علمت "اندبندنت" أن وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل تجاهلت مراراً استشارات قانونية عدة قُدّمت لوزارتها في شأن دعاوى تتعلق بالهجرة واللجوء، الأمر الذي زاد من التكاليف المالية على دافعي الضرائب التي بلغت أرقاماً قياسية.
وأنفقت وزارة الداخلية 35.2 مليون جنيه استرليني (نحو 43 مليون دولار أميركي) على فواتير قانونية لدعاوى خاسرة، ودفعت 9 ملايين و300 ألف جنيه استرليني (نحو 11.35 مليون دولار) أخرى لأفراد تم وضعهم عن طريق الخطأ في مراكز احتجاز المهاجرين، في الفترة الممتدة ما بين عامي 2020 و2021.
وتبلغ هذه الأرقام أعلى مستوى لها منذ وصول حزب "المحافظين" إلى السلطة، بعدما قفزت تدريجاً من 17.1 مليون جنيه استرليني (نحو 20.86 مليون دولار)، لتسجّل زيادة بنحو مليونين و200 ألف جنيه استرليني (نحو مليونين و650 ألف دولار) على التوالي خلال خمسة أعوام.
وكشفت مصادر في وزارة الداخلية لـ"اندبندنت" أن باتيل ووزراء آخرين في وزارة الداخلية، رفضوا الأخذ باستشارات قانونية في قضايا فردية في مناسبات عدة.
وأضاف أحد المصادر في وزارة الداخلية أن الخبراء القانونيين قدموا أمثلة واضحة حين "شكّلت التسوية الفورية للدعاوى، الخيار الأفضل من ناحية القيمة لدافعي الضرائب، ويمكن أن تمثل سابقة أفضل لرفع قضايا إلى المحاكم في المستقبل".
يأتي الكشف عن هذه المعلومات في وقت تستعد الحكومة البريطانية لإنفاق مبلغ لم يُعلن عنه بعد، على إرسال طالبي لجوء إلى رواندا، بعدما كانت دفعت 120 مليون جنيه استرليني (نحو 147 مليون دولار) مقدّماً للصفقة، وعلى أثر صدور تحذير رسمي من ماثيو ريكروفت، كبير موظفي وزارة الداخلية، الذي أشار إلى أن الوزارة ليست "متأكدة" من مدى "القيمة المستمدة مقابل الأموال المنفقة" على هذا المخطط.
واستناداً إلى المصادر نفسها في وزارة الداخلية، أعطى المحامون الذين يعملون لمصلحة الحكومة في حالات عدة استشارة واضحة في شأن قضايا اللجوء التي كانت تتجه الوزارة إلى خسارتها. وأضافت أن مثل هذه النصائح "تم تجاهلها في غير مناسبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير مصادر وزارة الداخلية إلى أن تخطّي الوزيرة باتيل الاستشارة القانونية كان يأتي في وقت متقدم من الليل، مع توقعها الصريح بأن تحصل ردود سريعة.
وأفاد مسؤول سابق بأن الوزيرة باتيل كانت "تركّز على القضايا الفردية"، مضيفاً أنها "كانت تعتبر الحاجة للّجوء إلى التشريعات القانونية أو التزام البروتوكول عنصراً معرقلا". ورأى أن التدخلات التي قامت بها باتيل ووزراؤها أسهمت في إبطاء مسار بتّ القضايا، وتسببت بهدر أموال دافعي الضرائب، وآلت إلى صدور مزيد من الأحكام القضائية ضد الحكومة.
تأتي هذه المزاعم في وقت أظهرت الأرقام التي تضمّنها التقرير السنوي الصادر عن وزارة الداخلية البريطانية، ارتفاعاً حاداً في التكاليف القانونية المتعلقة بالردّ على الدعاوى، والتي تتكبدها الوزارة عندما لا تأتي نتائجها لمصلحة الحكومة.
وفيما تُتّخذ قرارات اللجوء والهجرة باسم وزيرة الداخلية، إلا أنه يتم تفويض الغالبية العظمى منها إلى المسؤولين، الذين يعملون استناداً إلى توجيهات مفصلة حددتها الحكومة وفقاً لسياساتها في هذا المجال والقانون.
ويمكن لموظفي الخدمة المدنية والمحامين أن يقوموا بتنبيه وزيرة الداخلية باتيل إلى القضايا التي تكون حساسة بشكل خاص أو البارزة منها، لكن المصادر تشير إلى أن من غير المعتاد أن يعمل الوزراء على التدخّل بأنفسهم.
ويحقّ لوزيرة الداخلية تجاهل المشورة القانونية، وأن تأمر بالمضي قدماً في الدعاوى حتى لو كانت نتيجتها خسارة الوزارة في المحكمة.
لكن هذا التصرف يُعدّ "غير حكيم" لأنه يمكن أن يكبد الحكومة تكاليف إضافية كبيرة، إلى جانب تحمّلها مدفوعات أكبر مرتبطة بالتعويض على المدّعين في حال فوزهم.
وفي هذا الإطار، نبّه تدقيق أجرته هيئة رقابية في تكاليف المقاضاة القانونية التي دفعتها وزارة الداخلية البريطانية اعتباراً من عام 2017، إلى إنفاق الوزارة مبالغ "كبيرة على تسوية المطالبات، وفي إطار التعويض عند خسارتها الدعاوى".
ودعت مفتشية الهجرة في بريطانيا إلى وجوب استخلاص العبر من الدعاوى الخاسرة، قائلة إن "هناك أيضاً مخاطر على سمعة وزارة الداخلية وعملها، إذا ما جرى التعامل مع المطالبات على نحو سيّء، وانتهت بأحكام ليست في مصلحة الوزارة".
وأكدت مصادر أيضاً هذه المعلومات، محذّرة من جهة من أن التدخلات المغايرة للنصائح القانونية "ربما تؤدي في نهاية المطاف إلى تعّرض وزارة الداخلية لكثير من المشقات وتكبدها كثيراً من المال"، فيما طرحت من جهة أخرى علامات استفهام حول الطريقة التي تُستخدم فيها أموال دافعي الضرائب، وحول نظام الملاءمة القانونية ذات الصلة.
وحذرت المصادر نفسها من أن التدخلات السياسية تخاطر بزيادة الطعون القانونية، إذا ما اعتُبر القرار المتخذ من جانب وزارة الداخلية غير منطقي، أو في حال تضمّنه عناصر متناقضة ومتضاربة في معالجة القضايا الفردية.
ولفتت المصادر إلى أن رفض المشورة القانونية حصل في كلا الاتجاهين، سواء لجهة قرار الوزراء ليس فقط المضي قدماً في الدعاوى التي من المحتمل أن يخسروها، بل أيضاً التنازل بحيث كانت هناك احتمالات للفوز بالدعاوى.
وتبيّن وثائق وزارة الداخلية البريطانية أن مدفوعات التعويض عن الاحتجاز غير المشروع للمهاجرين، يمكن أن تصل إلى 400 ألف جنيه استرليني (نحو 488 ألف دولار) في القضايا الفردية، في حين أن التكاليف المرتبطة بالرسوم الناجمة عن الطلبات والدعاوى والطعون القانونية يمكن أن تصل إلى نصف مليون جنيه استرليني (نحو 610 آلاف دولار).
يشار إلى أن وزارة الداخلية خسرت سلسلة من الدعاوى البارزة في الأشهر الأخيرة، بما فيها دعوى عروس "داعش" في ما يتعلق بحرمانها من الجنسية البريطانية. ولا يمكن الكشف عن اسم تلك المرأة لأسباب قانونية.
واستدعت "المحكمة العليا" محاميّ وزارة الداخلية البريطانية للمثول أمامها في وقت لاحق من هذا الشهر، بسبب ملابسات الانتهاك المزعوم للوزيرة بريتي باتيل "واجب التزام الصراحة". طلب إجراء جلسة الاستماع جاء بعد اعتراف وزارة الداخلية باعتمادها سياسة سرّية غير قانونية، تتمثّل في مصادرة الهواتف من المهاجرين الوافدين على متن قوارب صغيرة.
وأشار القضاة إلى حدوث "خطأ" قانوني داخل الوزارة - افترض من خلاله المسؤولون، عن غير وجه حقّ، أن عبور طالبي اللجوء القنال الإنجليزي في زوارق يشكّل جريمة، وأنه يفتقر للتوضيح.
لكن ناطقاً باسم وزارة الداخلية أوضح، "قيام وزيرة الداخلية ووزراء بإبداء الاهتمام بالعمليات اليومية والاطلاع عليها والمشاركة فيها هي أمور صحيحة وملائمة. وليس من المستغرب ألا تكون إدارة وزارة في الحكومة تتولّى المسؤولية عن قضايا الهجرة والجريمة والأمن القومي، بمثابة وظيفة عادية يُكتفى بممارستها ما بين التاسعة صباحاً والخامسة من بعد الظهر".
وختم بالقول، "مع ذلك، هناك عدد من هذه الادّعاءات غير الدقيقة. ونحن نسعى دوماً إلى تقديم أفضل قيمة مقابل الأموال المنفقة، كما أننا نلجأ إلى تفعيل القوانين اللازمة لتقديم التعويضات المناسبة لأيّ طلبات حصلت خارج ساعات العمل العادية، بشكل عادل، وتوزيعها بالتساوي".
© The Independent