كلما حاول أحد المودعين في المصارف اللبنانية الحصول على أمواله وحقوقه بقوته الذاتية وليس بقوة القانون، فإن هذا الخبر ينتشر بسرعة كبيرة بين اللبنانيين الذين يدعمون هذا الفعل بكل الطرق الممكنة، بخاصة عبر وسائل التواصل، فالموضوع يتناول الودائع والمدخرات المحتجزة في المصارف والتي لا يحصل أصحابها إلا على النذر اليسير منها وفقاً لتعميمات المصرف المركزي وإدارات هذه المؤسسات المالية الخاصة.
وبعد عمليتي اقتحام مصارف لبنانية جرتا أمس الأربعاء تشبهان عمليات أخرى سابقة وقعت خلال الأشهر الماضية، انتشر "وسم" "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، ويطرح الجميع عند وقوع مثل هذه الحوادث أسئلة حول الوضع القانوني لمقتحم مصرف من أجل الحصول على أمواله الخاصة.
قانون العقوبات اللبناني يتناول حالات "استيفاء الحق بالذات" في المادة (924) ينص على أن "من أقدم على استيفاء لحقه بالذات وهو قادر على مراجعة السلطة ذات الصلاحية بنزع مال في حيازة الغير أو استعمال العنف بالأشياء فأضر بها، عوقب بغرامة لا تجاوز 200 ألف ليرة"، فيما ذهبت المادة (430) من القانون نفسه إلى أنه "إذا اقترف الفعل المذكور في المادة السابقة بواسطة العنف على الأشخاص أو باللجوء إلى إكراه معنوي عوقب الفاعل بالحبس ستة أشهر على الأكثر، فضلاً عن الغرامة المحددة أعلاه، وتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين إذا استعمل العنف أو الإكراه شخص مسلح أو جماعة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ولو غير مسلحين".
ماذا لو قرر كل لبناني أن يستعيد أمواله بنفسه حين يجد أن عقوبته القصوى لا تتعدى الحبس ستة أشهر وغرامة مالية صغيرة؟
هذه العقوبة لن تشكل رادعاً أمام شخص يحاول استرجاع أمواله التي جمعها بعرق جبينه والتي لم يعد بإمكانه الوصول إليها من دون مبرر سوى مجموعة من التعاميم والمراسيم التي تصدر في ظل نظام ليبرالي حر تعمه الفوضى واللاعدالة، وفي ظل نظام قضائي غير مستقل وعاطل من العمل منذ مدة طويلة للأسباب المالية والاقتصادية نفسها التي أدت إلى وقوع الانهيار اللبناني الاقتصادي والمؤسساتي، إذ بات مفهوماً سيادة القانون واستقلالية القضاء مجردين عن مفهوم العدالة الاجتماعية، لأن تطبيق القانون يعني بالمقام الأول حماية الملكية الفردية لا إعادة توزيعها على أساس توزيع الخسائر بحسب الوضع الاجتماعي ونسبة المسؤولية في التسبب بالأزمة بين الدولة اللبنانيين والمصارف والمودعين، على رغم أنه ليس للمودعين لبنانيين وغير لبنانيين أي دور مباشر في التسبب بهذه الأزمة المالية والضائقة المعيشة التي بدأت بسقوطها الحر قبل ثلاث سنوات على الأقل.
لا أمن ولا قضاء
وفي سؤال وجهناه إلى مجموعة من المحامين المدافعين عن حقوق المودعين في المصارف اللبنانية عما قد يحدث فيما لو قرر عدد كبير من المودعين اقتحام المصارف دفعة واحدة، فكانت إجاباتهم مختلفة.
بعضهم اعتبر أنه لا يمكن اللجوء إلى استيفاء الحق بالقوة الذاتية مهما بلغت اللاعدالة في تطبيق القوانين، لأن هذا الأمر سيحول عملية استعادة الحقوق إلى ما يشبه الغابة حيث القوي يأخذ حق الضعيف، وبرأي هؤلاء أنه لا بد من اللجوء إلى القانون مهما طال الزمن.
المحامون الأكثر تشدداً وجدوا أن من حق المودع أن يعبر عن رفضه لما يجري معه بكل الطرق المتاحة طالما أن القضاء اللبناني يقف إلى جانب أصحاب المال والمصارف، وهؤلاء في جزء كبير منهم من السياسيين أو من شركائهم، وبرأي هؤلاء المحامين أن مثل هذه الانتفاضة قد تضع المصارف والقضاء والحكومة اللبنانية أمام مسؤولياتهم تجاه مواطنيهم، كي يعملوا على إنهاء هذا الأمر في وقت أسرع، خصوصاً أن السلك القضائي يعاني نقصاً كبيراً في أفراده بعد رفض رئيس الجمهورية التوقيع على مرسوم التشكيلات القضائية من أجل ملأ الفراغات، وهذا السلك كغيره في الإدارة اللبنانية يخضع للمحاصصة السياسية والطائفية ولا يجري فيه أي تحديث أو تطوير وتمنع منه الاستقلالية التي تدخل في صلب عمله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المحامون المحايدون رأوا أن مثل هذا السيناريو، أي اقتحام المودعين للمصارف بشكل يومي ومتواتر، سيؤدي إلى انفراط ما تبقى من عقد القوى الأمنية ويخلط الملفات القضائية وأولوياتها بعد إنهاك النظام القضائي الذي عليه البت في مثل هذ الاقتحامات.
ويرى هؤلاء أن المصارف ستجد في هذه الحال كل الطرق التي تدفعها إلى إغلاق فروعها بحجة الخوف من عمليات الاقتحام، مما سيؤدي إلى تعطيل عمل ما تبقى من القطاع المصرفي وتعطيل أعمال كثير من اللبنانيين الآخرين، مثل الذين يتلقون رواتبهم من الخارج أو الذين يتلقون الحوالات والمساعدات من المغتربين، وهؤلاء باتوا من أكثرية اللبنانيين الذين يقاومون مرارة الأوضاع الاقتصادية بمساعدات أقاربهم في الخارج، وهذا ما سيؤدي أيضاً إلى تعطيل وصول أموال اللاجئين السوريين الذين يحصلون على المساعدات من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عبر حساباتهم المخصصة لهذه المساعدات في البنوك اللبنانية، وهذا يعني أن حركة التداول المالية بالدولار "الفريش" كما يسميه مصرف لبنان، أي المبالغ بالدولارات التي تصل إلى الحسابات بعد العام 2019، وهي الدولارات التي تبقي الاقتصاد اللبناني واقفاً ولو على رجل واحدة، فالأموال المحولة من الخارج إلى لبنان تبلغ ما يقارب 7 مليارات دولار سنوياً.