قد لا يعرف كثيرون من اللبنانيين عن البروفيسور #جيمس_كوفيني الذي أزعج #الحكومة_البريطانية عام 1989 دفاعاً عن #الشعب_اللبناني، وحثها على الوقوف بجانب لبنان خلال فترة #الحرب_الأهلية (1975-1990).
وكوفيني هو بريطاني الجنسية تعاطف مع الشعب اللبناني في فترة دموية ومظلمة من تاريخ لبنان القريب، حيث شهدت البلاد حرباً أهلية متعددة الأوجه، أسفرت عن تدمير البنى التحتية في بلاد كانت مستقرة ومزدهرة، ناهيك بمقتل عشرات الآلاف من اللبنانيين وتشريد ما يقرب من مليون شخص.
ولد جيمس كوفيني (James B. Coveney) عام 1920 بمدينة باث البريطانية الواقعة على بعد 97 ميلاً غرب لندن و11 ميلاً جنوب شرقي بريستول، المدينة التي اشتهرت بحماماتها الرومانية واكتسبت اسمها منها. وعمل البروفيسور أستاذاً للغات الحديثة في جامعة باث البريطانية وله مؤلفات عدة.
عائلته في لبنان
تشير الوثائق البريطانية المفرج عنها حديثاً إلى جهود البروفيسور كوفيني المتواصلة في حث الحكومة البريطانية عام 1989 على اتخاذ موقف حازم لوقف الحرب في لبنان وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، إذ كان يرسل الرسائل والمناشدات العاجلة إلى المسؤولين ومندوبي البرلمان البريطاني باستمرار، الأمر الذي جعل أصحاب القرار في لندن يشعرون بالانزعاج نتيجة إلحاحه المستمر، عازين ذلك إلى تعاطفه مع زوجة ابنه اللبنانية وأسرتها التي كانت تعيش في لبنان في تلك الفترة.
وجاء في إحدى وثائق الأرشيف الوطني البريطاني بمدينة لندن ما نصه "دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا -16 أغسطس (آب) 1989- عزيزي ويليام، قام البروفيسور جيمس كوفيني بالتواصل معك في وقت سابق من هذا العام في شأن الوضع في لبنان. أرفق طيه خطاباً آخر أرسله إلى وزير الخارجية وسأكون ممتناً لأي تعليقات يمكنك الإدلاء بها. البروفيسور قلق بشكل خاص في شأن الوضع في بيروت لأن زوجة ابنه لبنانية مارونية وأهلها هناك".
وكانت رسالة كوفيني الموجهة إلى وزير الخارجية، جون ميجور، تعليقاً على مقابلة الأخير مع "بي بي سي" التي تحدث خلالها عن قضايا عدة من دون التطرق إلى الوضع المأسوي في لبنان، والخطوات المتوقع اتخاذها من قبل الخارجية في دعم الشعب اللبناني، ناقدة ومستفزة نوعاً ما.
وقال فيها "لقد انزعجت من المقابلة (العالم هذا المساء) التي بثتها (بي بي سي) اليوم، والتي لم تشر فيها إلى موقف الحكومة من الجانب الإنساني لما يجري في بيروت". وكان جون ميجور يشغل منصب وزارة الخارجية قبل أن يصبح رئيساً للوزراء سنة 1990 حيث استمر حتى سنة 1997.
ويستفز البروفيسور كوفيني وزير الخارجية حين يشير إلى تقرير نشرته صحيفة "تايمز" يتحدث فيه عن خيبة أمل فرنسية لعدم تحرك الدول الغربية بما فيها بريطانيا لاتخاذ موقف موحد وعملي لدعم لبنان، بقوله "إن كاي دورسيه (الخارجية الفرنسية) تشعر بالخجل من رفض شركاء فرنسا في المجموعة الاقتصادية الأوروبية توحيد موقفهم وحشد قواهم في مهمة إنسانية عاجلة إلى لبنان".
ويحمل كوفيني بريطانيا وفرنسا مسؤولية ما حدث في لبنان في تلك الفترة، قائلاً "يتحمل البريطانيون والفرنسيون مسؤولية كبيرة عن الاضطرابات ليس فقط في لبنان والضفة الغربية وغزة، بل في الشرق الأوسط كله، ويجب على حكومة المملكة المتحدة الانضمام إلى الحكومة الفرنسية في تقديم المساعدة الفورية للأشخاص الذين يعانون في بيروت. إن انتظار التفاوض حول وقف إطلاق النار قبل تقديم المساعدة سيكون متأخراً بالنسبة إلى كثيرين من سكان المدينة".
وتشير وثيقة أخرى إلى رد وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في بريطانيا على رسالة البروفيسور كوفيني بعد نحو أسبوع من إرسالها، كما تؤكد هذه الوثيقة تسلمها رسائل مماثلة من البروفيسور نفسه في مايو (أيار) 1989.
وتقول في نصها "من وزير الدولة -24 أغسطس 1989- نشكرك على رسالتك المؤرخة 16 أغسطس والتي تضمنت نسخة من رسالة موجهة إلى وزير الخارجية من البروفيسور جيمس كوفيني حول لبنان. لقد طلب مني الرد، كما تعلمون من رسالتي المؤرخة 16 مايو التي علقت فيها على رسالة البروفيسور كوفيني السابقة، ما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء التطورات في لبنان ونعمل مع شركائنا في المفوضية الأوروبية وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتحسين الوضع. هدفنا الرئيس هو إقناع لجنة الدول الثلاث التابعة لجامعة الدول العربية (السعودية والمغرب والجزائر) باستئناف عملها. نعتقد أنهم الأقدر على التأثير في السوريين والأطراف العربية الأخرى للموافقة على وقف إطلاق النار والإصلاح السياسي في لبنان".
وجاء في الوثيقة نفسها "يؤكد البروفيسور كوفيني وهو محق ضرورة تقديم مساعدة فورية لسكان بيروت الذين يعانون، كما سترون من بيان الإثني عشر، فقد تم الاتفاق على إرسال فريق إلى لبنان لتقييم الحاجات الإنسانية. نتوقع منهم أن يقدموا تقريراً الأسبوع المقبل، كما اتفقنا في وقت سابق من هذا الشهر على زيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تقدمها المفوضية الأوروبية للبنان بما يعادل 330 ألف جنيه استرليني".
وأضاف الرد "صحيح أن جون ميجور، كما يقول البروفيسور كوفيني، لم يتطرق إلى الجانب الإنساني للمأساة اللبنانية في مقابلته (العالم هذا المساء)، لكن المقابلة كانت قصيرة. أستطيع أن أؤكد لكم أن المعاناة في لبنان هي في أولوياتنا إلى حد كبير".
أصدقاء لبنان
توفي البروفيسور كوفيني عام 1990 أي بعد اتفاق الطائف بعام واحد. تم إقرار وثيقة الوفاق الوطني اللبناني بين الأطراف المتنازعة في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز في نهاية سبتمبر (أيلول) 1989 في مدينة الطائف، وأقرها البرلمان اللبناني بقانون في أكتوبر (تشرين الأول) 1989 منهياً الحرب الأهلية اللبنانية.
لم يكن كوفيني وحده من عمل على الساحة البريطانية من أجل مناصرة الشعب اللبناني مطالباً بضرورة الوقوف معه في محنته الدامية في تلك الفترة، بل كانت هناك شخصيات ومجموعات أخرى ناشطة في هذا المجال، ومنها مجموعة أصدقاء لبنان.
إذ تشير بعض الوثائق البريطانية إلى نشاط هذه المجموعة وضغطها على الحكومة البريطانية في تلك الفترة. جاء في مناشدة عاجلة تحمل اسم "ساعد لبنان" وزعتها مجموعة أصدقاء لبنان في تلك الفترة.
النص: "ساعد لبنان - مرت أربعة عشر عاماً على اندلاع الحرب الوحشية في لبنان، والتي بلغت ذروتها في مارس (آذار) من هذا العام، حين أدى القصف المدفعي المكثف لانتشار الموت والدمار وبث الرعب بين جميع السكان ولم تسلم أهم المرافق الحيوية والبنى التحتية في هذا البلد. وفي ذروة القصف قصفت خزانات الغاز في منطقة مكتظة بالسكان، مما أدى إلى انفجار يعادل انفجار قنبلة نووية. غطت سحابة ضخمة من الغازات السامة كل لبنان وأجواء الدول المجاورة، ولم يظهر تأثيرها الكامل بعد".
وأضافت "لطالما استجابت بريطانيا بكرم وسخاء وتعاطفت مع ضحايا الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، نطلب منك أن تكون مع لبنان في هذه اللحظات الخطيرة. نحن لا نطلب مساعدات مادية أو مالية، نطالبك فقط بدعم مبادرة عاجلة لوقف القصف العشوائي للمدنيين وإنهاء الحرب والمطالبة بانسحاب جميع الجيوش غير اللبنانية ودعم وحدة أراضي لبنان واستقلاله. لبنان عضو مؤسس في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، بلد محب للسلام وغير عدواني، كان ملاذاً آمناً في منطقة الشرق الأوسط المضطربة. نطلب منك المساعدة في إنقاذ لبنان من خلال المصادقة على هذه الرسالة وإرسال نسخة منها إلى مندوب منطقتك وأي شخص مؤثر قد تعرفه. يرجى التحرك الآن، قد تنقذ حياة أحد. أصدقاء لبنان".
انقلاب ميشال عون
وتتضمن وثيقة أخرى موقف الحكومة البريطانية الثابت تجاه وحدة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله، رافضة انقلاب العماد ميشال عون على الشرعية المتمثلة في الرئيس إلياس الهراوي الذي حل محل الرئيس رينيه معوض (1925-1989).
يعتبر معوض أول رئيس للبنان بعد اتفاق الطائف، لكنه اغتيل بعد أيام قليلة من انتخابه في انفجار استهدف موكبه الرئاسي.
ترفض الوثيقة انقلاب عون بقوة، مؤكدة "لن نعترف أبداً بالعماد عون كرئيس دولة بالإنابة، بالتالي لا نوافق على أن لديه سلطة حل البرلمان. يجب أن تكون الأولوية الآن لجميع الأطراف في لبنان لوضع خلافاتهم جانباً والعمل معاً لدعم الرئيس الهراوي للبدء في إعادة بناء بلدهم الممزق".
سنتطرق في الحلقة المقبلة إلى موضوع صراع الشرعية اللبنانية في تلك المرحلة الحرجة، وتداعياتها على بلد مزقته الحرب الأهلية والصراعات المسلحة متنوعة الأطراف.