ملخص
التوتر الأمني في ليبيا يعمق أزمة تونس الاقتصادية
أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في العاصمة طرابلس، وذلك إثر اشتباكات مسلحة بين اثنين من أكثر الفصائل الليبية تسليحاً، إذ استخدمت الأسلحة الثقيلة، وخلفت المواجهات 27 قتيلاً إلى جانب عشرات الجرحى، وأجلي عدد من العائلات وحولت حركة الطيران من مطار معيتيقة الدولي إلى مطار آخر، وذلك إثر إيقاف قائد اللواء 444 محمود حمزة.
وتتبع قوات اللواء 444 وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، ويقودها العقيد محمود حمزة، بينما تتبع قوات جهاز الردع الخاصة المجلس الرئاسي، وتعتبران القوتين العسكريتين الأكثر نفوذاً في طرابلس.
ويؤشر التوتر الأمني في البلاد واستراتيجية "الأصابع على الزناد" التي تنتهجها مختلف التشكيلات المسلحة في ليبيا إلى أزمة ثقة، وحالة من عدم الاستقرار وسط غياب الأفق السياسي، وعدم الاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات لحسم الجهة التي ستعمل على توحيد مؤسسات الدولة.
عمال تونس
وتمزق ليبيا انقسامات سياسية حادة طيلة السنوات الماضية، عمقتها المجموعات المسلحة التي تتصارع من أجل بسط نفوذها على العاصمة طرابلس، فهل سيؤثر هذا الوضع الأمني المتحرك على تونس؟
رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، المتابع عن قرب للشأن الليبي مصطفى عبد الكبير، قال إن "المواجهات المسلحة التي جدت خلال الساعات الأخيرة في العاصمة الليبية طرابلس منتظرة، بسبب المشاحنات بين تلك المجموعات وعدم اليقين السياسي، بينما يدفع الشعب الليبي ثمن هذا الوضع".
وأضاف عبد الكبير أن "اتساع دائرة المواجهات المسلحة في ليبيا، سيكون له تأثيرات خطيرة في تونس من الجانب الأمني والإنساني والاقتصادي والاجتماعي، بحكم الجوار"، لافتاً إلى أن بلاده تتابع التطورات عن كثب من خلال مؤسساتها للحد من تأثير الصراع الجديد وتداعياته".
وعبر رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان عن "انزعاجه من تطورات الأوضاع في ليبيا بسبب وجود نحو 20 ألف عامل تونسي بخاصة في الجهة الغربية"، داعياً إياهم إلى ملازمة الحذر عند التنقل داخل طرابلس.
تأثر تجاري
ويرى عبد الكبير أن عدم الاستقرار في ليبيا له تداعيات اقتصادية واجتماعية على التونسيين بخاصة من سكان المناطق الحدودية الذين يسترزقون من التجارة عبر المعابر البرية الحدودية من خلال ما يعرف بـ"تجارة الشنطة"، ومن مبادلات السلع بين البلدين في السوق الموازية، لافتاً إلى أن "أكثر من 150 شاحنة تمر يومياً عبر المعبر الحدودي رأس الجدير من تونس في اتجاه ليبيا".
ودعا مصطفى عبد الكبير الليبيين إلى "تحكيم صوت العقل، ووضع حد للانقسامات السياسية والعسكرية والأمنية وتوحيد مؤسسات الدولة لما في استقرار ليبيا من تأثير على استقرار تونس".
واجهات معتادة
في المقابل، قلل متخصص العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطبيب، من أهمية التوترات الأمنية في العاصمة الليبية طرابلس، معتبرها "مواجهات معتادة، بالنظر إلى التشكيلات المسلحة المتعددة التي تسيطر على مساحات كبيرة من أراضي ليبيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحذر الطبيب من نتائج "تفكك المنظومة التي تساند رئيس الحكومة الليبية الراهنة عبد الحميد الدبيبة التي تعد مخاطِباً رسمياً لتونس، في ظل حال الانقسام في البلاد"، مشيراً إلى "التنسيق الأمني بين تونس وحكومة الوحدة الليبية في التعاطي الإنساني مع ملف المهاجرين من دول جنوب الصحراء، وفتح الممر الاقتصادي نحو تشاد والنيجر ما سيسمح للدولة التونسية بالتصدير نحو هذه الدول والتضييق على السوق الموازية".
وأضاف متخصص العلوم الجيوسياسية أن "وجود حكومتين في ليبيا وبالنظر إلى تضارب مواقفهما تجاه عدد من الملفات، عقد موقف تونس وصعب مهمة التنسيق الدبلوماسي بين البلدين"، لافتاً إلى أنه "من مصلحة تونس وجود جهة وحيدة ممثلة للشعب الليبي".
توحيد مؤسسي
ورجح رافع الطبيب أن تنجح المساعي الدبلوماسية في التسوية الظرفية بين المجوعتين المسلحتين إلا أن "واقع الوضع الميداني الأمني والعسكري بين هذه المجموعات المسلحة سيبقى مفتوحاً على مزيد من التوترات في المستقبل"، داعياً إلى "التفكير بشكل جدي في التعامل مع الوضع الليبي وتطوراته، من خلال تفعيل الدبلوماسية من أجل التوصل إلى صيغة سياسية تضمن استقرار ليبيا وتوحد مؤسساتها وتفتح المجال أمام تكامل اقتصادي بين البلدين".
وأشار الطبيب إلى أن "سيطرة المجموعات المسلحة على جزء كبير من الأراضي الليبية، أسهم في ازدهار شبكات الاتجار بالبشر من خلال الهجرة السرية، وعزز نفوذ هذه المجموعات التي تسيطر أيضاً على الحدود والمعابر مع تونس، وهو ما قد يؤثر في العلاقات الاقتصادية والشراكات بين البلدين".
قلق رسمي
وأعربت تونس عن "انزعاجها من تجدد الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس"، ودعت في بيان لوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين في الخارج إلى "تغليب لغة الحوار والتوصل إلى حل سلمي في أقرب وقت، بما يسهم في تعزيز مقومات الأمن في ليبيا والمنطقة كلها، وتجديد التمسك بضرورة إيجاد حل ليبي نابع من إرادة الشعب".
التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين المجموعتين المسلحتين في العاصمة الليبية طرابلس، لا يعني بالضرورة إنهاء التوتر الأمني، بل هو ترحيل لأزمة عميقة طال أمدها وهي التنازع على مركز السلطة في طرابلس، بين المجموعات المسلحة التي تنذر بفوضى أمنية في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي يحتوي هذه الخلافات على الميدان.