ترك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أزمات انهيار العُملة وارتفاع مُعدَّلات البطالة والأزمات التي يفتعلها في الداخل والخارج، واختزل كل هذه الأزمات في أسعار الفائدة التي أقال بسببها محافظ البنك المركزي التركي السابق خلال العام الماضي.
ولا تخلو كلمة أو مناسبة من دون تصريحات جديدة للرئيس التركي الذي يُصرُّ على أن خفض أسعار الفائدة هو الحل للأزمات الخانقة التي يعيشها الاقتصاد التركي. وقال أردوغان، أمس، إنه يأمل أن تُواصل أسعار الفائدة في السوق التراجع من أجل تيسير الاستثمارات في البلاد.
ومتحدثاً عقب اجتماع لمجلس الوزراء، قال أردوغان إن نقصاً في النقد الأجنبي لدى القطاع المصرفي التركي لا يُشكِّل مُخاطرة، وإن القروض المُتعثرة عند مستوى مقبول.
وما دام الرئيس التركي قد اختزل كل أزمات بلاده في أسعار الفائدة، فلماذا لا يقرر اعتماد سياسة "الفائدة الصفرية" مثل عدد كبير من دول أوروبا؟ وهل يعي مخاطر ذلك على المدى القريب والبعيد؟
ماذا تعني الفائدة الصفرية؟
الفائدة الصفرية بشكل عام تعني عدم حصول البنك المركزي على فائدة عند اقتراض البنوك منه، وهو ما يشجعها على مزيد من الاقتراض، كما تعني أيضاً عدم حصولها على عائد عند إيداع أموالها به، وبالتالي من الأفضل لها أن تُقرضها للعملاء والحصول ولو على عائد بسيط. وينعكس ذلك على تكلفة القروض التي تقدمها هذه البنوك للعملاء، سواء أكانوا من الشركات أو الأفراد، إلى أقل مستوى ممكن، وأيضاً عدم حصول من يُودعون أموالهم في البنوك سوى على عائد بسيط، أو من دون عائد مقابل هذا الإيداع.
وتستهدف سياسة الفائدة الصفرية إتاحة الاقتراض للعملاء من الشركات والأفراد بأقل تكلفة مُمكنة، وهو ما يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد عبر ضخِّ مزيد من الاستثمار، وخفض تكلفة الإنتاج، وتوفير السلع والخدمات بأسعار مناسبة، وهو ما ينعكس إيجابياً على نمو الاقتصاد، أو قد يُساهم في إنقاذه من الدخول في حالة ركود.
وعلى مستوى الأفراد قد تنعكس الفائدة الصفرية عليهم بتشجيعهم للحصول على قروض بتكلفة ضعيفة، وبالتالي تشجيع جانب الاستهلاك منهم وتحريك الاقتصاد من جانب العرض وتمكنهم من الحصول على السلع والخدمات، وتحسين مستوى المعيشة. وعلى جانب الودائع، تُعد سياسة الفائدة الصفرية طاردةً للمُودعين في البنوك، وبالتالي البحث عن طرق أخرى لتشغيل هذه الأموال واستثمارها وضخّها في إحدى وسائل الاستثمار الأخرى التي تُساهم في الوقت ذاته أيضاً في تنشيط حركة الاقتصاد.
كما تخفض سياسة الفائدة الصفرية من تكلفة الديون في الدول المُطبّقة بها، وهو ما ينعكس إيجابياً على موازنة الدولة وقُدرتها على السيطرة على ديونها، بل وتشجيعها أحياناً على مزيد من الاقتراض وضخّ المبالغ المُقترضة في الأسواق لتشجيعها. لكن سياسة الفائدة الصفرية قد يكون لها بعض الآثار السلبية في الوقت نفسه على بعض الفئات، منها من يعتمدون في جزء كبير من دخلهم على العائد من إيداع أموالهم في البنوك، وغالباً هم من أصحاب المعاشات، وبالتالي سيجدون صعوبة في تغطية نفقاتهم.
ربما تُعاني البنوك أيضاً في هذه الحالة من نقص حاد في السيولة بما لا يمكنها من تلبية طلبات الاقتراض اللازمة من أجل تنشيط الاقتصاد بالشكل اللازم، وهو ما قد ينعكس بالسلب، سواء على العملاء أو البنوك نفسها، أو الاقتصاد ككل. كما قد يؤدي الاعتماد على سياسة الفائدة الصفرية إلى تقليل أدوات البنوك المركزية لمواجهة مخاطر الدخول في حالة ركود، ما يؤدي بالتالي إلى لجوئها فيما بعد إلى حلول وأدوات غير تقليدية.
60 مليار دولار ديون صندوق الثروة
في الوقت الذي يُواصل فيه الرئيس التركي حديثه عن الإنجازات الاقتصادية التي حقَّقتها تركيا في عهده، قال رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، علي بابا جان، إن صندوق الثروة الذي أسَّسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُحمِّل الأجيال المقبلة ديوناً بـ60 مليار دولار، مؤكداً أنه لا حل لمشكلات تركيا دون تغيير الحكومة. ورد على قول أردوغان إن تركيا مُتعافية اقتصادياً بالقول "إن المريض يُنكر مرضه". وأضاف أن تركيا تُدار حالياً بشكل سيئ، كما حث بابا جان حكومة حزب العدالة والتنمية على اتباع خطة إصلاحية للاقتصاد بعيداً عن السياسات الشعبوية.
وجدد رئيس حزب "المستقبل" ورئيس الوزراء الأسبق، أحمد داود أوغلو، هجومه على نظام الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزبه، العدالة والتنمية، لفشلهما في التعامل مع الأزمة الاقتصادية.
ووفق صحيفة "يني جاغ"، طالب داود أوغلو بـ"ضرورة وضع حد لمُحاباة الأقارب، بداية من وزير الخزانة والمالية، براءت ألبيرق (صهر أردوغان)"، وأضاف مخاطباً أرودغان "واجبكم ليس حماية أقاربكم أو وزرائكم، بل حماية الليرة التركية، وشرفنا الوطني، ورفاهية أمتنا الدولية". وقال إن "الحكومة معزولة عن الحقائق على أرض الواقع؛ ومن ثم هل يمكن لحكومة بهذا الشكل أن تُخرج بلادنا من هذه الأزمة الاقتصادية؟". وتابع "أناشد مرَّةً أخرى أولئك الذين يحكمون البلاد: العقل والأخلاق هما الطريق؛ كن صادقاً، اسمع صوت الأمة. نأمل أن تسمع هذه الحكومة الائتلافية أصواتنا".
هل تنهض تركيا بتغريدات أرودغان؟
انتقد أوغلو التصريحات التي أدلى بها مؤخراً الرئيس أردوغان، والتي زعم فيها بقوة الاقتصاد التركي، مضيفاً في هذه النقطة "أردوغان قال قبل شهر إن تركيا ستكون عام 2023 بين أقوى دول العالم اقتصادياً. كيف ستفعل هذا؟". وقال مخاطباً أردوغان "بالله عليك، أخبرنا ماذا ستفعل بقولك دائماً إن تركيا كبيرة وقوية من خلال تنظيم حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، فكيف يتحقق هذا العمل بالتغريدات؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تطرَّق المعارض التركي إلى تبرير أردوغان انهيار الليرة بالمؤامرات الكونية الخارجية، وقال إن "هذه الإدارة الاقتصادية الجاهلة لم تعرف حتى القواعد الأساسية للاقتصاد، هل تحتاج تركيا بذلك إلى تدخل قوى خارجية لتدمير اقتصادها؟". أضاف "بعد الانخفاض الحاد في الليرة التركية الأسبوع الماضي، لم تقُم الحكومة بتغيير موقفها، لا يوجد أي جديد نتفاجأ به، هي نفس التصريحات التي تحمل فيها فشلها على مؤامرات خارجية، في تكرار لأمور محفوظة لا جديد فيها".
وانتقد أوغلو وزير الخزانة والمالية، براءت ألبيرق، لعدم ظهوره على وسائل الإعلام للإدلاء بأي تصريحات حول الأزمة الاقتصادية التي تعمَّقت بانهيار الليرة. وأضاف "منذ أسبوع لم يظهر ألبيرق".
تابع "نعم، المسؤول الأول عن الاقتصاد لم يخرج لطمأنة الأمة على الأوضاع الاقتصادية، فهل هذا يُعقل؟ هل يُعقل ألا يخرج وزير الصحة للحديث عن أزمة كورونا مثلاً؟". أضاف "نحن أمام حكومة ترى ما نمر به من أحداث، واضطرابات. مجرد مؤامرات خارجية، حكومة لا تعتمد في حُكمها للبلاد سوى على نظريات المؤامرة بدلاً من التعامل الجاد مع المشاكل والأزمات".
أوضح أن "النتيجة الوحيدة لهذا المسار هي فقدان مزيد من الرخاء لبلدنا، وإفقار المواطنين، وإهدار مواردنا. أحاول أن أنقل بالأرقام كيف أن القرارات والسياسات المطبقة تقود البلاد نحو كارثة".