قبل سبع سنوات تناقلت الصحافة الوطنية، ومعها مواقع التواصل خبراً مؤلماً عن الفنان المغربي المقتدر حمادي عمور (مواليد 1931 مدينة فاس)، مفاده أن الرجل يعاني عجزاً صحياً، وأصبح بالتالي غير قادر على مغادرة بيته، ما يعني لدى محبيه ومتابعيه التوقف النهائي عن التمثيل، هم الذين اعتادوا على ضحكته وروحه المرحة ولهجته الفريدة ولكنته الفاسية (نسبة إلى مدينة فاس) التي تجمع بين التحضر والأصالة. ويعتبر حمادي عمور، الذي فارق الحياة أمس في أحد مصحات مدينة الدار البيضاء، أحد أكثر الفنان العرب غزارة في التمثيل، بحيث وصلت الأعمال الفنية التي شارك فيها إلى 580 عملاً، توزعت بين المسرح والسينما والمسلسلات التلفزيونية والسيتكومات والتمثيليات الإذاعية.
معظم المغاربة شاهدوا حمادي عمور على الشاشة الصغيرة في أدوار كوميدية، وتحديداً في سلاسل السيتكومات التي كانت تعرضها القنوات الوطنية خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، غير أن للرجل تاريخاً في التمثيل، فقد وقف على خشبة المسرح لأول مرة عام 1948، وكان عمره آنذاك سبعة عشر عاماً فقط، وقام بتشخيص دور صغير في مسرحية عنوانها "أنا القاتل". دخل عالم الفن من باب المسرح في زمن صعب، حيث كان المغرب ما زال تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
وأسس في مدينة الدار البيضاء عام 1948 فرقة مسرحية سماها "الرشاد المسرحي"، وقدم في مطلع تلك السنة عملاً مسرحياً من تأليفه عنوانه "ضربة قدر". وعام 1951 أسس فرقة جديدة اسمها "المنار". ثم سافر إلى مصر لدراسة أبي الفنون في المعهد العالي للفن المسرحي، غير أن قيام ثورة الضباط الأحرار عام 1952، حال دون استمرار دراسته، فعاد إلى المغرب، ليلتحق بالإذاعة ويشارك في تأليف عدد من التمثيلات الإذاعية والتمثيل فيها وإخراجها.
كاتب النصوص
لكنه انتقل عام 1953 إلى السينما، حيث شارك في الفيلم المصري "دكتور بالعافية" للمخرج يوسف معلوف، بطولة كمال الشناوي وأميرة أمير. وهو الفيلم الذي شارك فيه ممثلون مغاربة معروفون: العربي الدغمي، والطيب الصديقي، ومحمد عفيفي، وآخرون. وفي الخمسينيات أيضاً شارك في فيلم ذي بعد وطني عنوانه "بداية وأمل"، لينطلق بعدها في عالم السينما عبر أعمال مميزة برفقة مخرجين مغاربة معروفين: "إبراهيم ياش" لنبيل لحلو، و"دموع الندم" لحسن المفتي، و"كيد النساء" لفريدة بليزيد، و"عبروا في صمت" لحكيم النوري، و"السمفونية المغربية" لكمال كمال، وغيرها من الأعمال التي شخص فيها أدواراً أساسية. ويبدو أن الممثل والمخرج سعيد الناصري كان الأكثر ارتباطاً بالفنان الراحل خلال السنوات الأخيرة من مساره الفني، حيث أشركه معه في عديد من الأفلام والسلاسل الكوميدية، مثل "أنا وخويا ومراتو" 1998، و"ولد الدرب" 2002، و"الربيب" 2004، و"العوني" 2006. أما المسرح فقد كان مجال اشتغاله الأول والأهم، حيث طغى عليه في الغالب الجانب الكوميدي، ويمكن استحضار عناوين مسرحية من قبيل "المدير الجديد"، و"كاري حنكو"، كما كان الراحل ينشط برنامج "عالم الفنون" خلال نهاية الخمسينيات. وفي سياق تعدد مواهبه كان الراحل يكتب نصوصاً غنائية للمطربين المغاربة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المؤلم في حياة حمادي عمور، هو أنه لم ينل أي مجد مادي، على الرغم من غزارة أعماله. وقد سبق لسعيد الناصري أن صرح بأن عمور قد أحرق العديد من النصوص الفنية التي ألفها بسبب إحساسه بالتهميش. عاش الراحل سنواته الأخيرة مريضاً في بيت ابنته، وكان يطلب من أبنائه وأقربائه ألا يشيعوا خبر مرضه الذي دام سبع سنوات، رغبةً منه في أن يحتفظ المغاربة بصورة حمادي عمور المرح، لا المريض. وسيظل المغاربة يحتفظون، بالفعل، بصورة جميلة له، فهو الكوميدي الأنيق، المعروف بخفة الدم والقريب إلى الناس. وهو في الآن ذاته الصوت المألوف، والوجه الذي شخص بعمق وإتقان الرجل المغربي في أدوار عديدة ومتحولة.