عاد النقاش في الجزائر حول العلاقة بين النضال النقابي والعمل السياسي على خلفية إحالة الحكومة مشروع قانون يمنع الجمع بين النشاطين على البرلمان من أجل دراسته، ومن المتوقع أن تعرف مناقشة النصوص القانونية من طرف نواب الشعب خلال الأيام المقبلة "سخونة" غير اعتيادية لا سيما أن الحكومة هددت بحل النقابات التي تمارس أي شكل من النشاطات السياسية.
تحريك الرمال
ويبدو أن الحكومة الجزائرية حركت الرمال من تحت النقابات التي يظهر أنها التزمت التهدئة، إما خوفاً أو استجابة، بعد أن كانت تصنع الحدث في السنوات السابقة من خلال الإضرابات المتكررة وقائمة المطالب المرفوعة التي لا تنتهي، لدرجة أنها باتت أحد اللاعبين الفاعلين في المشهد العام، وهي الحال التي توحي كل المعطيات بأن السلطة الحالية ترفض تكرارها وتفضل حشر كل جسم في الزاوية التي يستحقها.
وتأتي تصريحات وزير العمل والضمان الاجتماعي والتشغيل يوسف شرفة لتؤكد نوايا الحكومة في ترتيب البيت النقابي، وقال إن مشروع قانون الحق النقابي ضبط معايير جديدة لممارسة هذا الحق الدستوري، منها منع الجمع بين النشاط النقابي والنشاط السياسي وتقلد مسؤولية قانونية أو وظيفة سلطوية لدى الهيئة المستخدمة، ومنع تعدد الانخراطات في المنظمات النقابية "حتى يتفرغ النقابيون للدفاع عن مصالح العمال بعيداً عن كل التجاذبات والمصالح"، مع وضع منصة إلكترونية للتسجيل القانوني للمنخرطين وغربلة الانخراطات المتعددة.
التجارب السابقة في الأذهان
أضاف الوزير شرفة لدى عرضه مشروع القانون الخاص بممارسة الحق النقابي على لجنة الصحة والعمل والتشغيل بالبرلمان، في ما يتعلق بالفصل بين العمل النقابي والنشاط السياسي، أنه بناء على التجارب السابقة ظهر أن النقابيين الذين ينتمون إلى أحزاب، يتخلون عن الهدف الأساس لمهمتهم في الدفاع عن حقوق العمال ويركزون على العمل السياسي، ولأجل ذلك، منع مشروع القانون الجديد كل علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين العمل النقابي والسياسي، إضافة إلى حظر ازدواجية المنصب من خلال ممارسة عهدة نقابية بصفة مسؤولية قانونية أو وظيفة سلطوية لدى الهيئة المستخدمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتندرج الخطوة في إطار تحديد مقومات المرحلة الجديدة التي يجب أن تنخرط فيها الجزائر، اقتصادياً واجتماعياً، بما يتطلب بلورة نموذج تنموي يعكس الحرص على تحقيق العدالة والاستقرار الاجتماعي والحفاظ على الحريات والحقوق الأساسية في العمل، وفق الوزير شرفة، الذي أبرز أن النص يكرس الحق الأساس في الممارسة النقابية باعتباره ركيزة من ركائز الديمقراطية بعيداً عن كل التجاذبات السياسية، وأوضح أن النص الحالي يتكيف والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ومعاهدة منظمة العمل الدولية التي صادقت عليها الجزائر لا سيما الاتفاقية 87 المتعلقة بالحريات النقابية وحماية الحق النقابي، وكذلك الاتفاقية الدولية للعمل الخاصة بحق التنظيم والمفاوضات الجماعية، كما يؤكد النص احترام رموز الوحدة والقيم والثوابت، وبخاصة الحريات الفردية والجماعية في العمل وعدم التمييز النقابي.
بين تقييد الحريات وأخلقة العمل النقابي
وتعليقاً على قانون الفصل بين العمل النقابي والنشاط السياسي، قال المحامي والباحث القانوني محمد آدم مقراني، إنه تم تبرير الأمر بالمحافظة على استقلالية النقابات حتى لا تحيد عن وظيفتها في الدفاع عن حقوق العمال، وتجنب الخلط الهيكلي بين التوجهين اللذين تميزت بهما بعض النقابات لتدافع عن السلطة في أوقات سابقة وتفقد مصداقيتها لصالح أجسام أخرى، وتثار على إثره شبهات عدة حول مدى تورط نقابيين ونقابات في دعم توجهات سياسية لقاء تبادل مصالح، موضحاً أن الحكومة تسعى لضبط العمل النقابي بمختلف جوانبه، وقد حددت عقوبات لكل من يخالف هذه القواعد، "لكن يجب ألا ينقلب ذلك لتقييد حرية العمل النقابي من خلال التدخل في نشاطها وتشديد المراقبة عليها بتعلّة شبهات العمل السياسي"، وختم أن العمل النقابي يكتسي عمقاً سياسياً بعيداً عن أي اختلاط هيكلي، وهو ما يجب التنبيه إليه كي تظل الحرية مضمونة وفق ما تم ضبطه في الصكوك الدولية واتفاقيات منظمة العمل الدولي التي صادقت عليها الدولة الجزائرية إضافة للدستور.
من جانبه، رأى الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية إسلام رخيلة أن هذه المواد والنصوص التي تم تعديلها سواء في قوانين العمل أو الانتخابات أو العقوبات تأتي في إطار أخلقة العمل السياسي والحياة العامة، وقال إنه بالرجوع إلى خلفيات هذه التعديلات "نجد أن ما عرفته الجزائر قبل رئاسيات 2019 مع التدخل السافر لنقابات أرباب العمل ونقابة العمال في القرارات السياسية، بينها الضغط على الحكومات، التي وصلت وقت سابق إلى حد إقالة الوزير الأول في أغسطس (آب) 2017" كفيل بتنظيم الأمور.
نصوص المشروع
وتذكر وثائق مشروع القانون أن المنظمات النقابية مستقلة في تسييرها ومتميزة في هدفها وتسميتها عن أي حزب سياسي، وممنوع عليها الارتباط هيكلياً ووظيفياً بأحزاب سياسية، ولا يمكنها الحصول على دعم بوسائل مالية أو امتيازات أخرى من هذه الأحزاب، وتضيف أنه لا يجوز للنقابيين الجمع بين العمل النقابي وممارسة مسؤولية قانونية أساسية أو عهدة في الهيئات القيادية لحزب سياسي، مشددة على أن الأعضاء المؤسسين والقياديين في المنظمات النقابية مطالبون بالالتزام بالحياد والامتناع عن التصريح بمساندتهم لأحزاب سياسية أو لأي شخصية سياسية، كما يلزم القانون كل منظمة نقابية الإعداد والمصادقة على ميثاق أخلاقيات يتعلق بالنشاط الممارس من قبل منخرطيها الذين لا يمكنهم مخالفته، مع وجوب تضمن القوانين الأساسية والأنظمة الداخلية للمنظمات النقابية أحكاماً تنص على الفصل بين النشاط النقابي والنشاط السياسي، والاستقلال عن أي حزب سياسي أو جمعية أو أي مجموعة ضغط.