ملخص
"الجيش السوداني من حيث التكتيكات ظل يعمل في خانة الدفاع طيلة الشهر الأول للحرب"
قالت الرئاسة المصرية اليوم الثلاثاء إن اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان ركز على أهمية دعم السودان وأمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه.
ووصل البرهان إلى مدينة العلمين الجديدة المطلة على البحر المتوسط في أول زيارة له إلى خارج السودان منذ اندلاع المعارك منتصف أبريل (نيسان) الماضي، إذ استقبله الرئيس المصري.
ونقلت وسائل إعلام مصرية عن البرهان قوله في كلمة له، "نحن في السودان نواجه حرباً مدمرة قامت بها مجموعات متمردة، ونطمئن أصدقاء وجيران السودان، بأننا في السعي لإيقاف الحرب، واستكمال المسار الديمقراطي".
ووفق البيان المصري فإن السيسي أكد "اعتزاز بلاده الكبير بما يربطها بالسودان على المستويين الرسمي والشعبي من أواصر تاريخية وعلاقات ثنائية عميقة"، مشيراً إلى موقف القاهرة الثابت والراسخ بالوقوف بجانب الخرطوم، خصوصاً ما يتعلق بوحدة السودان في ظل الظروف الدقيقة الراهنة التي يمر بها، أخذاً في الاعتبار الروابط الأزلية والمصلحة الاستراتيجية المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
بحسب الرئاسة المصرية فإن البرهان أشاد بالدور المصري في الحفاظ على سلامة واستقرار بلاده في ظل المنعطف التاريخي الذي يمر به، بخاصة "من خلال حسن استقبال المواطنين السودانيين، معرباً في هذا الإطار عن تقدير بلاده للدور الفاعل لمصر بالمنطقة والقارة الأفريقية".
واستعرض السيسي والبرهان وفق البيان تطورات الأوضاع في السودان، والتشاور حول الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة حفاظاً على سلامة وأمن السودان على النحو الذي يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح شعبها، علاوة على بحث تطورات مسار دول جوار السودان، ورحب البرهان بمسار دول جوار السودان الذي انعقدت قمته الأولى أخيراً في مصر.
وتناولت محادثات الجانبين مناقشة سبل التعاون والتنسيق لدعم الشعب السوداني، لا سيما من طريق المساعدات الإنسانية والإغاثة، حتى يتجاوز السودان الأزمة الراهنة بسلام.
السعودية ومصر
بدوره قال محلل الشأن السوداني بمعهد ريفت فالي مجدي الجزولي لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "مصر هي القوة الإقليمية الرئيسة التي بيدها حل وعقد شؤون السودان".
وأوضح الجزولي أن "الطبقة السياسية السودانية تدهورت، ولم يعد في مقدورها في الأقل خلال الوقت الحالي القيام بأية خطوة يعتد بها في اتجاه تحديد مستقبل البلد السياسي، بل صار هذا المستقبل رهيناً بالدرجة الأولى بمآل الحرب الدائرة الآن".
وتابع "لقاء البرهان والسيسي في ساعة الأزمة هذه يدخل في هذا الباب، البرهان حليف للسيسي والجيش السوداني حليف للجيش المصري، وأمام الاثنين قضية الحرب في الخرطوم والإمداد العسكري والفوز بدعم السعودية".
وهي المرة الأولى التي يغادر فيها البرهان السودان منذ بدء المعارك العنيفة في الـ15 من أبريل الماضي، التي حصدت آلاف القتلى وخلفت ملايين المشردين ودماراً وانتهاكات واسعة.
وكان البرهان وصل الأحد إلى بورتسودان المطلة على البحر الأحمر شرق البلاد، بعد تفقده للمرة الأولى منذ بدء الحرب عدداً من المناطق الأخرى خارج الخرطوم، إذ لازم لمدة أربعة أشهر مقر قيادته الذي كان يتعرض لحصار وهجمات متتالية من قوات "الدعم السريع."
واستبعد البرهان الإثنين خلال تفقده جنوداً في قاعدة بحرية في بورتسودان التي بقيت بمنأى عن الحرب حتى الآن، أية فرصة للمفاوضات.
وقال للجنود ولصحافيين في قاعدة فلامنغو البحرية، "المجال ليس مجال الكلام الآن، نحن نكرس كل وقتنا وجهدنا للحرب لإنهاء هذا التمرد"، في إشارة إلى قوات "الدعم السريع"، وكان دقلو نائباً للبرهان في مجلس السيادة قبل الحرب.
وأثمرت وساطات سعودية أميركية خلال الأشهر الماضية اتفاقات عدة لوقف إطلاق النار لم تصمد، كما قادت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) مبادرة إقليمية لم تثمر أيضاً.
صفقة؟
وخلال تواجده في مدينة بورتسودان، أمس الإثنين، في ثاني زيارة له خارج العاصمة الخرطوم، رفض البرهان عقد صفقة مع قوات "الدعم السريع"، مؤكداً استمرار الجيش في "القتال حتى الانتصار". واستبعد كذلك أي فرصة للمفاوضات.
وقال قائد الجيش للجنود والصحافيين في قاعدة "فلامنغو" البحرية "المجال ليس مجال الكلام الآن، نحن نكرس كل وقتنا وجهدنا للحرب لإنهاء هذا التمرد". وتابع "سنقاتل حتى نصل إلى بر الأمان والانتهاء من هذه المحنة أقوياء مرفوعي الرأس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأتت تصريحات البرهان بعدما أعلنت قوات "الدعم السريع" عبر حسابها على منصة "إكس" عن خطة تحمل رؤيتها لحل الأزمة الحالية تحت عنوان "رؤية للحل الشامل وتأسيس الدولة السودانية الجديدة"، وتتضمن الخطة 10 مبادئ عامة بينها "الإقرار بضرورة تأسيس وبناء جيش سوداني جديد من الجيوش المتعددة الحالية، بغرض بناء مؤسسة عسكرية قومية مهنية واحدة تنأى عن السياسة"، الأمر الذي كان يرفضه دقلو باستمرار وكان سبباً جوهرياً لاندلاع الحرب الجارية.
"مجزرة" نيالا
ميدانياً اشتدت وتيرة المعارك في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، حيث قتل 39 شخصاً في الأقل جراء قصف طال منازل، بحسب ما أفاد به شهود ومصدر طبي.
وقالت المصادر "أدى سقوط قذائف على منازل مدنيين في حي السكك الحديدية بنيالا إلى مقتل 39 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وبينهم أسرة قتل كل أفرادها".
ووصف الناشط الحقوقي السوداني أحمد قوجا عبر حسابه على موقع "إكس" ما حدث في نيالا بأنه "مجزرة، راح ضحيتها 39 طفلاً وامرأة ورجلاً في لحظات قليلة".
ونيالا من أكثر المدن التي تتركز فيها المعارك في إقليم دارفور غرب البلاد، حيث يعيش ربع سكان السودان البالغ عددهم نحو 48 مليون نسمة.
والأسبوع الماضي أعلن الجيش السوداني مقتل قائد فرقة المشاة بنيالا، وذكرت الأمم المتحدة في تقرير أن المعارك في نيالا خلفت منذ الـ11 أغسطس (آب) الجاري، "60 قتيلاً و250 جريحاً و50 ألف نازح".
وأسفرت الحرب منذ اندلاعها عن مقتل نحو 5 آلاف شخص، وفق منظمة "أكليد" غير الحكومية، لكن الحصيلة الفعلية مرشحة لأن تكون أكبر لأن عديداً من مناطق البلاد معزولة تماماً، وليس في الإمكان التنقل ومعاينة الوضع على الأرض. ويتعذر دفن كثير من الجثث المتناثرة في الشوارع، ويرفض الجانبان الإبلاغ عن خسائرهما.
وفي أربعة أشهر أجبر أكثر من 4,6 مليون شخص على الفرار، وفق إحصاءات الأمم المتحدة.
وقال الباحث في مركز "الخرطوم للحوار" اللواء الرشيد معتصم مدني إن "الجيش السوداني من حيث التكتيكات ظل يعمل في خانة الدفاع طيلة الشهر الأول للحرب، من أجل حماية مقاره وقواته والحفاظ بقدر الإمكان على عتاده الحربي، وفي المقابل، "كانت قوات (الدعم السريع) تتحرك باندفاع كبير نحو أهدافها".
أضاف أن "من الواضح أن قوات (الدعم السريع) في حال تراجع من حيث القدرات القتالية سواء من ناحية العتاد الحربى أو القوات البشرية، لا سيما بعد أن أغلق الجيش طريق الصادرات (الخرطوم - بارا) وتنشيط وتفعيل دور قوات الشرطة والأجهزة الأمنية شرق ووسط البلاد". ونوه بأن "قوات (الدعم السريع) تعمل في بيئة غير صديقة بسبب الأذى الكبير الذي تعرض له سكان ولاية الخرطوم من هذه القوات التي قامت بسلب ونهب أمواله وممتلكاته وقتل كثير من الأرواح، وهي جرائم وثقتها عيون الكاميرا ولا سبيل لمحوها أو إنكارها".
مركز "الخرطوم للحوار"
وبين الباحث في مركز "الخرطوم للحوار" أن "الرقعة التي تدور فيها المعارك في السودان ليست كبيرة على رغم أهمية الخرطوم كعاصمة، وكموقعها أيضاً بالنسبة لاقتصاد البلاد، لكن مؤكد أن الجيش سينتصر في نهاية المطاف، وإن كان من الصعب التنبؤ بتوقيت الحسم نظراً إلى كثرة المتغيرات".
وشدد على أن "المفاوضات هي الحل النهائي لإنهاء هذا الصراع وتحقيق الاستقرار، فـ(الدعم السريع) فقدت معسكراتها ومواقع عتادها ومؤنها منذ اليوم الثاني للحرب، إلا أن هذه القوات اعتمدت على الأموال والممتلكات العامة والخاصة في منازل ومصانع ومزارع المواطنين". ولفت مدني إلى أن معظم السودانيين لا يرغبون بوجود قوات مسلحة موازية للجيش الوطني.
وأسفرت الحرب الدائرة بين الطرفين عن مقتل نحو خمسة آلاف شخص، وفق منظمة "أكليد" غير الحكومية، لكن الحصيلة الفعلية مرشحة لأن تكون أكبر لأن هناك عدداً من المناطق معزول تماماً، كما يتعذر دفن كثير من الجثث في الشوارع، كما يرفض الجانبان الإبلاغ عن خسائرهما.