Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موازنة تونس لعام 2024 ترفع شعار التقشف وضغط الإنفاق

الحكومة تعتزم التقليص من عدد الموظفين لتخفيف كتلة الأجور المتضخمة

ينطوي إعداد حكومة نجلاء بودن لموازنة تونس للعام المقبل على جملة من التحديات (أ ف ب)

ملخص

المؤكد أن موازنة تونس لعام 2024 وأمام ضغوط مالية منتظرة سيكون شعارها التقشف وضغط المصاريف والمرور إلى سن إجراءات قوية لتسريح الموظفين

شرعت تونس في الإعداد مبكراً لموازنة عام 2024 في ظل ظرف اقتصادي ومالي حرج ودقيق يستوجب الحفاظ على التوازنات المالية للبلاد ووسط "حصار مالي" حرمها من النفاذ إلى مختلف الأسواق المالية بسبب التعثر المتواصل لبلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

يمثل اتفاق تونس مع صندوق النقد الدولي وفق المتخصصين طوق نجاة لها للسماح لها بالحصول على التمويلات المالية لتمويل الموازنة في ظل قرب استنفاد حلول اللجوء إلى السوق المالية المحلية وما سينجم عنه من ضغوط مالية للمصارف التونسية والتخوف من بروز أزمة سيولة كبيرة في البلاد.

وينطوي إعداد حكومة نجلاء بودن لموازنة تونس للعام المقبل على جملة من التحديات المستوجب رفعها على رغم الإكراهات السياسية والاجتماعية التي ستواجهها، بخاصة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل.

الأمر الثابت والمؤكد أن موازنة تونس لعام 2024 وأمام ضغوط مالية منتظرة سيكون شعارها التقشف وضغط المصاريف والمرور إلى سن إجراءات قوية لتسريح الموظفين لتخفيف كتلة الأجور، المتسبب الرئيس في اختلال التوازنات.

تقدر موازنة تونس للعام الحالي بمبلغ 56.7 مليار دينار (18 مليار دولار) وسط توقعات بتحقيق نسبة نمو 1.8 في المئة.

برامج جديدة لتقليص الموظفين

كشف منشور صادر عن بودن موجه إلى أعضاء الحكومة وكل رؤساء الهياكل الحكومية في خصوص إعداد مشروع موازنة الدولة لعام 2024، عن ارتكازه على مزيد من النجاعة والفاعلية وترشيد النفقات وحسن توجيهها، بخاصة لدعم النفقات ذات البعد التنموي والاستثماري أساساً في المناطق ذات الأولية بما سيسهم في عودة النمو وخلق مواطن الشغل.

وأوصت رئيسة الحكومة بضرورة اتباع جملة من الإجراءات والمنهجيات بهدف الضغط على المالية العمومية وتخفيف الأعباء من قبيل مواصلة الإصلاحات في الوظيفة العمومية عبر محورين أساسيين، الأول اتخاذ إجراءات عاجلة للتحكم في كتلة الأجور والثاني اعتماد برامج مستحدثة لخفض عدد الأعوان في الوظيفة العمومية.

إجراءات عاجلة

أظهر المنشور الحكومي أن كتلة الأجور في تونس عرفت تطوراً مهماً خلال العشرية الأخيرة ببلوغ مستويات عالية للغاية تصل إلى حدود 22.7 مليار دينار (7.5 مليار دولار) عام 2023 مقابل 6.7 مليار دينار (2.1 مليار دولار) عام 2010، مما يمثل حوالى 49.1 في المئة من مداخيل موازنة الدولة، وزهاء 16 في المئة من الناتج الداخلي الخام لتونس.

واعتبرت الحكومة أن الأمر يستدعي الشروع في تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي تم إقرارها على المدى المتوسط وبذل الجهد للتحكم في كتلة الأجور والنزول بها إلى نسب معقولة من الناتج المحلي الخام لاستعادة التوازنات المالية وتأمين استدامة الموازنة.

وبهدف مواصلة تطبيق برنامج إصلاح الوظيفة العمومية، من المرجح أن تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة للتحكم في كتلة الأجور من خلال ترشيد برامج الزيادات في الأجور والتحكم في عدد الانتدابات وحصرها في القطاعات ذات الأولوية (الصحة والتعليم).

من جانب آخر، كشف منشور رئيسة الحكومة الخاص بإعداد مشروع موازنة الدولة لعام 2024 عن اعتماد برامج مستحدثة لخفض أعوان الوظيفة العمومية، من ذلك مواصلة العمل في البرنامج الخاص بالإحالة إلى التقاعد قبل السن القانونية والانطلاق في تطبيق التنقل الوظيفي للأعوان العموميين لمصلحة الوزارات والمؤسسات ذات الصبغة الإدارية بنقل موظفين من وزارة إلى أخرى بحسب الحاجة من دون اللجوء إلى انتدابات جديدة.

وستشجع الحكومة الموظفين على الانتفاع بعطلة لبعث مشروع خاص والدعوة إلى مزيد من التعريف بهذه الآلية التي تصطدم بعراقيل عدة وصعوبات جعلتها تفشل نسبياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبلغ عدد أعوان الوظيفة العمومية (الوزارات) في تونس 680 ألف موظف، إضافة إلى أكثر من 200 ألف موظف في الشركات الحكومية.

ضغط النفقات

في غضون ذلك سيرتكز مشروع ضبط الموازنة الجديدة على مزيد من إضفاء النجاعة والفاعلية وترشيد النفقات وحسن توجيهها، خصوصاً لدعم النفقات ذات البعد التنموي والاستثماري أساساً في المناطق الأقل حظاً، بما يساهم في عودة النمو وخلق مواطن الشغل وإسداء أفضل الخدمات لمصلحة المواطنين.

ودعا المنشور الهياكل الإدارية إلى مزيد من إحكام التصرف في وسائل النقل باستعمال السيارات الإدارية للأغراض الإدارية دون سواها مع التسريع في إجراءات التفويت في السيارات التي أصبحت غير قابلة للاستعمال وذلك بالتنسيق مع مصالح وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية والعمل على تعميم سيارات المصلحة بمنظومة المراقبة عن بعد.

وتم كذلك التشديد على مزيد من التحكم في نفقات الاستقبالات والإقامة والمهمات في الخارج مع المحافظة على الاعتمادات المرسمة نفسها في العام الحالي على أقصى تقدير، إلى جانب العمل على ترشيد استهلاك الطاقة من خلال وضع خطة للتحكم في الاستهلاك باستعمال الفوانيس المقتصدة للطاقة واستعمال الطاقات البديلة والمتجددة، بخاصة بالنسبة إلى الفضاءات والمؤسسات ذات الاستهلاك المرتفع.

إصلاح دعم الطاقة

لاحظ المنشور الحكومي أن نفقات الدعم سواء المتعلقة بقطاع المحروقات أو المواد الأساسية شهدت ارتفاعاً غير مسبوق العام الماضي، إذ بلغت نسبة 8.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام، مما أثر بصفة كبيرة في التوازنات العامة وفي نسبة عجز الموازنة، الأمر الذي يستدعي الإسراع بتنفيذ خطة إصلاح منظومة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه.

على رغم التأكيد في مختلف مشاريع وبرامج الحكومة على إصلاح منظومة الدعم عبر إجراء التعديلات اللازمة الرامية إلى تحريك الأسعار، إلا أن رئيس الدولة قيس سعيد يجدد في كل مرة رفضه القطعي لإجراءات كهذه إلى حد إقالة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة القنجي نويرة الشهر الماضي بسبب تصريحاتها حول إصلاح منظومة دعم المحروقات.

وكشف منشور الحكومة في شأن إعداد مشروع موازنة العام المقبل عن أن تقديرات نفقات الدعم للفترة من 2024 - 2026 سيتم تحديدها وفقاً لمدى التقدم المحرز في تنفيذ برنامج الإصلاح واعتماد منظومة الدعم الجديدة.

وبحسب المنشور ذاته ستتولى الحكومة مراجعة سياسات الدعم وآليات التعويض وستمكن من توفير اعتمادات مهمة سيتم توجيهها نحو الاستثمار العمومي باعتباره المحرك الأساسي للاقتصاد الوطني والتدخلات الاجتماعية وتطوير قطاعات حياتية على غرار الصحة والتعليم والبيئة والفلاحة والماء الصالح للشراب.

نفقات الاستثمار

دعا المنشور الحكومي في هذا الإطار إلى ضبط حجم اعتمادات المشاريع والبرامج المتواصلة والأخذ في الاعتبار التنفيذ المادي والمالي المنتظر لهذه المشاريع على المستويين المركزي والجهوي، وكذلك للبرامج والمشاريع التي تنفذ من جانب المؤسسات العمومية مع إعطاء الأولوية المطلقة للمشاريع المعطلة في الجهات لتسريع نسق إنجازها باعتبارها تمكن من تطوير وصيانة البنية التحتية للربط بين الجهات وتحسين ظروف عيش المواطن.

تجسيم لبرنامج الإصلاحات

وتعقيباً على ذلك، رأى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي أن إعداد الموازنة الجديدة يترجم في جانب كبير منه برنامج الإصلاحات الكبرى الموضوعة على طاولة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً إصلاح الوظيفة العمومية والشركات الحكومية وملف الدعم وتحسين مناخ الأعمال، وقال الشكندالي لـ"اندبندنت عربية" إن هناك "طبخة جديدة" بين الحكومة واتحاد الشغل من خلال تطبيق اتفاق الـ15 من سبتمبر (أيلول) 2022 في إطار التوافق حول مضمون الإصلاحات الاقتصادية والمضمنة في البرنامج الذي تم الاتفاق حوله، ولاحظ أن برنامج إصلاح الوظيفة العمومية سيؤدي حتماً إلى تقليص كتلة الأجور وتجسيم توجهات إعادة التوازن بإيقاف الانتدابات، بخاصة في الوزارات التي تشغل كثيراً من الموظفين وتسريح الموظفين والإحالة إلى التقاعد وأن هذا الملف تم الحسم فيه، من وجهة نظره.

وجدد الأكاديمي التونسي، نقده لتعاطي الحكومة مع إعداد الموازنة من خلال مقاربة محاسباتية وليست مقاربة اقتصادية، داعياً إلى العمل على استعادة نسق النمو الاقتصادي الذي سيؤدي إلى دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي، مما سيخف نسبة الأجور من الناتج من دون الضغط على مستوى الموازنة، الأمر الذي يؤدي إلى إشكاليات اجتماعية.

وفي خصوص ملف إصلاح منظومة رفع الدعم، قال رضا الشكندالي إن التطبيق سيكون تدريجاً، متسائلاً عن سبب عدم تقديم تفاصيل مدققة عن إصلاح هذه المنظومة التي تثير في نظره انتقادات عدة والتخوف في الوقت نفسه.

غموض في التمويلات

وعلى مستوى نفقات التنمية والاستثمار العمومي، أفاد الشكندالي بأن هناك رغبة في تسريع نسق إنجاز المشاريع العمومية وتلافي التأخير الحاصل وإعطاء رسالة إيجابية لتحسين بيئة الأعمال.

ومن جانب آخر تساءل عن طريقة تمويل مجمل الإصلاحات التي تتطلب مبالغ كبيرة، معتبراً أنه ليس هناك وضوح على مستوى تعبئة الموارد الخارجية في ظل تواصل التعثر في بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

ورجح أنه في حال صعوبة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ربما تلجأ الحكومة في موازنة العام المقبل إلى مواصلة تعبئة التمويلات من السوق المالية المحلية عبر الاقتراض الداخلي، مما سيهدد صلابة النظام النقدي وينذر بمشكلات كبيرة.

وخلص بالتأكيد على أنه كان ينتظر أن يترجم إعداد موازنة تونس للعام المقبل إدراج إجراءات جديدة من شأنها أن تدر على تونس العملة الأجنبية من خلال إعادة تنشيط نسق إنتاج وتصدير الفوسفات وتحويلات المغتربين والتصدير والأموال المتداولة في السوق السوداء بالعملة الأجنبية.

اقرأ المزيد