أكد رئيس لجنة التحقيق الوطنية المستقلة في فض اعتصام القيادة العامة في السودان نبيل أديب أن قرارات رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان التي ألغت عدداً من مواد الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية، لم تمس أو تتعرض للجنة التحقيق في فض الاعتصام، بعد ما أُشيع أنها أُلغيت من دون سبب واضح.
وأوضح أديب في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "ما حدث عكس ذلك، فالبرهان أكد احترام المادة الثامنة من الوثيقة الدستورية التي تشمل 16 فقرة، والالتزام بها بالكامل، ومن ضمنها الفقرة الخاصة بتعيين لجنة التحقيق الوطنية المستقلة في فض الاعتصام"، لافتاً إلى أن "اللجنة تسير في عملها من دون توقف، لكن من المعلوم أن لجان التحقيق الجنائية لا تتناول عادة ما تقوم به من حيث التفاصيل والإجراءات، إلا بعد أن تنتهي إلى نتائج محددة، والتي تكون في شكل توجيه اتهامات لأشخاص بوجود بيّنة تشير إلى تورطهم في أعمال مخالفة للقانون".
نزاعات
وأوضح رئيس لجنة التحقيق في واقعة فض الاعتصام، أنه "تم حتى الآن استجواب أكثر من 3500 شخص، من بينهم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) وبقية أعضاء المجلس من المكون العسكري، وكانوا (أي العسكريين في مجلس السيادة) متعاونين جداً، ولم يعترض أحد منهم على أي سؤال، وأجابوا جميعهم عن الأسئلة التي وُجّهت إليهم، وجاؤوا في الموعد المحدد لهم، فلم تكُن هناك أي مشكلة في استجوابهم".
لكن أديب رفض الرد على ما يردده الشارع السوداني بأن البرهان لا يريد تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المكون المدني بسبب تورطه في مجزرة فض الاعتصام التي راح ضحيتها قرابة 200 شخص، غير المفقودين والجرحى، فقال "أنا لا أرد على مثل هذا السؤال، لأنه في الأساس هذه مسائل تخرسات، واللجنة لا تدخل في المسائل السياسية على الإطلاق، لكن هذه الأمور عبارة عن نزاعات سياسية لا صلة مباشرة لها بعمل اللجنة ومهماتها".
أشخاص متورطون
وحول مدى إمكان التوصل إلى الأشخاص المتورطين في هذه المجزرة، قال أديب "لا إجابة لدي عن هذا السؤال، وما أستطيع قوله هو أن هناك واجباً أقوم به هو البحث عن المتورطين بارتكاب جرائم بحسب البيّنات القانونية، فضلاً عن تقديم تقرير سياسي يحمّل المسؤوليات السياسية والمدنية لرفعه لرئيس مجلس الوزراء، أما البيّنات الجنائية فسيتم رفعها إلى النائب العام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولدى سؤالنا عما إذا كانت اللجنة تعرّضت لضغوط من جهة ما للتأثير في عملها، قال "لم يحصل أن تلقّت اللجنة ضغوطاً من أي شخص ذي سلطة، لكن الضغوط نتلقّاها من علماء فيسبوك الذين يدّعون المعرفة ويهاجموننا من دون وجه حق ومن دون معرفة ببواطن الأمور، وقررنا تجاهلهم نهائياً"، مشيراً إلى أن "اللجنة سبق وأن واجهتها عراقيل بسبب نقص في الإمكانات، لكن لم تحدث عرقلة قام بها شخص محدد".
نتائج التحقيق
ولفت رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام إلى أن عمل اللجنة حالياً يتركز على مرحلة فحص الأدلة المادية من قبل خبراء متخصصين في هذا المجال، وستتم دراستها، ومن ثم تقديم تقارير تقوم اللجنة بفحصها لمعرفة نتائج التحقيق النهائية. وأضاف "بالنسبة إلى الحقيقة لا يعلمها أحد، وهذا ليس من واجب التحقيق، فالتحقيق عليه الوصول إلى البيّنات، فلا بد من التفريق بين الحقيقة الموضوعية والحقيقة القانونية، وهي ما تنطق بها المحكمة بناءً على البينات المطلوبة قانوناً، ونحن الآن نبحث في هذه البينات، ونعتقد أنها ستقودنا عند اكتمالها إلى نتيجة تمكّننا من تقديم قضية اتهام متماسكة للمحكمة".
تشكيل اللجنة
وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الموجود حالياً في منزلة تحت الإقامة الجبرية بعد إعلان البرهان الاثنين 25 أكتوبر (تشرين الأول) حالة الطوارئ في البلاد، شكّل في سبتمبر (أيلول) 2019 لجنة برئاسة المحامي نبيل أديب للتحقيق في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، التي وقعت في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، وأدت إلى مقتل 200 شخص ومئات الجرحى والمفقودين.
وتأتي هذه التطمينات من قبل المسؤولين السودانيين سواء في مجلس السيادة والحكومة من حين إلى آخر، في ظل شكوك الشارع السوداني حول نزاهة وقدرات اللجنة في التوصل إلى المتهمين الحقيقيين، بالنظر إلى سيطرة المكون العسكري الذي تحوم حوله شبهة تنفيذ عملية فض الاعتصام، على مقاليد السلطة في البلاد، وهو ما جعل أهالي ضحايا هذه الحادثة يعترضون على هذه اللجنة، ويطالبون بلجنة تحقيق دولية تؤدي إلى محاسبة المسؤولين عما ارتُكب من جرائم.
وظل حمدوك يؤكد في مناسبات عدة أن "تحقيق العدالة الشاملة والقصاص لأرواح شهداء فض اعتصام القيادة العامة خطوة لا مناص ولا تراجع عنها"، وهو المطلب الذي ما زال يطالب به أهل الضحايا، وتسانده غالبية الشارع السوداني، وأصبح مطلب الثورة الرئيس.
وكان آلاف المعتصمين السودانيين من شباب الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، تجمعوا قبل إطاحة الأخير أمام مقر قيادة الجيش للمطالبة بحكومة مدنية وبحكم ديمقراطي، بديلاً عن المجلس العسكري الذي تسلّم السلطة بعد عزل البشير، فأطلق مسلحون في صباح يوم الثالث من يونيو الذي صادف 29 رمضان، النار على المعتصمين بهدف فض الاعتصام بالقوة، ما خلّف عدداً كبيراً من الضحايا والجرحى والمفقودين.