مع استمرار تجمد الموقف في شأن سد النهضة الإثيوبي الذي أعلنت أديس أبابا أخيراً إنها أكملت عملية الملء الثاني له، على الرغم من رفض دولتي المصب (مصر والسودان)، تتحرك القاهرة باتجاه تعظيم حلولها حول المياه تجنباً لأية أخطار مائية قد تحدق بها في المستقبل، لا سيما وأنها تعتمد على ما نسبته 97 في المئة من نهر النيل في تلبية حاجاتها المائية.
وإزاء أزمة المياة، أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، بحسب تقارير محلية اليوم الإثنين، استراتيجية من أربع محاور تمتد حتى العام 2050، لحل "كافة المشكلات والأزمات المتعلقة بالمياه في البلاد"، مشيرة إلى أنه قبل عام 2015 كان لديها 8 آلاف شكوى حول نقص المياه، ومشكلات سيول وأزمات ري بين المزارعين بسبب عدم وصول المياه إلى نهايات الترع، ولم يكن لديها استراتيجية وخطة قومية، وكان الهيكل الإداري للوزارة بحاجة إلى التطوير.
وتبلغ حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب في السنة، ويُعتبر نهر النيل شريان الحياة في مصر، وعلى الرغم من ذلك تبلغ حصة المياه السنوية للفرد في مصر 660 متراً مكعباً فقط، وهي واحدة من أدنى حصص المياه السنوية للفرد الواحد على مستوى العالم (1000 متر مكعب في السنة). ووفقاً للجمعية الجيولوجية الأمريكية، فإن تزايد النشاط البشري والزيادة السكانية الكبيرة في مصر إضافة إلى إنشاء سد النهضة الإثيوبي، من شأنه أن يحدث أزمة في مياه الشرب بحلول العام 2025.
استراتيجية من 4 محاور
بحسب وزارة الري المصرية، فقد تم وضع استراتيجية حتى عام 2050 مكونة من أربع محاور، تشمل في بدايتها تحسين نوعية المياه بإعادة استخدام المياه أكثر من مرة، وبالتالي ينعكس على صحة المواطنين وجودة المنتج، وعلى الأوبئة التى تتولد في المياه نتيجة المعالجة، وبالتالي فتحسين نوعية المياه أولوية أولى لدى الدولة، موضحة أنه "لم يكن هناك تغيير وتحديث لقانون الموارد المائية والري لسنة 1984، مع التعدي على أملاك الري والمنشآت المائية وسوء استخدام المياه، ولم يكن هناك تحديد لمساحات الرز وبالتالي كان هناك أزمات مياه، ولم يكن هناك تنسيق بين وزارة الري والزراعة مما سبب مشكلات".
وذكرت الوزارة أن المحور الثاني من استراتيجيتها "يتمثل في ترشيد استخدامات المياه من خلال منظومة إدارة رشيدة وإنشاء منشآت التحكم في توزيع المياه، والتوسع في نظم الري الحديث واستخدام الطاقة الشمسية كأحد أهم بدائل الطاقة المتجددة، كما أطلقت الدولة البرنامج القومي لتأهيل وتبطين 20 ألف كيلومتر من الترع بكلفة 50 مليار جنيه (3.2 مليار دولار أميركي).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما يتمثل المحور الثالث في تنمية الموارد المائية للتأقلم مع آثار التغيرات المناخية، إذ تم تنفيذ عدد من مشاريع الحماية والتخفيف من أخطار السيول وتحويلها من نقمة إلى نعمة من خلال منشآت حصاد الأمطار على طول الساحل الشمالي الغربي وسيناء والبحر الأحمر ومحافظات الصعيد، كما تم تنفيذ حزمة مشاريع تستهدف الحماية الشاطئية بأطوال تناهز الـ 120 كيلومتراً، ومخطط لـ 120 كيلومتراً غيرها إلى مجموعة من محطات الرفع، لتتكامل منظومة الحماية من أخطار السيول، وتعكس مجهودات الدولة خلال الأعوام الستة الماضية باستثمارات ناهزت 10 مليارات جنيه (650 مليون دولار أميركي).
أما عن المحور الرابع، فيتمثل في تهيئة البيئة الملائمة للعمل وتنفيذ باقي محاور الاستراتيجية من خلال التدريب ورفع القدرات والتوعية بالتحديات المائية والتشريعات والقوانين التي تلزم الجميع بمسؤولياتهم نحو الحوكمة الرشيدة في إدارة الموارد المائية، إذ يجري حالياً وضع اللائحة التنفيذية لقانون الموارد المائية والري والجديد.
ووفق مسؤولين مصريين، تتكلف استراتيجة الدولة لمواجهة أزمات المياه حتى عام 2050 نحو 900 مليار جنيه مصري (58 مليار دولار أميركي)، وأنه تم خلال السنوات الخمس الماضية اتخاذ عدد من الإجراءات لزيادة الجاهزية وللتعامل مع التحديات المائية، ومواجهة أي طارئ تتعرض له المنظومة المائية.
الزيادة السكانية أبرز التحديات
وفق تصريحات سابقة لوزير الموارد المائية والري المصري محمد عبدالعاطي، فإن أبرز التحديات التي تواجه قطاع المياه في مصر تتمثل في الزيادة السكانية والتغيرات المناخية، إذ من المتوقع حدوث زيادة كبيرة في عدد السكان في مصر (التعداد الحالي يتجاوز الـ100 مليون نسمة) بنحو 75 مليون نسمة بحلول عام 2050، وهو ما يمثل ضغطاً كبيراً على الموارد المائية في مصر، إضافة للتغيرات المناخية المتزايدة في ظل الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة، وكذلك ما تشهده مصر من ظواهر جوية متطرفة وغير مسبوقة مثل الأمطار الشديدة التي تضرب مناطق متفرقة من البلاد، وارتفاع منسوب سطح البحر وتأثير ذلك على المدن والمناطق الساحلية.
وتعد مصر من أكثر دول العالم التي تعاني الشح المائي، حيث تُقدر موارد مصر المائية بحوالي 60 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، معظمها يأتي من مياه نهر النيل، إضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة بالصحارى، وفي المقابل يصل إجمالي الحاجات المائية في مصر لحوالي 114 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، ويتم تعويض هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية بالوادي والدلتا مع استيراد منتجات غذائية من الخارج تقابل 34 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، وفق عبدالعاطي.
ويمثل سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل الرئيسة، أكبر تحد لقضية المياه في مصر، إذ تخشى من أن يؤثر السد في حصتها المائية، وهو ما تنفيه أديس أبابا، وتقول إنها تسعى إلى توليد الطاقة لا حجز المياه.
وعلى الرغم من حض دولتي المصب إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل إلى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو (تموز) 2020 أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليار متر مكعب، التي تسمح باختبار أول مضختين في السد، كما أعلنت الشهر الحالي عن بدء واكتمال المرحلة الثانية من الملء من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب.