ملخص
التظاهرات الشعبية التي يعرف الجميع كيف يتم ترتيبها تطالب برحيل القوات الفرنسية وتطلب قوات "فاغنر" وترفع العلم الروسي
لا قواعد للانقلابات العسكرية، لا في متغيرات الأوضاع الداخلية، ولا في حسابات القوى الكبرى خلال الحرب الباردة وبعدها. أفريقيا وأميركا اللاتينية والعالم العربي وجنوب شرقي آسيا هي المسارح المفتوحة للانقلابات، وهي نادرة في أوروبا ومحكومة بالفشل. محاولة المتشددين في الحزب الشيوعي للانقلاب على ميخائيل غورباتشوف في الأيام الأخيرة للاتحاد السوفياتي فشلت، ومحاولة الجنرالات الفرنسيين المتمسكين بالبقاء في الجزائر أفشلها الجنرال شارل ديغول، ورثة نهرو في الهند حافظوا على المسار الديمقراطي، على عكس ورثة شريكه في الكفاح من أجل الاستقلال، محمد علي جناح حيت الانقلابات دروبه في باكستان، الانقلاب الأول في العراق جرى عام 1941 بتأثير ألمانيا وفشل، حسني الزعيم دشن مرحلة الانقلابات الناجحة في سوريا، عبدالكريم قاسم قاده الانقلاب على الملكية في العراق وكرت السلسلة، الضباط الأحرار في مصر، والانقلاب على أسرة آل حميد الدين في اليمن وما بعده، ثورة الفاتح في سبتمبر (أيلول) في ليبيا، وانقلاب زين العابدين بن علي على الحبيب بورقيبة في تونس ثم ثورة الياسمين وما بعدها، انقلاب فاشل في الصخيرات على الملكية في المغرب، انقلاب هواري بومدين على أحمد بن بيلة وما جرى بعده، انقلابات تركيا بعد مصطفى كمال أتاتورك بمعدل انقلاب كل 10 سنين، ولم يكن انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه على الرئيس سلفادور أللندي في تشيلي سوى واحد من سلسلة انقلابات في أميركا اللاتينية بدعم من الاستخبارات المركزية الأميركية و"شركة الفواكه"، ولا حصر للانقلابات التي ضربت أفريقيا منذ الستينيات في القرن الماضي، من الانقلاب على هيلا سيلاسي في إثيوبيا إلى ما بعده، مروراً بالانقلاب على باتريس لومومبا في الكونغو وما بعده. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سادت في أميركا اللاتينية وأفريقيا ما سميت "الموجة الثالثة" من الديمقراطية، لكن الموجة بدأت في الانحسار، وإن استقر النظام بعد سلسلة انقلابات في نيجيريا كبرى الدول الأفريقية، وأخيراً تعددت حلقات السلسلة في دول الساحل، من غينيا كوناكري إلى مالي وبوركينا فاسو ثم النيجر، وأخيراً في الغابون على شاطئ الأطلسي. والبارز أن قادة الانقلاب هم قادة الحرس الجمهوري، فلا أحد يعرف حقائق ما يفعله الرؤساء وأبناؤهم وأنصارهم ويرى الجانب المظلم من السلطة أكثر من قادة الحرس الجمهوري، إذ هم على تماس مباشر مع الرؤساء، وهم في الكواليس حيث تدور الصفقات بحراستهم. قائد الحرس الجمهوري في النيجر عرف أن الرئيس محمد بازوم سيرسله إلى التقاعد، فأرسل الرئيس إلى ما هو أبعد من التقاعد، انقلب وبدأ يبحث له عن أسباب وأهداف. وقائد الحرس الجمهوري في الغابون جاءته الفرصة للتخلص من نصف قرن من حكم أسرة بونغو منذ 1967: عمر ثم ابنه علي الذي يمهد ليرثه ابنه، ومثل قادة الانقلابات يقدم وعوداً حول النزاهة ومحاربة الفساد وإقامة "ديمقراطية أفضل"، وليس هناك "انقلابيون ديمقراطيون" كما تقول وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن اللعبة في أفريقيا مزدوجة: شيء من سياسة تشبه تقلب النائم في السرير على جانبيه الأيمن والأيسر، وشيء من الاضطرار إلى التنقل بين قوى كبرى ومصالحها، التقلب بين مدني وعسكري، المدني يمارس تزوير الانتخابات التي تلعب فيها العوامل القبلية، ويصر على البقاء رئيساً مدى الحياة، كما على نهب الثروة واللامبالاة حيال شعبه الفقير، والعسكري يأتي وهاجسه أن يقوم ضابط آخر بانقلاب عليه، فيلجأ إلى الحيطة والحذر والبطش ولعبة السلطة للسلطة، ثم يمارس الفساد ويحرس نهب الشركات الأجنبية للثروة الوطنية أملاً في الحماية الخارجية، والمدني والعسكري يعرفان أن الانتخابات ليست ديمقراطية، وأن القوة العسكرية ليست الطريق إلى انتخابات حرة، وهما معاً أسيرا خيارات مجحفة في حق البلد وأهله وبعيدة من ممارسة الاستقلال والسيادة.
التظاهرات الشعبية التي يعرف الجميع كيف يتم ترتيبها تطالب برحيل القوات الفرنسية وتطلب قوات "فاغنر" وترفع العلم الروسي، الغاضبون من الشروط الأميركية للمساعدات يتوجهون إلى الصين ومساعداتها ضمن مشروع "الحزام والطريق".
مجرد تنقل بين مدني وعسكري، ومجرد تبديل الخيارات في العلاقة مع القوى الكبرى، قضايا الشعب في الداخل تبقى بلا حلول، والتنافس على النفوذ والثروات الطبيعية في أفريقيا هو صراع بين إمبرياليات. شعوب فقيرة وحكام أثرياء في قارة غنية بالموارد، أليست النيجر التي تعد رابع بلد في إنتاج اليورانيوم في المرتبة 189 من بين 191 دولة من "الأكثر فقراً" في العالم؟