بعد عامين على تفشي وباء "كوفيد-19"، يثير انتشار موجة جديدة في الصين أخيراً تساؤلات حول طريقة إحصاء السلطات لأعداد الوفيات الناجمة عن الفيروس واستمرار انخفاض تلك الأعداد مقارنةً بالإصابات المرتفعة.
وسجلت شنغهاي، أكبر المدن الصينية، 190 وفاة من بين أكثر من 520 ألف إصابة خلال شهرين تقريباً، وهي نسبة منخفضة جداً مقارنةً بتلك الناجمة عن المتحورة "أوميكرون" في أجزاء أخرى من العالم.
وربما يكون الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أذاع تلك الأرقام كدليل على نجاح استراتيجيته الصارمة لمكافحة الفيروس، غير أن الخبراء يقولون إن البيانات وحدها لا تكشف الصورة كاملة.
وسجلت شنغهاي، الأكثر تضرراً بين المدن الصينية بالموجة الحالية من كورونا، معدل وفيات بلغ 0.036 في المئة، أي 36 وفاة بين كل 100 ألف مصاب، منذ الأول من مارس (آذار).
وكانت الصين نجحت في مكافحة تفشي الفيروس محلياً وصولاً إلى إصابات معدودة، قبل ظهور الموجة الأخيرة. ولكن مع ذلك، فإن حصيلة الوفيات منخفضة مقارنةً بدول أخرى أشيد بجهودها في هذا الصدد.
اختلاف المعايير
وقال أستاذ الصحة العامة في جامعة أوتاغو بنيوزيلندا مايكل بيكر، لوكالة الصحافة الفرنسية، "لو كانت نسبة الوفيات في شنغهاي مماثلة لتلك في نيوزيلندا وهي 0.07 في المئة من الموجة الحالية من أوميكرون، لسجلت أكثر من 300 وفاة".
وأحصت الصين أقل من خمسة آلاف وفاة بـ"كوفيد-19"، على الرغم من رصد قرابة 200 ألف حالة إصابة مترافقة بعوارض، وأكثر من 470 ألف حالة إصابة من دون عوارض، منذ تفشي الوباء.
واعتمدت سلطات الدول منهجيات مختلفة لتحديد وإحصاء الوفيات بالفيروس، ما يجعل المقارنة بينها صعبة.
فالهند التي تُقارن بالصين من حيث عدد سكانها البالغ 1.4 مليار نسمة، أفادت رسمياً بـ 520 ألف وفاة بـ"كوفيد-19" بعد تفشٍّ مدمر ضرب البلاد العام الماضي، علماً أن تقريراً مرتقباً لمنظمة الصحة العالمية يحدد كما يُعتقد، الحصيلة الفعلية بأربعة ملايين وفاة.
وقال رئيس "جمعية آسيا المحيط الهادئ لعلم الأحياء الدقيقة والعدوى" بول تامبيا إن بعض الدول التي سجلت حصيلة مرتفعة مثل بريطانيا، احتسبت بانتظام أي شخص يتوفى في غضون 28 يوماً من إجراء اختبار إيجابي النتيجة، ضمن قائمة الوفيات بكورونا.
وذكر متحدث باسم منظمة الصحة العالمية أن المنظمة أجرت "مشاورات مكثفة مع الدول كافة" بشأن بيانات الوفيات، من دون التعليق على الصين تحديداً.
تفسيرات محتملة
أحد التفسيرات للحصيلة المنخفضة ربما يكون أن الصين "صارمة جداً بشأن تصنيف الوفيات المرتبطة بكورونا"، حسبما شرح تامبيا لوكالة الصحافة الفرنسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت لجنة الصحة الصينية إن الحصيلة تحتسب المصابين بـ"كوفيد-19" ممن يتوفون قبل أن يتعافوا من المرض.
وهذا يترك الباب مفتوحاً أمام استبعاد مرضى كانوا أساساً مصابين بأمراض كامنة فاقمها المرض، من حصيلة الوفيات إذا توفوا من جراء تلك الأمراض بعد تسجيلهم رسمياً ضمن قائمة المتعافين.
وقد يتعلق عامل آخر بسياسات الصين الصارمة لإجراء الفحوص، التي ربما تكشف عن إصابات أكثر مقارنةً بدول مثل الهند التي واجهت نقصاً في الاختبارات.
وقال خبير الأمراض المعدية في مستشفى "ماونت إليزابيث نوفينا" بسنغافورة، ليون هوي نام، إن "احتمالات رصد إصابات إيجابية ولكن من دون أعراض وإصابات بأعراض طفيفة، مرتفعة جداً". ولكن مع ذلك، "هناك فجوة دائمة بين الحالات المرصودة والمسجلة من جهة، والأشخاص الذين يمرضون ويموتون من جراء إصابتهم".
وعدّلت السلطات الصينية حصيلة الوفيات في ووهان في بداية الجائحة، في وقت لاحق صعوداً بنسبة 50 في المئة.
وقال أستاذ علم الأوبئة في جامعة تورونتو برابات جها إن الحصيلة الإجمالية لموجة التفشي الحالية قد تكون "رقماً مرتفعاً جداً" بسبب العدد الكبير لكبار السن الذين لم يتلقّوا كامل جرعات اللقاح، واللقاحات ذات نسبة الفاعلية المنخفضة.
الاختبارات الواسعة النطاق
ويعزو كبير علماء الأوبئة في الصين وو زونيو نسبة الوفيات المنخفضة في بلاده إلى تطبيق استراتيجية الرصد المبكر من خلال الاختبارات الواسعة النطاق.
وأوضح يو أن "إبقاء حجم التفشي عند الحد الأدنى سيسمح وبشكل تام بتفادي الوفيات الناجمة عن الضغط على الموارد الطبية".
ووظفت الصين حصيلة الوفيات المنخفضة للتأكيد على سياساتها الصارمة لمكافحة الفيروس، معتبرةً أنها وضعت حياة الناس قبل الحريات، بعكس ديمقراطيات غربية سجلت أعداداً أعلى بكثير.
وقالت الخبيرة في علم الأمراض في جامعة واشنطن ماي هي إن البيانات "تأثرت بالسياسات".
ويشرح آريل كارلنسكي من الجامعة العبرية في القدس والمستشار الفني لمنظمة الصحة العالمية، أن بكين تعاملت "بحذر" مع أرقام الوفيات لديها. ويرى أن مقارنة عدد الوفيات في الصين لجميع الأسباب المختلفة منذ عام 2020 بالأعوام السابقة للجائحة، تعطي فكرة أكثر دقة عن الوضع. لكن تلك الأرقام لم يُعلن عنها وأُبلغت فقط إلى "خبراء اختيروا بعناية"، كما قال.