرير طبي
ويشرح المحامي رامز عيسى من جهته أنّ "التقرير الطبي" الذي يحصل عليه الخاطبان أو المقبلان على الزواج هو وثيقة أساسية "لا يمكن استكمال معاملة الزواج أو تثبيت الزواج في المحاكم الشرعية في القانون السوري إلاّ من خلاله"، عازياً حالة توقّف العمل في المركز المختص بمنحه، إلى "أسباب تتعلّق بتدني تكاليفه مقابل العيادات الطبية الخاصة المخوّلة بإعطاء تقارير كهذه، ما أثّر سلباً في منح الوثيقة لإتمام الإجراءات القانونية".
الكتاب البراني
من جهة أخرى، يقول عيسى إنه "لا بد من التحذير من لجوء الفتيات والشبان لا سيما في هذا الوقت أو غيره، إلى الارتباط عبر الزواج العرفي، أو كما يُسمى في العامية السورية بالكتاب البرّاني، الذي يُعقد عبر شيوخ مخولين بعقد قران شرعي"، لافتاً إلى "ضرورة استكمال كل الأوراق المطلوبة عبر المحاكم الشرعية المختصة". وأضاف أنه "من مساوئ الزواج العرفي أنه في حال لم يتم يُثَبّت في المحكمة، فسيبقى حبراً على ورق ولا يكفل حقوق الزوجة، ولا يلزم الزوج بها".
في المقابل، يؤكد القاضي الشرعي الأول، معرواي، أن "القرار لا يوقف دعاوى الزواج وتثبيته في المحاكم بل إن المعاملات التي استُكملت كل أوراقها، تأخذ طريقها إلى الإنجاز مع تسهيلات للقضايا المستعجلة والضرورية، من بينها معاملات وقف التنفيذ ومنع السفر".
فيها ومن دونها
في غضون ذلك، يعرب الشبان المُقبلون على الزواج أن هذه الإجراءات لا تثنيهم عن متابعة تحقيق الارتباط، حتى لو في أصعب الظروف.
ويقول أحدهم "لن ندع كورونا يجهض أحلامنا ورغباتنا، هذا الفيروس الصغير تحكّم بكل البشر، ولن أدعه يتحكم بقرار مصيري انتظرتُه سنوات طويلة".
في المقابل وإن تحدّى العرسان الفيروس وأصرّوا على عقد القران، إلاّ أنّهم يواجهون مشاكل جمّة، منها حظر التجمعات من باب الإجراء الاحترازي والحجر الصحي، عدا عن إلغاء حفلات الزفاف.
ولا بُد من النظر إلى كل تلك التحدّيات، إذ يقول "أبو ماهر" (50 سنة) وهو والد أحد المقبلين على الزواج "أطلب من ابني التريث حتى تنتهي مشاكل هذا الفيروس، وإن استقرّت الأحوال، فمن الممكن متابعة كل شيء كما كان مخططاً".
من جانبهم، يخشى كثيرون أن يدوم هذا الوضع لأشهر طويلة، لأن ذلك سيترك تأثيراً في الشعب بكامله، خصوصاً في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وليس في المقبلين على الزواج وحدهم.
الفحص وإلاّ
من ناحية أخرى، يحضّ الأطباء على عدم التهاون بإجراء الفحص الطبي قبل الإقدام على الاقتران بشريك العمر، لتجنيب الطرفين أي أمراض قد تنتقل عبر الدم ومنها الأمراض المعدية.
ويشرح الدكتور المخبري حمزة الشيخ مخاطر عدم تقيّد الشباب بالفحص، قائلاً "إن كانت لدى الطرفين رغبة بعدم إجراء الفحص قبل تفشي كورونا، فلا بُد اليوم من إجراء فحص للكشف عن كوفيد- 19 (الاسم العلمي لكورونا) مع الفحص التقليدي للزواج الذي تجريه عيادات متخصصة".
وينبّه الشيخ إلى أن "الامتثال للفحص وتحليل الدم يساعدان في معرفة الإصابات واضطرابات الدم الوراثية أو حالات الالتهاب الخطيرة التي تنتقل بواسطة الدم والمعدية، ومنها أمراض نقص المناعة المكتسب الإيدز، أو التهاب الكبدB وC، أو التلاسيما وفقر الدم المنجلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شبكة العروس
وفي وقت ينبه الأطباء والقانونيون، الشباب إلى اتّباع الطرق السليمة والمدروسة في ما يتعلّق بالارتباط المقدس، إلاّ أنّ واقع الشباب يترنّح مع ضربات الاقتصاد السوري الموجعة.
كما يتدنى دخل الفرد في البلاد، مترافقاً مع ارتفاع غير مسبوق بسعر الذهب ليصل سعر الغرام الواحد إلى 52 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 50 دولاراً أميركياً تقريباً.
ويمثّل "المعدن النفيس" أساساً في ما يُسمّى "شبكة العروس". وبات تأمين خاتم للزواج أمراً مرهقاً لشباب اليوم من ذوي الدخل المحدود، ويثقل على الجيل الشاب من دون أي بصيص أمل حول انفراج الأزمات المتلاحقة في بلد أنهكته الحرب.