Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

بمرافقة الدبابات... المراسل الحربي بين عهدين

775 إعلامياً صاحبوا الجنود الأميركيين لإسقاط صدام وأوكرانيا تدفع بهم إلى هامش الحرب

إبلاغ الناس بمحنة الشعب الأوكراني في ساحات القتال بات أكثر صعوبة بسبب القيود المفروضة على الصحافيين (أ ف ب)

ملخص

يضع القادة العسكريون في أوكرانيا قيوداً مشددة على عمل الصحافيين، حتى إنه تم إلغاء اعتماد مراسلي منافذ إعلامية دولية كبرى

عندما ذهب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى غزو العراق لم يرسل فقط الجنود والعتاد العسكري، فثمة قوة ناعمة لا تقل أهمية عن تلك الدبابات التي أسقطت تمثال صدام حسين بساحة الفردوس في التاسع من أبريل (نيسان) 2003.

رافق الجنود الأميركيين والبريطانيين في العراق  775مراسلاً ومصوراً صحافياً وكانت هذه الحرب الأكثر تغطية ونقلاً على الشاشات حول العالم في التاريخ العسكري، إذ أدى توافر التكنولوجيا الرخيصة والمحمولة مثل كاميرات الفيديو الرقمية ومعدات عقد المؤتمرات عن بعد إلى جعل التغطية أكثر آنية، مما أعطى الانطباع بأن الأحداث كانت تسجل وتبث وقت حدوثها الفعلي.

صحافيون مرافقون

في حين أن مصطلح "الصحافيين المرافقين" الذي يشير إلى اصطحاب مجموعة من الصحافيين مع القوات العسكرية إلى مناطق النزاع، ينطبق على كثير من الاتصالات والتفاعلات بين الصحافيين والأفراد العسكريين، فإنه استخدم للمرة الأولى في التغطية الإعلامية لغزو العراق، وذلك انعكاساً لضغوط وسائل الإعلام الأميركية على قادة "البنتاغون" الذين شكوا كثيراً من مستوى السماح لهم بالوصول إلى المعلومات ومسرح الصراع خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 والحرب في أفغانستان عام 2001.

حرب العراق رسخت لتلك الظاهرة في صراعات أخرى، لكن الوضع ارتد مجدداً في أوكرانيا التي حدد قادتها العسكريون مناطق حمراء يحظر على الصحافيين العمل فيها، بينما هناك مناطق صفراء تسمح لهم التغطية داخلها برفقة ضابط إعلامي في الجيش وأخرى خضراء يعملون منها بحرية، ويتم تصنيف الوضع الدقيق في هذه المناطق بأنه "معلومات محمية" يجري الكشف عنها فقط على أساس الحاجة إلى المعرفة.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، أعدت أوكرانيا مراجعة لجميع الاعتمادات الإعلامية التي أصدرتها خلال العام الماضي ليكون لزاماً على الصحافيين الذين يرغبون في كتابة تقرير عن الحرب الروسية في أوكرانيا تجديد أوراق اعتمادهم كل ستة أشهر.

قيود مشددة

يضع القادة العسكريون في أوكرانيا قيوداً مشددة على عمل الصحافيين، حتى إنه تم إلغاء اعتماد مراسلي منافذ إعلامية دولية كبرى مثل "سي أن أن" و"سكاي نيوز" وحتى أوكرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بدعوى انتهاك القواعد بعدما سجلوا تقارير من منطقة خيرسون إثر تحريرها مباشرة من الروس، من دون إذن من قائد الجيش في الجنوب، وتمت إعادة اعتمادهم لاحقاً بعد احتجاج المنظمات الإعلامية والمدافعين عن حرية الصحافة، لكن في الأشهر التالية كثفت الحكومة الأوكرانية جهودها للسيطرة على تغطيات الحرب من خلال تشديد وصول الصحافيين إلى مناطق الصراع.

جعلت الحرب الروسية من أوكرانيا واحدة من أكثر مناطق الصراع دموية وخطراً بالنسبة إلى الصحافيين، بحيث قتل 10 مراسلين محليين وأجانب في البلاد خلال أداء مهمات عملهم العام الماضي، ومع ذلك يعتقد الإعلاميون والمدافعون عن حرية الصحافة بأن القيود التي يفرضها العسكريون الأوكرانيون مفرطة ولا تتناسب مع الأخطار التي يتعرض لها الصحافيون.

 

 

تقول أوكسانا رومانيوك، رئيسة معهد الإعلام الجماهيري، وهي مجموعة أوكرانية تدافع عن حرية الصحافة، إن القيود تبدو وكأنها تتعلق بالسلامة، "لكنها تتعلق بشكل أكبر بالسيطرة"، مضيفة "لا نعتقد بأن ذلك مرتبط بالرغبة في جعل عمل الصحافيين أكثر أماناً، بل إنه مرتبط بالرغبة في جعل كل شيء يعمل مثل الجيش".

في تعليقات سابقة لموقع "ذا إنترسبت" الأميركي، شكت رئيسة تحرير صحيفة "زابورونا ميديا" الأوكرانية المستقلة كاترينا سيرغاتسكوفا من الوضع، قائلة "حاولوا فرض مزيد من السيطرة على الصحافيين. الآن من الصعب حقاً إعداد تقارير من خيرسون على سبيل المثال".

بين الدراما والتوثيق

وقال الكاتب في مجلة "نيويوركر" الأميركية لوك موغيلسون "لقد غطيت قبلاً أربع حروب، ولم أر قط مثل هذه الهوة بين الدراما والحدة والأهمية التاريخية لواقع الصراع من ناحية، وبين سطحية الحرص على توثيقه من قبل الصحافة من ناحية أخرى".

وأضاف "إنه لمن الغريب أن قليلاً مما يحدث يتم تأريخه. والسبب الرئيس على رغم أنه ليس السبب الوحيد هو أن الحكومة الأوكرانية جعلت من المستحيل فعلياً على الصحافيين عمل تقارير صحافية حقيقية".

وتابع موغلسون أن "القيود تأتي من القادة العسكريين والسياسيين وتتعارض مع رغبة الجنود العاديين في مشاركة خبراتهم، إن الرجال الذين يقومون بالقتل والموت ويتحملون قسوة الجبهة يسعدهم دائماً أن يشاهد الصحافيون ما يمرون به. ليست ثمة إشكالية سياسية أو أخلاقية بالنسبة إلى أوكرانيا لكي تمنع الصحافيين من رؤية الحرب. كما أنه أمر قاسٍ جداً على الرجال الأوكرانيين الذين يجبرون على القيام بذلك في صمت تام وغموض".

في أواخر العام الماضي، وقع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على قانون يمنح الحكومة سلطات واسعة على وسائل الإعلام، وهو مشروع القانون الذي وصفه الاتحاد الأوروبي للصحافيين بأنه "يليق بأسوأ الأنظمة الاستبدادية"، وكتبت سيرغاتسكوفا تقول إن بلادها تخوض حربين منذ فترة طويلة، إحداهما ضد الاستعمار الروسي والثانية من أجل الديمقراطية.

بالنظر إلى هذه القيود المفروضة على الصحافيين في أوكرانيا، يخشى مراقبون من ساحة المعركة الرقمية، فإلى جانب الحرب على الأرض، هناك معركة تدور رحاها على الإنترنت وتتعلق بنشر معلومات مضللة في محاولة للتأثير في الرأي العام.

وتقول كارول لوتشكا من المعهد الدولي للصحافة إن "الصحافيين في أوكرانيا مهمون لمواجهة التضليل الروسي وضمان استمرار ثقة العالم بأوكرانيا في ما يتعلق بما يجري على الخطوط الأمامية، يجب أن يكون الصحافيون حاضرين".

وتوضح رومانيوك أن "النتيجة النهائية هي أن بعض القصص قد لا تروى على الإطلاق، فتوثيق الجرائم على مدى العام الماضي وإبلاغ الناس بمحنة الشعب الأوكراني أصبحا أكثر صعوبة".

جدلية أخلاقية

الصحافيون المرافقون للقوات العسكرية ليسوا ظاهرة جديدة، فوفقاً لإريك ستوفر، المحقق المتخصص في جرائم الحرب ومدير مركز حقوق الإنسان، تعود هذه الممارسة للحروب القديمة وكانت موجودة أيضاً خلال الحرب العالمية الثانية، لكن لم يشارك الصحافيون من قبل في الهجوم على مدينة كبيرة مثلما حدث في بغداد من داخل الآليات العسكرية، مما يثير عدداً من الأسئلة الأخلاقية إلى جانب الضغوط النفسية والحدود التي ينبغي أن ينتهي عندها الشعور الوطني ويبدأ استقلال الصحافة.

وخلال مؤتمر عقدته جامعة "بيركلي" الأميركية عام 2004، قال عميد كلية الصحافة أوليفر شيل "تعد تقارير المرافقين فكرة جيدة، لكن لا ينبغي أن تكون العنصر الوحيد في القائمة، فالحصول على تغطية من المراسلين الموجودين (برفقة القوات داخل ساحة القتال) فقط هو مثل النظر إلى المجهر، لكن ما نحتاج إليه هو شيء من الصورة الأوسع وفرصة لمعرفة الجوانب الأخرى للمشهد بأكمله".

وفي حين رسخت حرب العراق أهمية الصحافيين المرافقين لنقل الصورة من أرض الواقع، يختلف المراقبون والمتخصصون في شأن الدور الذي يلعبه المراسلون من ساحة المعركة، ففي العراق طاولتهم اتهامات بالتغطية المتحيزة التي تتناول الصراع من وجهة نظر أنغلو- أميركية من منطلق أن الصحافيين المرافقين لا يستطيعون إلا أن يعكسوا إلى حد ما وجهة نظر الجنود الذين يرافقونهم.

 

 

يقول الكاتب البريطاني باتريك كوكبيرن الذي غطى حربي العراق وأفغانستان إن حقيقة كونك مع جيش احتلال تعني أن الصحافي محصور في جزء صغير وغير مألوف من ساحة المعركة السياسية - العسكرية، فالمراسل الملحق بالوحدات العسكرية قد يخطئ أو يسيء تفسير المراحل الحاسمة في الصراع.

أحد أخطار العمل كصحافي مرافق، وفق كوكبيرن، هو موقفه الذي يضعه أحياناً في المكان الخطأ في الوقت الخطأ، ويتذكر أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 اقتحمت قوات "المارينز" الأميركية مدينة الفلوجة الواقعة غرب بغداد والتي كان المتمردون استولوا عليها، بينما كانت القوات ترافقها تقريباً جميع الصحافة الأجنبية في بغداد معرضين أنفسهم لخطر كبير، وكانت رواياتهم وصورهم للمعركة مقنعة في شأن تحقيق انتصار لا شك فيه للولايات المتحدة. مع ذلك فإن التقارير عن النجاح الأميركي كانت مضللة لأن المتمردين استخدموا تركيز القوات الأميركية حول الفلوجة لشن هجومهم الخاص على مدينة الموصل شمال العراق التي سيطروا عليها لفترة وجيزة. في ذلك الوقت فر الجيش العراقي والشرطة واحتل المتمردون 30 مركزاً للشرطة واستولوا على أسلحة بقيمة 40 مليون دولار. وبالنظر إلى أن الموصل هي ثالث أكبر مدينة في العراق، فقد كان ذلك بمثابة فشل للقوات التي تقودها الولايات المتحدة، لكن لم يتم النشر عنه تقريباً نظراً إلى عدم وجود قوات أميركية هناك وبالتالي لم يكن يوجد في المدينة صحافيون مرافقون.

إشكاليات أوسع

ويقول كوكبيرن ضمن مقالة منشورة في صحيفة "اندبندنت" عام 2010 إن هناك عيباً أكثر دقة في تغطية الحرب كصحافي مرافق للقوات العسكرية، فالوضع يقود المراسلين إلى رؤية الصراع في المقام الأول من منظور عسكري، في حين أن التطورات الأكثر أهمية تكون سياسية. ففي حين أصبح من المعتقد لدى كثيرين في الولايات المتحدة أن الجيش الأميركي انتصر في حرب العراق بين عامي 2007 و2008 لأنه اعتمد مجموعة جديدة من التكتيكات وأرسل 30 ألف جندي إضافي، لكن التطورات التي أنهت أسوأ قتال في العراق لم تكن لها علاقة بالولايات المتحدة التي كانت لاعباً واحداً في معركة معقدة.

يوضح الكاتب البريطاني المخضرم أن الهجمات التي استهدفت الجيش الأميركي كانت تأتي بالكامل تقريباً من المتمردين العرب السنة، لكن بحلول عام 2007 تعرض السنة لهزيمة شديدة من قبل قوات الأمن والميليشيات ذات الغالبية الشيعية، ولم يعد بإمكانهم تحمل الاستمرار في قتال الأميركيين أيضاً.

على الجانب الآخر، بالغ تنظيم "القاعدة" في لعب دوره بمحاولة السيطرة على المجتمع السني بأسره، لكن بينما تم طرد السنة من بغداد التي أصبحت مدينة ذات غالبية ساحقة من الشيعة، فإنه في مواجهة إبادة مجتمعهم ذهب المتمردون السنة إلى التحالف مع الأميركيين، وفي هذا السياق كان من الممكن للولايات المتحدة أن ترسل مجموعات صغيرة من القوات إلى المناطق السنية التي كانت بحاجة ماسة إلى مدافعين ضد فرق الموت الشيعية وقادة "القاعدة".

في ما يتعلق بأوكرانيا، فإنه على رغم القيود التي يفرضها الجيش الأوكراني على عمل الصحافيين واستبعادهم من مناطق الصراع بزعم حمايتهم وحماية الأسرار العسكرية فإن الواقع يفرض نفسه، إذ يعيش بعض الصحافيين بالفعل ويعملون في المناطق الصفراء، ودفع ذلك إلى تساؤلات في شأن الكيفية التي من المفترض أن يعمل بها الصحافي المقيم في إحدى تلك المناطق.

المزيد من تحقيقات ومطولات