Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

يمين حزب المحافظين البريطاني يريد إعادة النساء إلى القرن الماضي؟

مع تراجع التمويل لخدمات الأطفال، فات الأوان للتفكير بهذه الفئة من المجتمع

المؤتمر الوطني لـ"المحافظين" في لندن الذي أقيم هذا الأسبوع، سلط الضوء على كبش فداء مألوف: المرأة غير الممتثلة للأعراف ونسلها المحدود (غيتي)

ملخص

عادة ما يلجأ أفراد الحركات السياسية المتطرفة إلى استخدام تكتيك اختلاق الأعداء لزرع الخوف في النفوس وإطلاق وعود بالتجديد... فهل هذا ما يقوم بفعله جناح اليمين في حزب المحافظين البريطاني الحاكم؟

يبدو أن جناح اليمين في حزب "المحافظين" البريطاني بات يتسم بميول جامحة، تجنح به إلى شعارات دولة "جلعاد" (دولة شمولية خيالية في رواية مارغريت أتوود "حكاية الخادمة"، تتسم بحكم صارم يضطهد المرأة ويقمع الحريات). فالحركات السياسية المتطرفة يلجأ أفرادها عادة إلى استخدام تكتيك اختلاق الأعداء لزرع الخوف في النفوس وإطلاق وعود بالتجديد. وخلال المؤتمر الوطني الأخير لـ"المحافظين" الذي انعقد في لندن، استهدفوا على وجه التحديد كبش فداء مألوف: المرأة غير الممتثلة للأعراف ذات النسل المحدود [عدد أطفال أقل].

وبناء عليه، باتت لدينا الآن فكرة واضحة عن المكانة التي ستوضع فيها النساء إذا ما أمسك هؤلاء الأشخاص بزمام الحزب، ولن يكون ذلك أمراً مطمئناً. ففي هذا الإطار أشاد داني كروغر النائب عن دائرة "ديفايزيس" في مقاطعة "ويلتشير" في إنجلترا الذي أثار جدلاً في السابق، بـ"الأسرة النموذجية القائمة على زواج متماسك"، قائلاً إنه "من خلال تمسك الوالدين برباطهما سواء لمصلحة أطفالهما أو لمصلحة أهلهما أو أنفسهما، فهما يساهمان في بناء الأساس الوحيد الممكن لإرساء مجتمع آمن وناجح".

لن أحاول أن أخمن العوامل التي تأثر بها كروغر في مرحلة طفولته، التي حدت به إلى اختلاق هذه الرواية الخيالية الآسرة التي يسعى إلى فرضها على الآخرين، حتى لو تطلب الأمر فرض عقوبات اجتماعية إذا ما لزم الأمر - من يدري ما العواقب التي قد تجلبها لاحقاً؟ (من الجدير بالذكر أن المحافظين الأميركيين أولوا اهتماماً لهذا المؤتمر، لا بل سنوا ببسالة قوانين تقيد بشدة حقوق المرأة وتقضي عليها. والواقع أن إلغاء القرار في قضية "رو ضد وايد"  Roe v Wade  - الذي اتخذته "المحكمة العليا" في الولايات المتحدة الذي يعترف بالحق الدستوري للمرأة في الإجهاض - ليس سوى مثال واحد على ذلك).

كذلك، لن أخوض في تلميحات كروغر المبطنة إلى الأشخاص الذين يكنون عداء للأفراد المثليين. ففي الوقت الراهن، بات الزواج من الجنس نفسه مقبولاً على نطاق واسع وآمن، فيما أن ما يحاول النائب السابق إخبارهم به سيشكل مفاجأة لهم. بدلاً من ذلك، أود تحويل التركيز نحو مناقشة الآثار المترتبة على النساء المحبات للجنس الآخر.

أنا أعرف منطقة "ديفايزيس"، ولا أشك في أن داني كروغر التقى بمئات، إن لم يكن بآلاف من النساء المتزوجات المنتسبات إلى بعض المنظمات المجتمعية التي ترتبط بالقيم التقليدية في المملكة المتحدة، مثل "نادي الزهور"  Flower Club (مجتمع لمحبي الطبيعة والتعرف على أشخاص جدد وتعلم مهارات جديدة كالزخرفة والتزيين) و"معهد المرأة" Women Institute (WI)  (يعنى بتمكين المرأة وجمع التبرعات والمبادرات الاجتماعية) وجوقات الكنائس. جميعهن ينعمن بزيجات مرضية وسعيدة مع شركاء يتمتعون بصفات جذابة مرتبطة بتلك التي يتسم بها الممثل البريطاني ديفيد نيفن. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن دائرة "ديفايزيس" لا تمثل العالم بأسره. وسيكون من غير الحكمة استخلاص سياسات مستوحاة من تجارب مجموعة مميزة من حزب تلك الحديقة الأبدية لدائرته الانتخابية، التي يغلب عليها الأثرياء من ذوي البشرة البيضاء.

مع ذلك، فإن كروغر ليس الشخص الوحيد من بين المنخرطين في المجال السياسي، الذي يتصور مشهداً شاعرياً (للقيم التقليدية العائلية) يذكرنا فيه بممثلين أميركيين هما دوريس داي وروك هادسون (في الأفلام الكلاسيكية)، وهما يقفان خلف سياج اعتصام للبيض، محاطين بأطفال فون تراب (بطل الفيلم الأميركي "صوت الموسيقى"  The Sound of Music). وانتقد جاكوب ريس موغ القانون الجديد لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك المتعلق برعاية الأطفال، واصفاً إياه بأنه "مناهض للأسرة" - وكأن المرأة العاملة هي بمثابة طابور خامس في منزلها - وعلى رغم أنه نادراً ما يتم تسليط الضوء على حقيقة مغفلة، تجدر الإشارة إلى أن لدينا الحكومة الأكثر معارضة لحق الاختيار في التاريخ الحديث (في ما يتعلق بحقوقها في موضوع الإنجاب).

يقدم داني كروغر ملاحظاته بالطبع على خلفية سلسلة من التحديات المجتمعية التي قد تثني النساء عن الرغبة في الزواج وإنجاب أطفال. وتشمل هذه التحديات خدمات رعاية الأطفال باهظة الثمن – تحل بلادنا في المرتبة الثالثة من حيث غلاء هذه الخدمة في العالم – والرواتب الجيدة وأجور السكن المعقولة والخدمات العامة الفاعلة ومساعدات حكومية ودعم كافيين لأولئك الذين يبحثون عن متنفس أو مخرج من الظروف الصعبة التي يواجهونها.

هذه العوامل الحاسمة تآكلت جميعها في ظل نهج حزب "المحافظين". ومن المحتمل أن كروغر هو على دراية بهذا الاتجاه: فخطابه حمل نبرة ضمنية تنطوي على الإشارة إلى أهمية التضحية، عندما ذكر أن "الزواج لا يخص الفرد وحده الذي يدخل إليه"، مشيراً إلى أنه "ليس مجرد اتفاق خاص، إنما هو التزام عام يتعهد به المرء بالعيش من أجل رفاه شخص آخر، وذلك لمصلحته ولمصلحة أطفاله والمجتمع ككل".

لكن إذا ما نظرنا إلى الانخفاض الكبير في التمويل الحكومي لخدمات الأطفال - بما في ذلك قطع دعم التدخل المبكر للأطفال خلال العقد الماضي من الزمن بنسبة 50 في المئة - لا يسعنا إلا التساؤل عما إذا كان الأوان فات على البدء في التفكير في رفاهية الأطفال. لعل من المهم أن يدرك كروغر حقيقة أن النساء في الغالب هن من يبادرن إلى طلب الطلاق، وليس الرجال.

يجب عليه أن يدرك في المقابل، أن امرأتين في الأسبوع تقتلان على يد الشريك، وأن طفلاً من بين كل خمسة أطفال يعيش في منزل يطغى عليه العنف، وأن ما يقرب من مليوني امرأة يتعرضن للعنف الأسري كل سنة: فما قد يبدو شبكة أمان بالنسبة إلى بعض، يمكن أن يكون بمثابة عقوبة إعدام بالنسبة إلى آخرين.

ولعله يدرك حتى أن نشأة الأطفال في كنف زواج غير سعيد يمكن أن تكون منطلقاً لبداية هي الأكثر تحدياً وسوءاً في الحياة. أعتقد أنه ربما يخشى من بعض العواقب المحتملة كالإدمان. ومع ذلك، أتساءل عما إذا كان على دراية بمفهوم الإدمان على العداء أو الكراهية، لأن الأطفال من زيجات خالية من الحب غالباً ما يكونون عرضة لتطوير مثل هذه الأنماط المدمرة.

تلك السردية ما هي إلا مجرد أداء استعراضي. إنه لأمر مثير للاشمئزاز حقاً أن نرى عضواً في البرلمان عن حزب "المحافظين" يعمد إلى إلقاء اللوم على نساء مجهولات بسبب إخفاقات إدارته. وأظهرت أحداث سابقة في الولايات المتحدة أن تبعات تلك الإجراءات أسفرت بالفعل عن نتائج مأسوية. وإذا لم نتخذ تدابير لمنع تكرار ذلك، فإننا نواجه المصير نفسه هنا.

© The Independent

المزيد من تحلیل