على رغم كل مظاهر الانفتاح التي شهدها المجتمع الأردني طوال الأعوام الـ10 الماضية، إلا أنه لا يزال يصنف حتى اللحظة بأنه "مجتمع محافظ"، لذلك فإن الحديث عن الإجهاض يعد من المحرمات الاجتماعية والدينية ومن "التابوهات" المسكوت عنها ويرتبط في الثقافة الشعبية بالناحية الأخلاقية.
وباستثناء ما يسمى "الإجهاض القانوني" الذي يوثق بتقارير طبية ويسمح به في حال وجود خطر على حياة الأم أو الجنين، تجري حالات إجهاض غير قانونية تؤدي بمعظمها إلى وفاة أمهات في مقتبل العمر أو فتيات تعرضن للاغتصاب ويرغبن في التخلص من وصمة العار.
الإجهاض في القانون الأردني
يعالج قانون العقوبات الأردني ظاهرة الإجهاض عبر نصوص عدة أبرزها المادة 321 التي تنص على أن كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.
كما تعاقب المادة 322 من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة، عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة الموقتة مدة لا تقل عن خمسة أعوام.
لكن المادة 324 تبيح للمرأة أن تستفيد من عذر مخفف إذا أجهضت نفسها محافظة على شرفها.
أما قانون الصحة العامة، فيتطرق إلى الإجهاض عبر مادة وحيدة وهي المادة 12 التي تحظر على أي طبيب وصف أي شيء بقصد إجهاض امرأة حامل أو إجراء عملية إجهاض لها، إلا إذا كانت العملية ضرورية لحمايتها من خطر يهدد صحتها أو يعرضها للموت في حين أن الدستور الطبي الذي يقسم عليه الأطباء، يحظر على الطبيب في المادة 21 منه إجراء الإجهاض الاختياري بأية وسيلة إلا إذا كان استمرار الحمل يمثل خطراً على حياة الحامل ويشترط حينئذ أن يتم الإجهاض من قبل طبيب متخصص وبموافقة طبيب متخصص آخر في مستشفى مرخص وأن يحرر محضر بتقرير الحاجة الملحة للإجهاض قبل إجراء العملية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا رفضت الحامل إجراء العملية على رغم توضيح الطبيب خطورة وضعها فعليه الامتثال لإرادتها بعد إثبات معارضتها.
أما مجلس الإفتاء التابع لوزارة الأوقاف الأردنية، فأجاز إجهاض المرأة الحامل إذا ثبت أن الحمل سيوثر في حياتها، ونصت الفتوى على ما يلي "إذا بلغ الجنين في بطن أمه أربعة أشهر أو تجاوزها، فلا يجوز إسقاطه مهما كان تشوهه إذا قرر الأطباء أنه من الممكن أن يبقى على قيد الحياة، إلا إذا ترتب على ذلك خطر محقق على حياة الأم. أما إذا لم يبلغ الجنين أربعة أشهر وثبت أنه مشوه تشويهاً يجعل حياته غير مستقرة، فيجوز إسقاطه بموافقة الزوجين".
الإجهاض والزواج العرفي
لكن متخصصين ومراقبين كالدكتورة شروق أبو حمور اختصاصية علم الاجتماع الطبي تبدي استغرابها من توافر خدمة توصيل لحبوب الإجهاض في الأردن، محذرة في الوقت ذاته من أخطار فقدان فتيات لعذريتهن وحملهن بشكل غير شرعي.
بينما تدق المحامية أريج الرمحي ناقوس الخطر من تبعات انتشار الزواج العرفي بين النساء الأردنيات الذي يكون الإجهاض نتيجة حتمية له في معظم الحالات باعتباره زواجاً باطلاً شرعياً لا يحفظ حقوق الزوجة وأبنائها، وتقدر وجود نحو 10 آلاف حالة زواج عرفي، بخاصة بين الفتيات الجامعيات اللاتي يفضلن الإجهاض في حال حدوث حمل خشية معرفة الأهل.
دعوات إلى التقنين
في مقابل دعوات أطلقتها مؤسسات مدنية ومجتمعية إلى تقنين الإجهاض عام 2019 في الأردن، أطلقت تحذيرات موازية من تحول ذلك إلى وسيلة للعلاقات غير المشروعة واستغلال المرأة جنسياً.
يسوق المدافعون عن حق الإجهاض عبر تعديلات تشريعية مبررات من قبيل الحفاظ على حياة الأمهات الحوامل وصحتهن النفسية والبدنية وسمعتهن ويطالب هؤلاء بإضافة أسباب قانونية أخرى لإباحة الإجهاض إلى جانب وجود خطر على حياة الأم من قبيل حالات تشوه الجنين وحالات الحمل الناتج من سفاح المحارم والاغتصاب.
لا يوجد إحصاء رسمي حديث حول عدد حالات الإجهاض غير القانونية، بيد أن أرقام وزارة العدل تتحدث عن تجريم 49 امرأة لجأن إلى الإجهاض بين عام 2009 وحتى 2016.
ويقول مراقبون إن إجراءات الرعاية للحوامل والصحة الإنجابية في الأردن حكر للمتزوجات بشكل قانوني ورسمي، مما يهدد الأخريات وحياتهن ويدفعهن بالتالي إلى التفكير بخيار الإجهاض.
واليوم يدور جدل كبير حول حظر عقارات منع الحمل الطارئة التي تعد وسيلة لمنع الحمل قبل حدوثه وتلافي الإجهاض وتمنع الحكومة الأردنية ترخيص هذه العقاقير لأسباب أخلاقية، لكن متخصصين يطالبون بتوفيرها لمنع كثير من حالات الإجهاض غير القانوني.
وكانت اللجنة الوطنية لشؤون المرأة اقترحت على وزارة العدل تعديل قانون العقوبات بحيث تتم إباحة الإجهاض في حالات الاغتصاب والسفاح خلال الأسابيع الأولى.
إجهاض المغتصبات
يشار إلى أن عدد حالات حمل نساء أردنيات نتيجة الاغتصاب ليس كبيراً في ظل عدم وجود إحصاء رسمي دقيق، لكن بعض الجهات المعنية تتحدث عن مئات الحالات سنوياً.
ويقول الطبيب الشرعي الدكتور هاني جهشان إن "الإجهاض محرم ومجرم في التشريعات الأردنية سواء كان الاتصال الجنسي الذي أدى إلى الحمل مشروعاً أو غير مشروع" ويضيف أن "الأسباب الأخلاقية أو الجنائية ليست مبرراً لإجراء الإجهاض العلاجي مثل الحمل الناتج من الاغتصاب. كما أن الأسباب الاقتصادية ليست سبباً لإجراء الإجهاض العلاجي مثل الفقر وكذلك تحديد النسل أو التخوف من إصابة الجنين بتشوهات خلقية".
وتؤكد جمعية أطباء النسائية والتوليد من جهتها أن الإجهاض غير القانوني الذي يقوم به الطبيب في عيادته الخاصة غير مكتمل ولا يقدر أخطار الإجهاض التي ربما تؤدي إلى ثقب في عنق الرحم يسفر عن نزيف أو تمزق عنق الرحم أو التهابات في جدار الرحم أو البطن أو الحوض، مما قد يتبعه على المدى البعيد انسداد في الأنابيب".
ويبين رئيس المركز الوطني للطب الشرعي في مستشفى البشير الدكتور عدنان عباس أن عدد حالات الإجهاض التي يتعامل معها المركز سنوياً تزيد على 300 حالة.