بعد الضغط الكبير الذي مورس عليها من قبل المجتمع الدولي، لحل الميليشيات والتشكيلات المسلحة وتسليم سلاحها للدولة، لجأت "حكومة الوفاق" التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، إلى إحياء فكرة قديمة، كانت مدار جدل دائم في ليبيا، تنشئ بموجبها جسماً عسكرياً خاصاً تحت اسم "الحرس الوطني"، لدمج الكتائب المسلحة غير النظامية، في كيان واحد بدل حلها وتسريحها.
وطُرحت الفكرة على حكومات عدة تتابعت على ليبيا منذ عام 2012، إلا أنها رُفضت، بعدما ثارت شبهات حول الغرض من إنشاء هذا الجسم العسكري المنفصل، والموازي لـ"الجيش الوطني" في البلاد.
فكرة مستوردة
فكرة إنشاء "الحرس الوطني" المؤلّف من المقاتلين المدنيين الذين حملوا السلاح وامتلكوه خلال فترة ثورة فبراير (شباط) 2011 وبعدها، لم تولد في ليبيا بل في الدوحة التي عرضتها في بداية عام 2012، على رئيس المجلس الليبي الانتقالي وقتها، مصطفى عبد الجليل، على أن يتولى قيادتها، واحد من أكثر الشخصيات الليبية إثارة للجدل، هو خالد الشريف، عضو "الجماعة الليبية المقاتلة"، المقربة من تنظيم القاعدة، وهو ما رفضه عبد الجليل تماماً، كما ذكر في أكثر من تصريح له.
كما رفضتها لاحقاً حكومة الراحل عبد الرحمن الكيب ومن بعدها حكومة علي زيدان، التي تعرضت لضغوط كبيرة من المؤتمر الوطني (البرلمان وقتها) لتنفيذها، لكن صراعاً حاداً نشب داخل "المؤتمر"، حال دون وضع قانون، يؤسس لهذا الجسم الموازي للقوات العسكرية النظامية، كما رفضت حكومة عبد الله الثني ذلك في وقت لاحق.
تبني حكومة الوفاق للفكرة
بعد سنوات من الغياب، عادت "حكومة الوفاق"، إلى تبني الفكرة، حين اقترحت "لجنة لتنظيم واستيعاب القوى المساندة في مؤسسات الدولة"، التابعة لرئاسة أركان الوفاق، إنشاء جهاز "الحرس الوطني"، مشيرةً إلى أنه "يساهم في دمج القوى المساندة في مؤسسات الدولة".
وكانت مصادر إعلامية ليبية متطابقة أكدت قبل ذلك بأيام، أن آمر التسليح في "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة"، وآمر معتقل الهضبة خالد الشريف المكنى بـ"أبي حازم"، عاد إلى طرابلس بسرية تامة، يرافقه عدد من ضباط العمليات الأتراك.
وأوضحت المصادر أن الشريف عقد لقاءات في العاصمة لإحياء فكرة "الحرس الوطني".
وتولى الشريف في ديسمبر (كانون الأول ) 2012، قيادة وكالة وزارة الدفاع سنوات طويلة.
ترحيب من التيار الإسلامي
بعد عودتها إلى الواجهة، في ليبيا، لقيت الفكرة ترحيباً واسعاً وواضحاً من تيار الإسلام السياسي، فقال المفتي السابق للبلاد الصادق الغرياني، المقيم حالياً في تركيا، في تصريحات تلفزيونية، إن "انضمام الثوار إلى الحرس الوطني يحقق العدالة والأمن، ويحفظ البلاد من ظلم السجون وتعطيل القانون".
وبارك رئيس الأركان العامة السابق، يوسف المنقوش (مقرب من جماعة الإخوان المسلمين)، مناقشة المجلس الرئاسي، مقترحات لتأسيس "الحرس الوطني"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر تأخر كثيراً". وقال إن "من بين مهمات هذه القوة، السيطرة على الموانئ والموارد النفطية وتأمينها بعد حل جهاز حرس المنشآت النفطية". وأضاف أن "تشكيل هذا الجسم، يعني اكتمال النظرية الأمنية، حيث لا بد من وجود هذه القوى، التي تتوسط القوة العسكرية والقوة المدنية النظامية"، في إشارة إلى الجيش والشرطة.
وزاد المنقوش أنه "سينطبق على هذه القوة، نظام الحكم المحلي، لتكون مهماتها مشتركة، أي تستطيع السلطات المحلية تكليفها بمهمات كبيرة لا يستطيع الجيش تنفيذها، بحكم أن وظائفه محددة، وهي الحفاظ على استقرار الوطن، والدفاع عن حدود الدولة، ولا تستطيع الشرطة تنفيذها أيضاً، بحكم أنها هيئة مدنية منظمة، تقوم على حماية أمن الأفراد والمجتمع، داخل المناطق الحضرية".
كذلك، طالب مفتاح الشاذلي آمر "سرية أبابيل" في اللواء الثاني مشاة التابع لحكومة الوفاق، بـ"تنفيذ الفكرة لضمان حق هؤلاء المقاتلين في البلاد"، موضحاً أن "مطلبهم كثوار هو إنشاء جهاز شرعي يضمهم، للرد على كل مَن تسول له نفسه، القول إن خراب ليبيا سببه الكتائب التي يمثلونها".
واتهم الشاذلي مَن وصفهم بـ" أعداء الثورة" في ليبيا بأنهم السبب وراء عرقلة إنشاء جهاز "الحرس الوطني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على خطى الدروع
"الحرس الوطني"، الذي تسعى حكومة الوفاق إلى إنشائه في طرابلس، سبق تشكيل جسم مشابه له في الطبيعة والمهمات والهدف، حمل اسم "الدروع". وتشكّل هذا الجسم العسكري المنفصل تماماً عن "الجيش الوطني"، في بنغازي بداية عام 2012، وتفتّت في المعارك ضد الجيش، التي امتدت إلى ثلاث سنوات، بدءاً من عام 2014.
وكان قوام تلك القوة التي لطالما اتُهمت بأنها ذراع عسكرية لجماعة "الإخوان المسلمين" و"تنظيم القاعدة" في ليبيا، "12 ألف مقاتل"، بحسب قوائم صادرها الجيش، ويقودها "وسام بن حميد" الاسم المعروف في ليبيا، والذي قُتل في معارك مع الجيش في عام 2017.
فكرة مصيرها الفشل؟
لقيت فكرة إنشاء "الحرس الوطني" استهجاناً واسعاً، في الأوساط الموالية والمقربة من "الجيش الوطني" والبرلمان والمعارضين لحكومة طرابلس، مشبهين الجسم التي تنوي استحداثه، بـ"الحرس الثوري الإيراني".
واستهجن عضو مجلس النواب سعيد امغيب المشروع قائلاً لـ"اندبندنت عربية" إن "مقترح الحرس الوطني الذي يطرحونه الآن، ويحاولون من خلاله استيعاب الميليشيات، مقترح فاشل ولن ينجح لأن الميليشيات تختلف في التوجهات، وستصطدم ببعضها بعضاً، داخل الكيان المستحدث لدمجها".
واعتبر الصحافي الليبي علي جمعة أن "الحرس الوطني، فكرة قديمة جديدة، يهدف تطبيقها إلى تنفيذ مهمات في ليبيا، تشبه التي يقوم بها الحرس الثوري في إيران، بحماية النظام الإسلامي، الذي تطمح إليه جماعة الإخوان المسلمين، بالتعاون مع جماعات متنوعة سياسية وعسكرية. فهذه الجماعات علاقتها بالجيوش الوطنية طردية، وصراعها معها تاريخي ودائم، لذلك هي لا تثق بها وتسعى إلى إنشاء أذرع عسكرية، مثل هذه لحماية نفسها".
في المقابل، اعتبر الناشط الحقوقي عبد الحميد بن صريتي أن "كل هذه القرارات، ذات الطبيعة السيادية، التي تتخذها حكومة الوفاق، والاتفاقيات التي توقعها، مثل التي عقدتها مع تركيا، غير قانونية، لأسباب كثيرة ومصيرها في حكم العدم عندما تخرج هذه الحكومة من المشهد". وأضاف أن "حكومة الوفاق، منتهية الصلاحية، بتجاوزها الفترة المحددة لها، بحسب اتفاق الصخيرات، وغير ذات صفة لأنها لم تُمنح الشرعية تحت قبة البرلمان، بحسب الاتفاق ذاته، كما أن اتفاقياتها وقرارتها، بعضها مخالف للقانون والإعلان الدستوري، لأنها تتغوّل على الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب".