أشارت بيانات رسمية حديثة إلى ارتفاع عجز الموازنة بالولايات المتحدة إلى مستوى قياسي خلال يونيو (حزيران) الماضي، مع قفزة غير مسبوقة للمصروفات، وسط استمرار تداعيات ومخاطر فيروس كورونا المستجد.
وكشفت بيانات حديثة لوزارة الخزانة الأميركية، أن عجز موازنة الولايات المتحدة سجَّل نحو 864.07 مليار دولار خلال يونيو الماضي، مقارنة مع عجز قدره 8.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق له. وكانت توقعات المحللين تشير إلى أن الموازنة الأميركية سوف تسجِّل عجزاً بقيمة 860 مليار دولار خلال الشهر الماضي.
وتراجعت الإيرادات الحكومية في أكبر اقتصاد بالعالم إلى 240.8 مليار دولار خلال يونيو الماضي، مقابل نحو 333.9 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، مسجِّلة نسبة تراجع تبلغ نحو 27.88 في المئة.
في المقابل، قفزت المصروفات بأكبر وتيرة شهرية على الإطلاق إلى 1.1 تريليون دولار خلال الشهر الماضي، مقارنة مع نحو 342.4 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، مسجِّلة نسبة زيادة تبلغ نحو 221 في المئة. وتأتي قفزة المصروفات وتراجع الإيرادات مع إجراءات التحفيز الضخمة التي أقرَّتها الحكومة الأميركية من ضمنها 511 مليار دولار لبرنامج دعم الأجور، لمكافحة تداعيات فيروس كورونا.
بينما بلغ عجز الموازنة في أول تسعة أشهر من العام المالي الحالي نحو 2.7 تريليون دولار، مقارنة مع 985 مليار دولار في الفترة نفسها من العام المالي الماضي، مسجِّلاً زيادة بلغت نسبتها 174 في المئة.
الميزانية تتراجع بأكبر وتيرة في 11 عاماً
وأشارت البيانات الرسمية إلى تراجع الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الأسبوع الماضي بأكبر وتيرة في غضون 11 عاماً.
وأظهر التقرير الأسبوعي للمركزي الأميركي أنّ الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي تراجعت إلى مستوى 6.969 تريليون دولار في الأسبوع المنتهي في الثامن من يوليو (تموز) الحالي، مقابل نحو 7.057 تريليون دولار المسجَّلة في الأسبوع قبل الماضي. ويعني ذلك هبوطاً بنحو 88 مليار دولار في غضون أسبوع واحد، وهي أكبر وتيرة هبوط في نحو 11 عاماً.
وجاء هذا الانخفاض مدفوعاً بتراجع عمليات الريبو أو اتفاقيات إعادة الشراء المصدَّرة، وهي أداة سيولة طارئة، إلى الصفر مقابل 61.2 مليار دولار في الأسبوع الماضي، لتكون المرة الأولى في عشرة أشهر التي لم تستفد منها البنوك من تسهيلات الريبو.
وكان الاحتياطي الفيدرالي قد بدأ التدخل في سوق الريبو منذ منتصف سبتمبر (أيلول) من العام 2019، بعدما أدّى الانخفاض في احتياطيات البنوك إلى زيادة قياسية في تكاليف الاقتراض على المدى القصير.
سوء إدارة أزمة كورونا
ووفق وكالة "بلومبيرغ"، وخلال العام 2017 ورث الرئيس الأميركي دونالد ترمب أفضل اقتصاد بالعالم، لكنه ساعد في جعله واحداً من الاقتصادات الأسوأ عالمياً، وكان من شأن فيروس كورونا أن يجعل الأميركيين في حالة مزرية تحت مظلة أيّ رئيس، لكن تحدي ترمب العلم والرسائل المتضاربة والانتقادات اللاذعة المتواصلة تسببت في غرق البلاد داخل مستنقع من البطالة، وتراجع مشاركة القوى العاملة، وانخفاض ثقة الشركات بوتيرة تتجاوز دولاً متقدمة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويصنّف وجود ترمب في السلطة نحو أربع سنوات بالفعل كأكبر كارثة اقتصادية أمام أيّ رئيس أميركي في العصور الحديثة، طبقاً للبيانات التي جمعتها وكالة "بلومبيرغ". ولم يكن يجب أن يكون هذا قاتماً، إذ إن عشرات الدول التي تتعامل مع التحديات نفسها تظهر معدلات إصابة بالعدوى، ووفيات ومعدلات بطالة أفضل، وحالات تعافٍ أسرع للأعمال بعد عمليات الإغلاق المطبقة في وقت سابق من هذا العام.
لكن، استخفاف الرئيس الأميركي باختبارات الأجسام المضادة، وعمليات تتبع صلة المصابين، والتباعد الاجتماعي، والأقنعة، وكذلك المتطلبات الأساسية الأخرى لاحتواء فيروس كورونا، جعلت الولايات المتحدة في صدارة دول العالم التي تشهد معدلات أعلى من الإصابات والوفيات.
وبدلاً من أن يبلغ الفيروس ذروته في أواخر أبريل (نيسان) الماضي مع وجود أكثر من 30 ألف إصابة يومية جديدة بوباء "كوفيد 19"، فإن الفيروس بدأ في الظهور مرة أخرى في يوليو، وهو ما يُعد تناقضاً صارخاً بالنظر إلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل هونغ كونغ، إذ تراجعت معدلات الإصابة إلى عددٍ لا يذكر في غضون شهر، مقارنة مع الذروة المسجَّلة في مارس (آذار) الماضي. وتكمن النتيجة المخيفة في أن الولايات المتحدة لم تعد تعمل.
وكان معدل البطالة في الولايات المتحدة يبلغ 14.7 في المئة بنهاية أبريل الماضي، وهو الأعلى منذ عام 1948 عندما كان هاري ترومان رئيساً للبلاد. واحتفى ترمب بشدة، عندما أعلنت وزارة العمل الأميركية انخفاض معدل البطالة في البلاد إلى 11.1 في المئة بنهاية يونيو الماضي. لكنه لم يذكر أن معدل البطالة في الولايات المتحدة كان أعلى من معدل البطالة البالغ نحو 3.9 في المئة في المملكة المتحدة، التي شهدت انخفاضاً في معدل الإصابات اليومية في غضون شهرين، بعدما عانت كونها أكثر الدول في أوروبا من حيث معدل الوفيات بوباء "كوفيد 19".
وبالمثل، كانت فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ضحية للوباء، ومع ذلك فإن معدل البطالة لديها تقريباً نصف النسبة المئوية للبطالة بين الأميركيين العاطلين من العمل، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة "بلومبيرغ". وعلى عكس الوضع في فرنسا وألمانيا، إذ تعاملتا مع فيروس كورونا بطريقة منهجية، لتمهيد الطريق أمام تعافٍ اقتصادي قوي، بينما الولايات المتحدة من غير المرجَّح أن تحقق تعافياً كبيراً، بعدما شهدت سوق العمل فقدان ما يزيد على 20 مليون وظيفة خلال أبريل الماضي.
معدّل المشاركة في سوق العمل يتراجع
كما انخفض معدل المشاركة في سوق العمل بنحو 2.5 في المئة، وهو اتجاه هبوطي غير مسبوق، منذ بدء رصد السجّلات خلال فترة ولاية ترومان الأولى. ولم تظهر صدمة اضطرابات كهذه في استطلاعات الرأي التي تظهر أن الناخبين يحتفظون بثقة متواضعة في إدارة ترمب الاقتصادية.
لكن، ينعكس ذلك بشكل صارخ في مؤشر "بلومبيرغ" لراحة المستهلك، الذي تهاوى بنحو 16.8 نقطة مئوية خلال أبريل، وهي أسوأ قراءة منذ بدء رصد البيانات في عام 1985 عندما كان الرئيس رونالد ريغان في فترة ولايته الثانية.
وفي سوق الأسهم، رغم استعادة مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" خسائره المسجَّلة في مارس الماضي، فإن ثقة المستثمرين لا تزال هشَّة حسب ما رُصِد عبر مؤشر التقلبات "في آي إكس". وقفز المؤشر الذي يرصد حالة عدم اليقين لدى المستثمرين، ويُراقب من كثب إلى مستوى قياسي بلغ 82.7 نقطة خلال مارس، متجاوزاً مستوى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2008، البالغ 80.9 نقطة خلال الأزمة المالية.
وكانت هناك فرصة أمام ترمب، لإبطاء وتيرة تفشي كورونا من خلال حذو النهج نفسه، الذي اتبعته هونغ كونغ، والإلحاح على كل الأميركيين لارتداء الأقنعة. وقبل أن تبلغ ولاية تكساس رقماً قياسيّاً من الإصابات بالوباء بلغ 194.932 ألف حالة خلال هذا الشهر، قال حاكما مدينتي أوستن وسان أنطونيو الشيء نفسه: "إذا ارتدى ترمب قناعاً، فسيُجرى إنقاذ الأرواح، وستكون الصورة الاقتصادية أكثر إشراقاً".