ينتج قطاع غزة أكثر من 700 طناً يومياً من المخلفات الصلبة، ترحلها عادةً طواقم البلدية إلى مكب النفايات الوحيد في القطاع، وتمكث هناك لفترات طويلة حتى تتحلل، ويبقى البلاستيك الذي يقدر متوسط كميته من المخلفات اليومية بنحو 250 طناً، فيكون مصيره الحرق.
هذه الكميات الكبيرة التي تنتجها غزة من البلاستيك، دفعت حامد حجازي إلى التفكير في استغلاله عوضاً عن حرقه، وذلك عن طريق إعادة تدويره، بطريقة تجعله صديقاً للبيئة بدلاً من عدو طويل الأمد يبقى في التربة ويكسر عناصرها دون أن يتحلل، فاستخدمه في صناعة الحصير.
جزء من الهوية الفلسطينية
ويعد الحصير من المفروشات الأرضية، وهو عبارة عن بساط صغير يوضع في البيوت مثل السجاد، في القدم كان يصنع من الصوف أو الخوص وسيقان البردي، أما حالياً بات يدخل البلاستيك في تصنيعه.
وارتبطت صناعة الحصير بالهوية الفلسطينية، حتى بات يعد أحد أشكال التراث الشعبي، ويستخدم عادةً لتزيين المنازل في المناسبات. وبدأت صناعته كحرفة يدوية في السبعينيات، إلا أنه مع انتشار السجاد اندثر، لكنه عاد حديثاً ليتربع على عرش المفروشات الأرضية في غزة، نتيجة أسعاره الخفيفة نسبياً.
ولمحاولة التخلص من البلاستيك بطريقة لا تضر بالبيئة، اتفق حامد مع مجموعة من "النباشين" لجمعه من مكب المخلفات المركزي أو من بين أكوام النفايات المنتشرة في أغلب شوارع غزة، لإدخاله في صناعة الحصير. ويقول إنه بهذه الخطوة أسهم في نظافة التربة، وكذلك وفر فرص عمل لمجموعة كبيرة من الشبان الذين كانوا جزءاً من البطالة المستشرية في القطاع.
إعادة التدوير أفضل من الخام
في الواقع، تقتصر عملية تدوير النفايات في غزة، على مبادرات فردية محدودة من بعض الشباب، ولا توجد آلية رسمية تعمل بها الجهات الحكومية، كما لا يوجد أي تصنيف للمخلفات الصلبة، وعادةً ما يجري ذلك بعد إخراج النفايات من البيوت.
ويقول حامد إنه يعمل منذ عقود على صناعة الحصير باستخدام بلاستيك خام مستورد، "لكن مع ارتفاع سعره، وصعوبة إدخاله إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم، الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، فكرنا في بديل آخر، ولجأنا إلى إعادة تدويره من مخلفات غزة، وهذا الأمر أسهم بشكل إيجابي على البيئة والتربة، وأسهم في حل مشكلات مختلفة".
وكان حامد يشتري كيلوغرام البلاستيك من إسرائيل بثلاث دولارات، إلا أنه بعد اللجوء إلى إعادة تدويره بات الكيلوغرام يكلفه أقل من دولار واحد، ما انعكس انخفاضاً في سعر الحصير. ويلفت إلى أن "تدني ثمنه جعله يجد إقبالاً كبيراً من السكان وينتشر من جديد في غزة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رحلة صناعة الحصير
وبعد عملية تجميع البلاستيك، توضع العلب والأواني، مختلفة الألوان والأحجام، في ماكينة التفتيت، ليخرج قطعاً صغيرة للغاية، وتسمى هذه العملية بالجرش. ويقول حامد، "بعد ذلك يتم تنظيف هذه المادة وتعقيمها، ثم صهرها تحت حرارة معينة فتخرج على شكل بوص بلاستيكي رفيع، يصنع منه الحصير". ويضفي حامد دائماً على البلاستيك المعاد تدويره، ألواناً جذابة عند عملية تصنيعه لتلقى رواجاً أثناء البيع، وعادةً ما تكون هذه الألوان مرتبطة بالتراث الفلسطيني المشهور باللون الأحمر والأبيض والأسود والأصفر.
ويعمل حامد منذ 40 سنة في صناعة الحصير، وهي مهنة توارثها عن أجداده، وما زال يحافظ عليها من الاندثار. ويوضح أن هذه الحرفة عادت إلى الازدهار في غزة من جديد، بعد تزايد إقبال السكان على منتجاتها، التي تصنف على أنها رخيصة الثمن، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أهالي القطاع المحاصر.
زيادة الإقبال ومنع التصدير
وفقاً لحديث حامد، فإن الإقبال على شراء الحصير في غزة ارتفع خلال السنوات الخمس الماضية، وبات ينتج في مصنعه نحو 500 حصيرة يومياً، لكنه يشير إلى أن هذه الكميات تزيد على حاجة السوق المحلية، لذلك يسعى إلى فتح آفاق التصدير إلى أسواق الضفة الغربية.
منذ عام 2000، منعت إسرائيل حامد من تصدير منتجاته إلى باقي الأراضي الفلسطينية، بعد أن كانت تصدر بكميات كبيرة، بخاصة في موسم جني الزيتون، حيث يستخدم في عملية الحصاد، وهو ما جعله حينها يخفض إنتاجه إلى 85 في المئة من إجمالي عمله المعتاد، إلا أن زيادة الإقبال على شراء الحصير في غزة دفعه للعودة من جديد إلى زيادة طاقته الإنتاجية.
ويباع الحصير في غزة بالياردة (تساوي 91 سنتيمتراً)، وكان سعره قبل استخدام البلاستيك المعاد تدويره نحو أربعة دولارات، نظراً إلى استخدام مواد الخام الأصلية، لكن بعد أن بات يصنع من مواد معاد تدويرها أصبح ثمن الياردة من الحصير دولاراً واحداً.
ويوضح حامد أن انخفاض السعر جعل الإقبال على شراء الحصير مرتفعاً، بخاصة عند الطبقات الوسطى والفقيرة في المخيمات والأرياف.