منذ بدء الفترة الانتقالية في السودان في أعقاب سقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، شكلت قضية وحدة قوى الثورة التي صنعت الثورة والتغيير، أحد المقتضيات المصيرية لتحقيق مهام الانتقال وإنجاز التحول الديمقراطي واستمرار الثورة وانتصارها، وذلك عندما كانت قوى إعلان الحرية والتغيير كتلة واحدة تضم أحزاباً، وحركات، وتجمعات، ومنظمات مجتمع مدني، ولجان مقاومة، ونقابات، وتجمعات مهنيين، وحركات كفاح مسلح، متماسكة تحت شعار موحد هو "تسقط بس".
حراك وتظاهرات
أعاد حراك وتظاهرات 30 يونيو (حزيران)، ذكريات وحدة قوى الثورة، بخاصة أن التظاهرات لم تتوقف بالخرطوم وعدد من عواصم الولايات، على الرغم من سقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح من المتظاهرين الشباب، وتحولت التظاهرات إلى اعتصامات متفرقة في عدد من مناطق ومدن العاصمة السودانية، أبرزها اعتصام مستشفى الجودة بالخرطوم، حيث جثامين من سقطوا في الحراك، ما دفع بالسلطات إلى اللجوء لإغلاق عدد من الطرق المؤدية إلى القيادة العامة، ووسط الخرطوم، وبعض الكباري في كثير من الأحيان، رداً على إعلان لجان المقاومة بالخرطوم تتريس مداخل الكباري والطرق بالعاصمة.
وعلى خلفية الحراك الذي وصفته قوى إعلان الحرية والتغيير بالناجح والمتقدم بالعاصمة والولايات، أصدر المكتب التنفيذي بياناً سياسياً في أعقاب اجتماع طارئ لتقييم الوضع السياسي بعد تظاهرات 30 يونيو، واعتبرها تحولاً نوعياً في توازن القوى لمصلحة قوى الثورة، وهزيمة موجعة لسلطة الانقلاب التي لم تستطع الخروج من عزلتها بعد، مشدداً على أن بناء جبهة مدنية موحدة على أساس تنسيقي بين كل قوى الثورة هو واجب الساعة الذي يجب إنجازه من دون تأخير، وهو الشرط اللازم لهزيمة الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية.
خطوات بناء الوحدة
وأوضح البيان أن قوى الحرية والتغيير تسعى مع بقية قوى الثورة عبر خطوات عدة لاستكمال بناء وحدتها، من خلال الحراك الجماهيري الثوري المنتصر في 30 يونيو لبلوغ الثورة إلى غاياتها كاملة غير منقوصة، واستعجل المكتب التنفيذي استكمال التواصل مع كل قوى الثورة المناهضة للانقلاب لبناء جبهة شعبية موحدة لهزيمته، تضم قوى سياسية ولجان المقاومة والمهنيين والمجموعات النسوية والشبابية وتنظيمات المجتمع المدني، منوهاً إلى ضرورة توافق مكونات الجبهة على رؤية سياسية مشتركة وقيادة تنسيقية موحدة، مع التواصل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين من أجل موقف دولي داعم لنضال وتطلعات شعب السودان في دولة مدنية ديمقراطية.
ودعا المكتب في بيانه إلى تكوين مركز تنسيقي ميداني وإعلامي موحد بصورة فورية، يتولى التحضير لمواصلة التصعيد الجماهيري والإعداد للعصيان المدني الشامل عقب عيد الأضحى المبارك، مشدداً على مواصلة التصعيد الثوري بكل الوسائل السلمية المستحدثة ودعم أشكال المقاومة المطروحة، مع تصعيد حملات إطلاق سراح المئات من المعتقلين والمعتقلات مع المجموعات الحقوقية والمدنية من أجل حريتهم.
وأشار تنفيذي تحالف التغيير إلى أن انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وُلد بالأساس ضعيفاً، لكن تأخر وحدة قوى الثورة المقاومة له في جبهة مدنية ديمقراطية موحدة على أساس مركز واحد للتنسيق والقيادة السياسية والميدانية، كان من نواقص الحراك الثوري المستمر، منوهاً بأن انتصار الشعب السوداني في 30 يونيو يجب ألا تحجبه مثل تلك النواقص.
اتهامات "الشيوعي"
من جانبه، اعتبر رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير أن وحدة قوى الثورة وتشكيل أوسع تحالف واسع لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر، أمر حاسم وجوهري، ورداً على اتهامات الحزب الشيوعي لتحالف الحرية والتغيير بالسعي إلى تجبير مواكب 30 يونيو وتوظيفها لصالح تحسين موقفه في مفاوضاته مع قادة الجيش، أشار الدقير إلى أن ما صدر من الحزب الشيوعي يحمل دعوة وإشارات في الاتجاه الصحيح، تشترك فيها وترددها كل قوى الحراك الجماهيري الثوري، لكنها تعمل من دون تنسيق يبنها، مبدياً أسفه لاتهامات الحزب للتحالف. وشدد الدقير على أن تشكيل الجبهة العريضة بقيادة تنسيقية موحدة ورؤية سياسية مشتركة بما يحقق الشرط اللازم لهزيمة الانقلاب، ويفضي لتجاوز أخطاء المرحلة السابقة، ويمكن من تأسيس سلطة مدنية متوافق عليها تباشر إنجاز مهام الفترة الانتقالية العالقة، وتعد لتنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة بنهايتها.
هل من فرص؟
لكن إلى أي مدى تبدو فرص توحيد قوى الثورة ممكنة؟ وهل ستنجح تلك الدعوات والجهود في وضع رؤية وطنية وبرنامج عملي توافقي يمكن أن ينهي الانقلاب ويفتح مخرجاً وحلولاً للأزمة السياسية المتفاقمة؟
في هذا السياق، يرى محللون ومراقبون سياسيون، أن إمكانية وحدة قوى الثورة ترتبط بحجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها الأحزاب أو الكيانات المهنية وقوى المجتمع الحية الأخرى، لأن إسقاط الانقلاب لن يتحقق إلا بوحدة قوى الثورة، غير أن العبرة لن تكون في الثقل العددي للوحدة، لكن لا بد من تقارب مفاهيم القوى الحديثة والتقليدية في مقاربة الرؤى الثورية بحيث تنتج برنامجاً وطنياً يستلهم مطالب وقضايا الفترة الانتقالية، كما تتصورها القوى الشبابية والمدنية لتحقيق أهداف الثورة في التغيير.
ورأى المحلل السياسي الأكاديمي علي عبد الرؤوف أن تفرق قوى الثورة أدى إلى إضعاف أداء حكومة عبد الله حمدوك، كما أغرى المكون العسكري ووفر له كل مبررات الانقلاب وفض الشراكة مع كيان يراه هلامياً ومتضعضعاً وسهل الانقضاض عليه. وشدد على ضرورة أن تستصحب بناء جبهة وطنية عريضة لمقاومة الانقلاب وإسقاطه، رؤى لمرحلة ما بعد إسقاط الانقلاب، لأنها المرحلة التي شكلت محكاً حرجاً لقوى الحرية والتغيير في تجربتها السابقة، إذ بدأت وحدتها تتداعى عقب إنجازها أكبر أهدافها بإسقاط نظام البشير، لذلك لا بد من أخذ العبرة مما سبق حتى لا تكرر الجبهة المعلن عنها الخطأ السابق نفسه من جديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف عبد الرؤوف المحاولات المتكررة لوحدة قوى الثورة من خلال طرح مواثيق للالتفاف حولها من البقية بأنها لم تكن مجدية ولم يكتب النجاح لأي منها، إذ إن المطلوب لوحدة هذه القوى، الرؤية المتكاملة المطلوب الالتفاف حولها، وهي تبقى في كل الأحوال مسؤولية المجلس المركزي للحرية والتغيير الذي شكل نواة أجسام الثورة منذ بواكير ميلادها في 2019 وقبله.
تنازلات مطلوبة
وعلى الصعيد نفسه، وصف بروفيسور صلاح الدين الدومة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، الحديث عن جبهة عريضة بأنه يعني بالضرورة توسيع قاعدة المشاركة، لذلك لا بد أن ينطوي على تنازلات تتجه مباشرة صوب مجموعة التوافق الوطني بما في ذلك الجبهة الثورية، بخاصة بعد تجربة الحرية والتغيير السابقة، التي اتهمت فيها مجموعة صغيرة من أحزاب الحرية والتغيير المجلس المركزي، بالهيمنة على الجهاز التنفيذي ومفاصل الحكم.
أضاف الدومة أن الدعوة إلى جبهة وطنية أوسع تشير بوضوح إلى عدم ممانعة في تقديم تنازلات موجهة بصفة أساسية إلى مجموعة الميثاق الوطني بما في ذلك الجبهة الثورية، إذ يسقط في يد المكون العسكري الذي ظل يتمسك بحجة التوافق الوطني للذهاب إلى ثكناته، من دون أن يستبعد، "في حال عدم تعنت قوى الميثاق الوطني"، أن يحدث اندماج مجدداً بين كتلتي قوى الحرية والتغيير، ما يتماشى، إلى حد كبير، مع رغبات المجتمع الدولي الراغب بشدة في إنهاء الوضع السياسي المتأزم في السودان، وبخاصة الولايات المتحدة.
وأشار الدومة إلى أن الكرة الآن باتت في ملعب قوى ميثاق التوافق الوطني، بخاصة أن بعض الرسائل والإشارات التي أسفرت عنها تظاهرات ومواكب 30 يونيو، تصب في صالح الحلول المقترحة من الآلية الثلاثية، كما أنها كشفت عن أن المجتمع الدولي لن يفعل شيئاً أمام استمرار العنف وقتل المتظاهرين سوى الإدانة والشجب والدعوة للعودة إلى الحوار.
وأصدرت مجموعة من شباب الثوار (آلية وحدة قوى الثورة)، تتبنى الوحدة الثورية، يباناً جاء فيه، "نحن في آلية وحدة قوى الثورة نؤكد المضي قدماً في إكمال عملية تكوين المجلس الثوري ليقود حراك الشارع ويتسلم قيادة الفعل الجماهيري والسياسي، حتى تصفية الانقلاب العسكري تماماً، ومن ثم الإشراف على تشكيل الحكومة المدنية التي ستقود الفترة الانتقالية"، وأطلقت المجموعة نداء إلى القوى والتيارات السياسية للتسامي فوق المواقف الأيديولوجية والتاريخية الخاصة والاندماج في قيادة موحدة يتحقق من خلالها حلم الشارع الثائر، محذرة من أن أي تخلف عن الشارع الآن هو طعنة في خاصرة الثورة.
مسيرة التصدعات
وتأسس تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير من مجموعة كبيرة من المكونات السياسية السودانية ضمت تجمع المهنيين، والجبهة الثورية، وتحالف قوى الإجماع الوطني إلى جانب التجمع الاتحادي المعارض، وتأسست قوى الحرية في يناير (كانون الثاني) 2019، وواصل التحالف احتجاجاته ضد المجلس العسكري الانتقالي بعد سقوط نظام البشير، ثم دخل في مفاوضات مع العسكريين أفضت في 17 يوليو (تموز) 2019 إلى توقيع الوثيقة الدستورية التي أسست للشراكة في حكم الفترة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري، إلا أن الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش أطاح بالشراكة بانقلاب 25 أكتوبر 2021، غير أن التحالف شهد عدداً من الانقسامات والتصدعات بخروج مكونات أساسية من مؤسسيه مثل تجمع المهنيين والحزب الشيوعي وتجمع القوى المدنية، ثم انشقت عنه مرة في أكتوبر 2021، أحزاب وحركات عدة موقعة على السلام، على رأسها حزب "البعث السوداني" وحركتا "تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي، و"العدالة والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم.