Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي يحول دون تسليم فرنسا المطلوبين الـ12 لتونس؟

فرص استعادة هؤلاء ضئيلة لأسباب عدة من بينها الفتور الذي يخيم على العلاقات مع فرنسا التي يقيم فيها معظم المطلوبين

يوسف الشاهد ونادية عكاشة أبرز المطلوبين للقضاء التونسي (رويترز)

ملخص

شروط لابد من توفرها لتعبيد الطريق أمام استعادة من صدرت بحقهم مذكرات جلب دولية من بينها أن يكون القضاء مستقلاً وتحسين العلاقات مع الدول المعنية وفي مقدمتها فرنسا التي يقيم فيها معظم هؤلاء

أصدر القضاء في تونس مذكرات جلب دولية بحق 12 شخصية بارزة، من بينهم رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد (2016 – 2020) ومديرة الديوان الرئاسي السابقة، نادية عكاشة، ونجل زعيم "حركة النهضة"، معاذ الغنوشي، لكن فرص استعادة هؤلاء تبقى ضئيلة لأسباب عدة من بينها الفتور الذي يخيم على العلاقات بين تونس وفرنسا التي يقيم فيها معظم هؤلاء المطلوبين.

وترى دوائر سياسية وقضائية تونسية أنه بصرف النظر عن التوتر الصامت مع فرنسا، فإن اهتزاز الثقة بالقضاء الوطني قد يكون العائق الأكبر، لا سيما أن العواصم المعنية لم تستجب في وقت سابق لتسليم مطلوبين، على غرار الرئيس الموقت السابق محمد المنصف المرزوقي، ورجل الأعمال الناشط السياسي البارز، سليم الرياحي، على رغم أن الأخير تم توقيفه في اليونان.

ومذكرات الجلب صدرت مساء الثلاثاء "بتهمة التآمر على أمن الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم"، بحسب تصريحات المتحدثة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، حنان قداس، لوكالة محلية.

واستبقت السلطات التونسية هذا القرار بتوقيف مدير شركة "سيفاكس" للطيران، محمد فريخة، الذي يلاحق بسبب "شبهات بنقل متطرفين تونسيين إلى بؤر التوتر منذ 2011". كما فتح تحقيق في ما يعرف بقضية وثائق بنما التي تعود أحداثها إلى عام 2016.

التسليم مضمون بشروط

وأعادت مذكرات الجلب الدولية إلى واجهة الأحداث السجالات في شأن ثقة الخارج في القضاء التونسي، لا سيما أن نظيره الفرنسي رفض تسليم المرزوقي عام 2022 على رغم صدور حكم بسجنه لأربع سنوات.

ويحمل المرزوقي الجنسية الفرنسية، إلى جانب التونسية، وهي حالة تنطبق على عديد من المطلوبين الجدد على غرار يوسف الشاهد، ما قد يتسبب بمتاعب للسلطات التونسية في طريق استعادة هؤلاء.

واعتبر المحامي التونسي، عبد الرزاق الخلولي، أنه "حسب نص الإحالة، فإن جريمتي تكوين الوفاق والتآمر محالين إلى قانون الإرهاب، بالتالي ليست قضية ذات خلفية سياسية، لذلك التسليم مضمون إذا تم الاستمرار في نص الإحالة الحالي، والمعاهدات الدولية الجديدة تستثني الجرائم الإرهابية من التأويل والتحليل".

واستدرك الخلولي، وهو ناشط سياسي أيضاً موال للرئيس التونسي الحالي، قيس سعيد، بالقول في تصريح خاص، "لكن هناك شروطاً أخرى يجب أن تتهيأ، أهمها أن يكون القضاء جاهزاً وأن يكون هناك تعامل حسن للمشتبه فيهم في حال تم تسليمهم، وهي معاملة يجب أن تستجيب للشروط الإنسانية".

وهناك هواجس لا يخفيها كثيرون بمن فيهم الموالون للرئيس سعيد، من أن يلقي التوتر الصامت بين فرنسا وتونس تداعياته على مسار استعادة هؤلاء المطلوبين، لا سيما أنه بإلقاء نظرة على مذكرات الجلب الدولية التي أصدرتها تونس بحق شخصيات وازنة تقيم في باريس، فقد فشلت في أغلبها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي عام 2021 أيضاً، طالب القضاء التونسي نظيره الفرنسي بتسليم بلحسن الطرابلسي صهر الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، لكن باريس رفضت ذلك بعد جولات من المحاكمات خلصت في نهاية المطاف إلى أن "ضمانات المحاكمة العادلة للطرابلسي غير متوفرة في تونس".

وقال الخلولي إن "البعد السياسي في العلاقة المتوترة مع فرنسا سيؤثر حتماً في مسألة التسليم، خصوصاً أن من بين المتورطين من يحمل الجنسية الفرنسية، لذلك يجب تهيئة كل العوامل لا سيما أن المسألة ستأخذ وقتاً طويلاً قد يمتد لعام آخر، المهم أن الإجراءات سليمة الآن".

وأشار إلى أن "الشرطة الدولية المعروفة بـ"الإنتربول" هي التي ستتعهد طبعاً بمسألة التسليم، وسيتم ذلك في حال توفرت الشروط. أعتقد أن عدداً من المعنيين سيحاولون التخفي، لكن في حال تم اعتقالهم فإن قضاء الدولة التي سيتم توقيفهم فيها، سيتخذ القرار بتسليمهم أم لا".

لكن يبدو أن فرص التسليم ضئيلة، إذ قالت المحامية إسلام حمزة، إن "الإنتربول أصبح يرفض التعامل مع القضاء التونسي، وهذا الجهاز يعلم جيداً أن القضايا التي يبحث فيها سياسية".

وهناك جدل حول استقلالية القضاء في تونس منذ حل الرئيس سعيد المجلس الأعلى للقضاء في السادس من فبراير (شباط) 2022، قبل أن يقوم بعزل 57 قاضياً بعد قرار قضائي، لكن وزارة العدل رفضت تنفيذه ما قاد إلى الإبقاء على أزمة هؤلاء القضاة تراوح مكانها.

واتهم الرئيس سعيد مراراً خصومه ومن بينهم موقوفون الآن، بتحريض الشارع ضده، وبلغت اتهاماته ذروتها عندما قال إن "من يبرئ هؤلاء (في إشارة إلى الموقوفين) من القضاة هو شريك لهم" في خطوة أثارت جدلاً واسع النطاق.

عملية التسليم شبه مستحيلة

وعلى رغم وقوفهم على طرفي نقيض، إلا أن الموالين للسلطة في تونس كما معارضيها، يتفقون على أن هناك شروطاً لابد من توفرها من أجل تعبيد الطريق أمام استعادة المطلوبين، من بينها أن يكون القضاء مستقلاً وتحسين العلاقات مع الدول المعنية وفي مقدمتها فرنسا، التي يقيم فيها معظم هؤلاء.

ورأى الباحث السياسي التونسي، سرحان الشيخاوي، أن "العلاقات التونسية – الفرنسية ليست في أحسن حالاتها، هناك خلافات لم تظهر على السطح لكنها موجودة، ما أسهم في برود هذه العلاقات التي كانت وطيدة جداً في وقت ما، حتى في اللحظات الأولى للمنعطف السياسي الذي شهدته تونس ليلة 25 يوليو (تموز) 2021".

وأضاف الشيخاوي أن "هذا المعطى السياسي قد يسهم في تعطيل تسليم المطلوبين، لكن في اعتقادي هناك عوامل أخرى من بينها عدم توفر مناخ قضائي سليم يوفر الأدوات اللازمة للتسليم، علاوة على توصيف ما حدث من إيقافات لنشطاء سياسيين على أنها إيقافات سياسية، ما يثير هواجس خارجية".

وأبرز أنه "قانونياً وقضائياً المسألة سليمة فالأشخاص المعنيون ذكروا في قضية التآمر على أمن الدولة، لكن واقعياً فإن مسألة جلبهم من الأراضي الفرنسية شبه مستحيلة لاعتبارات كثيرة، أولها أن هناك أسماء لسفراء بينهم السفير الفرنسي، مذكورون في هذه القضية، ما يعني أن السلطات الفرنسية ستعتبر أن القضية سياسية وليست إرهابية، والقانون الدولي يمنع تسليم المطلوبين في قضايا سياسية".

وواصل الشيخاوي قائلاً إن "المعطى الثاني هو غياب استقلالية القضاء التونسي الذي يخضع للتعيينات والإقالات والعزل للسلطة التنفيذية، بالتالي فإن الشك في القطاع القضائي يجعل من عملية التسليم عملية مستحيلة. وحتى تاريخياً القضاء الفرنسي امتنع في أغلب الأحيان عن تسليم شخصيات وازنة للسلطات التونسية، منها بالحسن الطرابلسي، مبرراً ذلك بسبب بالاحتراز من القضاء التونسي".

ويقبع عشرات المعارضين ورجال الأعمال خلف قضبان السجن في تونس بسبب قضية تآمر أولى تفجرت قبل أشهر، لكن التأخر في بدء محاكمة هؤلاء يثير جدلاً صاخباً حول "خلفية سياسية" لإيقافهم، وهو ما تنفيه السلطات والقضاء.

وفي ظل الانتقادات التي توجهها منظمات حقوقية وجمعيات تدافع عن استقلالية القضاء، للقضاء التونسي، فإنه من غير الواضح ما إذا ستنجح السلطات في استعادة المطلوبين الجدد من العواصم الأجنبية.

المزيد من تقارير