قد يتضح للحزب الديمقراطي الأميركي والمؤمنين بالديمقراطية أينما كانوا، أن أفضل شخص لهزيمة الترمبية هو ترمب نفسه. أو "ترمب الخاسر"، إذا ما أردنا أن نعطيه لقباً على نمطه. إنه لأمر محزن!
وبالنسبة إلى التقدميين في أنحاء العالم كافة، إنها في الحقيقة أخبار مثيرة بأن ترمب يتجه إلى إفساد انتخابات أخرى بالنسبة الى الجمهوريين. فهم لن يفوزوا بالبيت الأبيض مع ترمب الخاسر، لأن من المفترض، أنه سيتعين على المرشحين الجمهوريين لعضوية مجلسي النواب والشيوخ في عام 2024 أن يقدموا بعض الولاء لترمب، وكذلك تبجحه، وإنكاره [نتيجة] الانتخابات وتنمره الجنوني. وبالتالي سيتعين على الجميع أن يكونوا أبواقاً له، شاؤوا أم أبوا، وسوف يدفعون ثمن ذلك.
سيكون الإقبال على المشاركة بالانتخابات في عام 2024 أكبر [مما كان عليه في انتخابات 2020]، وهذا ما قد يساعد الديمقراطيين أيضاً. لذلك، فإن جو بايدن الذي أعلن عن استعداده للاستمرار في تحمّل مسؤولياته لولاية ثانية، ربما سيُهدى البيت الأبيض له إضافةً إلى مكافآت تتمثل في السيطرة بشكل أقوى على مجلس الشيوخ واستعادة [الغالبية في] مجلس النواب في المرة المقبلة. بالتالي، ومع وجود الكونغرس [بمجلسيه] إلى جانبه في ولايته الثانية، فإن أفضل أيام الرئيس بايدن لم تأت بعد، وسيكون ذلك بفضل... دونالد ج ترمب.
وبالنظر إلى [أدائه في] أيامه الأولى وما تبعها من ركود، فإن بايدن سيكون محظوظاً بشكل خاص إذا ما واجه خصمه القديم مرة أخرى في جولة أخرى من الانتخابات الرئاسية، وهذا غير مسبوق منذ خمسينيات القرن الماضي عندما فشل أدلاي ستيفنسون في إلحاق الهزيمة بدوايت أيزنهاور، مرتين على التوالي. لقد هزم بايدن ترمب من قبل وباستطاعته أن يهزمه مرة أخرى، ولا سيما أن ترمب بات الآن ذلك الخاسر المتسلسل الذي ثبُت أنه كذلك.
غير أن بايدن سيواجه صعوبة أكبر بكثير إذا ما تحداه شخص أصغر سناً وأرشد عقلاً ولا يهدد بجعل أميركا تتعرض إلى صدمة ترمبية أخرى قد تبلغ ذروتها في تمرد آخر على شاكلة 6 يناير (كانون الثاني) [اقتحام مبنى الكابيتول]. سيجني الجمهوريون على أنفسهم إذا ما رشحوا الشخص الوحيد الذي يمكن لبايدن أن يتغلب عليه في المرة المقبلة.
هل سيفعلون ذلك؟ من المحتمل بالتأكيد أن قبضة ترمب المحكمة على القاعدة المتعصبة ستثقل كاهل الجمهوريين بالشخص الأقل حظاً بالفوز في انتخابات 2024. كما سيكون منافسو ترمب [من مرشحي الحزب الجمهوري] أقوى مما كانوا عليه في عام 2016، فرون دي سانتيس، الجمهوري المناهض له قد بنى سمعة لنفسه باعتباره الرجل الأوفر حظاً بإنقاذ حزبه من المزيد من الإذلال، وهو يشكل التهديد الأقوى [لترمب].
وإذ يتعرض الواهم العتيق سلفاً للهجوم من قبل مايك بنس، نائب الرئيس السابق، فإنه سيكون أيضاَ لأمثال تيد كروز كلمتهم من دون شك. إلا أن ولاء القاعدة هو شخصي وليس حزبياً، ولن يكون أحد مقبولاً [لدى هذه القاعدة] سوى ترمب، أو مرشح ترمبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى النقيض من الديمقراطيين الذين سيحتفلون هذه المرة بتنصيب بايدن (على رغم التركيز أكثر على زميله في الترشح [لمنصب نائب الرئيس] هذه المرة لأسباب تتعلق بتقدم العمر) فإن ترشيح الحزب الجمهوري سيكون عبارة عن شجار مقرف وقبيح، يشبه المشاركون فيه فرقة انتحار كلاسيكية لأشخاص يتحلقون في دائرة لإطلاق النار على بعضهم بعضاً. ولن يعود ذلك بالخير على أي من المتننافسين، ومن المرجح، حتى في الوقت الحالي، أن يفوز ترمب بالترشيح الجمهوري.
ومن المرجح للغاية أيضاً أن ترمب سيختار مرشحاً لمنصب نائب الرئيس يكون شديد الولاء له، وممن ينكرون [نتيجة] الانتخابات، ومتطرف في مناهضة الإجهاض، والذي من شأنه أن يرعب "أميركا الوسطى" بقدر أكبر بكثير مما فعله بنس في أي وقت مضى.
و[لوصفه] من وجهة نظره الخاصة، وباستعارة إحدى كلماته المفضلة، [يمكن القول] إن ترمب كان "ذكياً" في إعلان ترشيح نفسه الآن. فإذا ما تلكأ مرة أخرى، سيبدأ في الظهور بمظهر الجبان، وليس على نحو منسجم على الإطلاق مع صورة ترامب المميزة. إنه بحاجة ماسة إلى استعادة الزخم الذي فقده أخيراً، وإعادة تشديد قبضته على حركة MAGA (اجعل أميركا عظيمة من جديد) الشعبية، بالتالي تخويف أي منافسين محتملين، وخصوصاً دي سانتيس. لا يستطيع ترمب أن يتحمل المزيد من التخلف عن الركب في طموحه.
إنه يبدو جاداً أيضاً، فقد كفّ بشكل ملحوظ عن ترديد الادعاء المدمر والذي يؤدي إلى نتائج عكسية بأن انتخابات 2020 تم تزويرها. (نحن نعلم الآن، بسبب التحقيق الذي أجراه الكونغرس، أن ترمب لم يصدق ذلك الإدعاء في المقام الأول واستغله فقط كطريقة يائسة لسرقة الانتخابات).
ومن الواضح أن ترمب كان منزعجاً من إمكانات حاكم فلوريدا [وقدرته على منافسته] حتى قبل الانتخابات لأنه بدأ في إطلاق ألقاب عليه مثل "رون دي سانكتيمونيوس" [رون المنافق] (وهذا ليس أحد أفضل ألقابه). وبعد الانتكاسات الانتخابية [الأخيرة]، شنّ ترمب هجوماً مشوشاً وعبثياً على دي سانتيس معتبراً إياه "حاكماً جمهورياً ذو إمكانات متواضعة، لكنه يتمتع بمهارات عظيمة في العلاقات عامة".
بالنسبة إلى ترمب، الأمر يشبه إعادة عام 2016 مرة أخرى، أو على الأقل، هو يودّ أن يكون الأمر كذلك. [فهو قال] "هذا [يبدو] تماماً مثل عامي 2015 و 2016، [حينما تعرضتُ إلى] هجوم وسائل الإعلام (تواطؤ!)، عندما حاربتني قناة فوكس نيوز إلى النهاية حتى فزت، وبعد ذلك لم يكن من الممكن أن تكون أكثر لطفاً أو دعماً... لقد أحبتْ صحيفة وول ستريت جورنال جيب بوش الخامل المتعب، وسلسلة من الأشخاص الآخرين فيما كانوا يغيبون بسرعة عن الأنظار، وأخيراً وقفت [وول ستريت جورنال] إلى جانبي بعد أن هزمتهم بسهولة، واحداً تلو الآخر".
قد يفعل ترمب كل هذا مرة أخرى، ولكن ليس بهذه السهولة، فوسائل إعلام روبرت ميردوخ، بما في ذلك قناة "فوكس نيوز" المختلة، أكثر عدائية تجاهه من ذي قبل. وإذا فاز ترمب بالترشيح، فسوف يُلحق بالجمهوريين هزيمة تاريخية، في انتخابات رئاسية يجب أن يكونوا هم المنتصرين فيها. وإذا لم يفز بالترشيح، فسيبذل هو وقاعدته قصارى جهدهم من أجل منع دي سانتيس أو أي شخص آخر من الفوز في الانتخابات.
فترمب ليس معروفاً بشهامته عند الهزيمة. وفي كلتا الحالتين، سيفوز الديمقراطيون.
لقد سئمت أميركا بشكل عام من ترمب والترمبية. وتماماً كما رفضت يوماً في نهاية المطاف جنون العظمة لدى المكارثية [نسبة إلى السيناتور الأميركي جوزيف مكارثي الذي قاد حملة ضد ما أسماه الشيوعيين في الحكومة الأميركية بين عامي 1950 و 1954] من أجل حياة أكثر هدوءاً، فقد أظهرت قدراً من الإرهاق تجاه تمرد ترمب واعتداءات هذا التمرد المستمرة على الدستور والحقوق المدنية، ولا سيما تلك المتعلقة بالنساء.
وبالنسبة إلى الكثيرين، يجب أن ينتهي كابوس ترمب [الملقب بالبرتقالي] ويتم تجاهله تماماً. إن أفضل شيء يمكن أن يُقال عن ترشح ترمب في عام 2024، و[تعرضه لـ] هزيمة ثانية على التوالي، هو أنه قد يؤدي أخيراً إلى تطهير الحزب الجمهوري والجسد السياسي الأميركي من فيروس القومية الشعبوية العنيفة، الذي يجعل البلاد أكثر ضعفاً بكثير في مواجهة التهديدات والتحديات الحقيقية، في الداخل والخارج.
إذا أتيحت الفرصة، سينتهي الأمر بترمب إلى تدمير حركة MAGA الخاصة به. [وسيدمرها] إلى حد بعيد.
© The Independent