نبه ناشطون في المملكة المتحدة إلى أن مئات الآلاف من مرضى "الخرف" dementia يواجهون خطر عدم تلقي العلاج الذي "من شأنه أن يغير حياتهم"، وذلك نتيجة تراجع معدلات التشخيص بالداء خلال جائحة "كوفيد".
ووفق تحليل أجرته "اندبندنت"، فقد أخفقت كل منطقة من مناطق إنجلترا في تحقيق هدف معدل التشخيص على المستوى الوطني، البالغ 66.7 في المئة، خلال العامين الأخيرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أن احتساب المعدلات يجرى من خلال مقارنة التشخيصات المسجلة مع الانتشار المقدر للمرض. وتبين في هذا الإطار أنه اعتباراً من شهر سبتمبر (أيلول) 2022، تم تشخيص 437236 فرداً ممن بلغت أعمارهم 65 سنة أو أكثر، على أنهم مصابون بالخرف في إنجلترا. وتقدر هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS أن هناك قرابة 703 آلاف شخص في إنجلترا يعيشون مع المرض، ما يعني أن قرابة 266 ألف شخص لم يتم تشخيصهم بعد.
وتكشف معدلات التشخيص عن تفاوت واختلافات في الرعاية الصحية للمرضى بين المناطق الجغرافية. ففي الوقت الذي تراجع فيه الأداء في مختلف أنحاء البلاد منذ عام 2019 – 2020، أثبت أداء جنوب غربي إنجلترا على أنه الأسوأ على المستوى الوطني، علماً بأن اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية لا تنشر بشكل روتيني بيانات مماثلة لتلك التي تصدرها إنجلترا.
وكان متوسط معدل التشخيص في جنوب غربي إنجلترا في حدود 57.3 في المئة خلال الـ12 شهراً الممتدة من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى سبتمبر 2022 - وهو الشهر الأخير الذي توافرت فيه أرقام "أن أتش أس" عندما توقفت "هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا" NHS England موقتاً عن نشر بيانات شهرية حتى شهر يناير (كانون الثاني) من السنة 2023. وعزا مسؤولون في الهيئة السبب إلى تغييرات في الطريقة التي يتم من خلالها جمع البيانات.
أما المنطقتان الأفضل أداء - وهما شمال غربي إنجلترا ولندن - فسجلتا متوسطين مقدارهما 66.2 و66.5 في المئة على التوالي، في عام 2021 - 2022، لكنهما ما زالتا متخلفتين عن الهدف الذي كان قد حدده رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون قبل نحو 10 أعوام.
وسبق أن شهدت معدلات التشخيص تراجعاً في مختلف أنحاء إنجلترا في العام الذي سبق تفشي وباء "كوفيد"، وواصلت انخفاضها السنوي منذ ذلك الحين. وكانت آخر مرة يتم فيها تحقيق فيه الهدف الوطني في عام 2019 - 2020، عندما وصلت لندن ومنطقتا الشمال الغربي والشمال الشرقي فقط، إلى مستوى أعلى من 66.7 في المئة.
وما زال السبب في هذا التفاوت بين المناطق غير واضح، ولم يتمكن المسؤولون في هيئة "أن أتش أس" في جنوب غربي إنجلترا من تفسير التراجع في معدلات التشخيص في منطقتهم.
أما على الصعيد الوطني، فيرى ناشطون ومسؤولون في المرافق الصحية أن آثار جائحة "كوفيد" انعكست بشدة على معدلات التشخيص.
ويخضع الأفراد الذين يشتبه بإصابتهم بالخرف لاختبارات إدراكية ومعرفية، عادة من خلال طبيب عام، وذلك للتحقق من قدراتهم العقلية. وغالباً ما تكون الخطوة الأخيرة في عملية التشخيص هي فحص الدماغ، بمجرد أن تستبعد التقييمات الأبسط - كاختبارات الدم - وجود مشكلات أخرى.
لكن الكثير من الأشخاص امتنعوا عن زيارة عيادات الأطباء العامين خلال فترة ذروة تفشي الجائحة، خوفاً من إصابتهم بفيروس "كورونا"، ولم تتحسن هذه المعدلات بعد على رغم انتهاء القيود في مطلع عام 2022.
وتسببت عمليات الإغلاق في البلاد في تراكم كبير في مواعيد الأطباء العامين والإحالات إلى خدمات التشخيص. وتبين أرقام هيئة "أن أتش أس" التي نشرت في أكتوبر أن نحو 184 ألف مريض في إنجلترا، ينتظرون منذ ثلاثة أشهر أو أكثر إجراء اختبارات لهم.
على رغم إنفاق مبلغ 17 مليون جنيه استرليني (20.4 مليون دولار أميركي) إضافي لمصلحة المجموعات المكلفة تقديم الدعم السريري في شهر يونيو (حزيران) من عام 2021 لتحسين عمليات التشخيص بالخرف، فإن متوسط التشخيص في إنجلترا في سبتمبر من عام 2022، كان في حدود 62.2 في المئة، أي ما دون الهدف الموضوع. وفيما حقق هذا المتوسط ارتفاعاً طفيفاً عن عتبة 62 في المئة في سبتمبر الماضي، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من نسبة 68.8 في المئة التي تم تسجيلها في الشهر نفسه من عام 2019، قبل الوباء.
سوزان ميتشل، رئيسة قسم السياسات في مؤسسة "أبحاث ألزهايمر في المملكة المتحدة" Alzheimer's Research UK (جمعية خيرية تعنى بالبحث عن أسباب داء الخرف وتحسين تشخيصه والمساعدة في الوقاية منه وعلاج المصابين به)، ترى أن "من الواضح أن الوضع لم يتحسن" في الأشهر الأخيرة، على رغم ضخ أموال لخدمات التشخيص في الخطوط الأمامية.
وقالت إنه في حين أن الحصول على تشخيص لداء الخرف كان "أصعب بكثير" خلال فترة الجائحة، إلا أنه كان هناك "نقص مسبق في طاقم العاملين" ضمن النظام، حتى قبل أن ينتشر الفيروس.
وأشارت ميتشل إلى أنه "يتعين على الحكومة أن تجدد تركيزها على تحسين طريقة تشخيص الأفراد الذين يعانون أعراض داء الخرف على وجه السرعة، إذ إنه يمكن أن تصل المدة بين الإحالة والتشخيص إلى سنتين من الانتظار. ويمكن خلال هذه الفترة أن تتفاقم الأمراض الكامنة التي تسبب الخرف بشكل كبير، وهذا أمر غير مقبول".
وأوضحت أنه "في الوقت الذي تلوح فيه في الأفق علاجات جديدة لمرض الخرف، فإن تشخيص الناس بسرعة وبدقة لم يكن يوماً أكثر أهمية وإلحاحاً من أي وقت مضى. وقد يؤدي الفشل في تحسين معدلات التشخيص إلى عدم تمكن عدد من الأشخاص من الحصول على الأدوية التي من المحتمل أن تغير حياتهم عند توافرها".
ترينا أرمسترونغ، سيدة في الـ76 من عمرها، من شمال لندن، اضطرت إلى الانتظار أربعة أعوام كي تخضع لتشخيص دقيق لشكل نادر من داء ألزهايمر. وقد لاحظت لأول مرة أن هناك أمراً ما غير سليم يحصل معها في عام 2006، عندما بدأت تواجه مشكلات في التعرف إلى الوجوه وقراءة أرقام الهواتف.
بعد إجراء فحص لها بالأشعة المقطعية في عام 2009، قيل لها إنها ربما أصيبت بسكتة في الدماغ، الأمر الذي شكل مفاجأة لها ولزوجها غرايم. وقد أكد الزوجان أنهما لم يواجها أياً من أعراض السكتة الدماغية المزعومة.
في شهر سبتمبر من عام 2012، أحيلت السيدة أرمسترونغ إلى عيادة متخصصة لفقدان البصر بعد إصابتها بسكتة دماغية أو بإصابة في الدماغ، حيث قال الطبيب إنها قد تكون مصابة بمرض تنكسي [مرض تتغير فيه وظيفة أو بنية الأنسجة أو الأعضاء المصابة إلى الأسوأ بمرور الوقت].
وجرى تشخيصها أخيراً بأنها مصابة بـ"ضمور قشري خلفي" Posterior Cortical Atrophy (متلازمة تنكسية تصيب الدماغ والجهاز العصبي، وتتسبب في صعوبة في الرؤية والقراءة وتقدير المسافات والتعرف إلى الوجوه المألوفة)، وهو شكل نادر من مرض ألزهايمر يصيب الجزء الخلفي من الدماغ.
ويرى زوج ترينا أنه من الأهمية بمكان أن يتم توظيف مزيد من الأموال والأبحاث في خدمات التشخيص. وقال "لو تلقت ترينا تشخيصاً دقيقاً قبل أربعة أعوام، لكان من الممكن أن تعطى الدواء الصحيح، الذي لربما كان أكثر فاعلية، ولربما ساعدها يوماً بعد آخر على التحسن. وكنا سنتمكن أيضاً من الحصول على الدعم لحالتها في وقت أبكر".
وأضاف، "أقارن ذلك بإصابتي بسرطان البروستات في مراحله المبكرة، الذي تم تشخيصه لدي وعلاجه والشفاء منه بشكل فاعل في غضون أربعة أشهر. من هنا، إننا نحتاج إلى مزيد من الأبحاث في مجال التشخيص. فإذا تمكنا من تحقيق هذه النتيجة في علاج السرطان، يمكننا القيام بذلك بالنسبة إلى أمراض الدماغ التي تسبب الخرف".
تجدر الإشارة إلى أن مرض الخرف الذي يصيب قرابة 850 ألف شخص في المملكة المتحدة، هو متلازمة مرتبطة بالتدهور المستمر في وظائف الدماغ. وتوجد في الواقع أسباب عدة مختلفة للمرض، وهناك أنواع مختلفة منه بما فيها داء ألزهايمر.
وكانت دراسة نشرت في سبتمبر الماضي، قد توصلت إلى أن أحد الأدوية يبطئ من التدهور المعرفي لدى المرضى الذين يكونون في مراحل مبكرة من مرض ألزهايمر. واعتبر هذا التطور تقدماً كبيراً، ولقي ترحيباً لجهة علاج هذا الداء.
وكان ديفيد كاميرون قد أطلق تحدي مواجهة داء الخرف في عام 2012 عندما كان رئيساً للوزراء، ووضعت حكومته هدفاً لتحقيق متوسط معدل تشخيص بالداء في البلاد بنسبة 66.7 في المئة بحلول عام 2020. وقد التزمت الحكومات البريطانية المتعاقبة محاولة الوصول إلى هذا الهدف الذي وصفته "مؤسسة أبحاث ألزهايمر في المملكة المتحدة" بأنه "متواضع".
في شهر أغسطس (آب) الماضي، أطلق رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون "مهمة وطنية" جديدة تقضي بمعالجة الأفراد من الخرف، وذلك تخليداً لذكرى الممثلة الإنجليزية الراحلة باربرا ويندسور نجمة أفلام "كاري أون" Carry On ومسلسل "إيست أندرز" EastEnders (التي منحت لقب "ديم" Dame). وقال جونسون إن حكومته ستلتزم تقديم مبلغ 95 مليون جنيه استرليني إضافي لتمويل الأبحاث في هذا المجال، للوفاء بالتزام مضاعفة تمويل أبحاث مرض ألزهايمر كي تصل إلى 160 مليون جنيه استرليني بحلول عام 2024.
جيمس وايت، رئيس الشؤون العامة والحملات في "جمعية ألزهايمر" Alzheimer's Society (مؤسسة خيرية تعنى بالبحث وبرعاية الأشخاص المصابين بالخرف ومقدمي الرعاية لهم)، قال إنه لمن "المثير للقلق" أن نرى أنه ما زال هناك "تباين جذري" في معدلات التشخيص في جميع أنحاء إنجلترا. وأضاف، "في الوقت الذي كانت فيه لجائحة "كوفيد-19" انعكاسات سلبية لجهة خفض معدلات التشخيص بالخرف، فإنه يجب العودة في الحد الأدنى إلى مستويات ما قبل فترة الوباء".
ورأى وايت أنه يجب على الحكومة أن تبذل المزيد من الجهد لإزالة "التفاوت الراهن في الرعاية الصحية بين المناطق، الذي عانى منه كثيرون عندما سعوا إلى التشخيص بداء الخرف، بما يكفل وصولاً عادلاً للجميع إلى هذا الحق، بغض النظر عن المنطقة التي يعيشون فيها".
واعتبر أنه "كلما أسرع المصابون بالخرف إلى الحصول على تشخيص دقيق، تمكنوا من الوصول إلى الدعم الذي يحتاجون إليه في وقت أسرع. وقد وعدت الحكومة بخطة تمتد على 10 سنوات لمعالجة داء الخرف في شهر مايو (أيار)، لكننا منذ ذلك الوقت تلقينا 22 رداً منها بأن الخطة هي قيد البحث وبأنه "سيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب"".
وأشار المسؤول في "جمعية ألزهايمر" إلى أن "يتعين على الحكومة أن تغتنم الفرصة والأمل الجديدين اللذين أرستهما تطورات بحثية، وذلك من خلال تقديم خطة عاجلة ووضع حلول ملموسة لمشكلات عمليات التشخيص بالداء لدينا".
متحدث باسم "أن أتش أس أنغلاند" أقر بتأثير الوباء في الصحة العقلية للأفراد. وقال إن "بعض الكبار في السن ربما لم يطلبوا المساعدة لدى مواجهتهم أعراض الخرف، على رغم أن الإحالات إلى عيادات معالجة الذاكرة قد ارتفعت".
وأكد أن "مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" تعمل على تحسين الدعم للأشخاص المصابين بداء الخرف وأسرهم ومقدمي الرعاية لهم، من خلال تأمين حزم رعاية شخصية أكثر، تشمل التشخيص المبكر الذي يعد مهماً للغاية. وإذا كان أحد يعتقد أنه هو أو أحد أفراد أسرته لديه أعراض غير سليمة، فيرجى التقدم بأسرع وقت للمعاينة".
يشار إلى أن "هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا" كلفت "شبكة بيانات داء الخرف" Dementia Intelligence Network، التي تشكل جزءاً من "مكتب تحسين الرعاية الصحية والتفاوتات" Office for Health Improvement and Disparities (وحدة تابعة لوزارة الصحة البريطانية تقود الجهود الوطنية لتحسين سياسة الصحة العامة في إنجلترا) التحقيق في التفاوت الأساسي في معدلات التشخيص بداء الخرف في المناطق المستهدفة في مختلف أنحاء إنجلترا.
متحدث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية أشار إلى أنه "أثناء فترة الجائحة، حصل تعليق موقت لخدمات تقييم الذاكرة، الأمر الذي أدى إلى تراجع معدلات التشخيص (بداء الخرف). إلا أن هذه الخدمات قد عادت، وتقدم نهجاً أكثر تخصيصاً بالحالة المتفردة لكل مريض، إلى جانب توفير مواعيد عبر الهاتف، وإجراء معاينات من خلال التواصل عبر الفيديو ومواعيد وجهاً لوجه".
وخلص إلى القول: "خصصنا 17 مليون جنيه استرليني للمجموعات المكلفة تقديم الدعم السريري العام الماضي، وذلك لمعالجة قوائم الانتظار وزيادة عدد التشخيصات بالخرف، إضافة إلى تقديم الدعم للمرضى قبل التشخيص وبعده. ونحن نراجع خططنا لمواجهة داء الخرف في إنجلترا، وسيتم توفير المزيد من المعلومات في الوقت المناسب".
© The Independent