Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عرب الساحل الأفريقي "أقليات معزولة" تفتقد الجذور

يذكر المؤرخون أن وجودهم في هذه المنطقة يعود للقرن السابع الميلادي مع الفتوحات الإسلامية لشمال القارة السمراء

الرئيس النيجري المعزول محمد بازوم له أصول عربية (أ ف ب)

ملخص

وجود العرب في هذه المنطقة يعود للقرن السابع الميلادي مع الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا وتعزز حضورهم أكثر مع حكم دولة المرابطين بعد سقوط مملكة غانا

أعاد انقلاب عسكر النيجر على حكم الرئيس المنتخب محمد بازوم سؤال الهوية في هذا البلد الواقع في الساحل الأفريقي، علاوة على الحديث المتجدد حول دور التأثيرات الإثنية في هذه المنطقة، بخاصة أن بازوم يعد أول رئيس من الأقلية العربية التي تقع في قلب الصراعات في منطقة معروفة بالتنوع العرقي وتشابكاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس في النيجر وحدها بل في عموم منطقة الساحل، فما هي القبائل التي توصف بالعربية؟ وما هي الأدوار التي تلعبها في تاريخ هذه الدول؟ وما الحركات التي تمثلها كمجموعة سكانية وحراك سياسي؟

تاريخ الحضور

يذكر المؤرخون أن وجود العرب في هذه المنطقة يعود للقرن السابع الميلادي مع الفتوحات الإسلامية لشمال أفريقيا، فيما تعزز حضورهم أكثر مع حكم دولة المرابطين بعد سقوط مملكة غانا، أقدم الإمبراطوريات التاريخية في غرب أفريقيا.

ويشير الباحث والمؤرخ المتخصص في دول الساحل عمر الأنصاري عبر مقالة نشر رابطها على موقع "إكس" إلى أن قبائل أولاد سليمان من أوائل القبائل العربية وصولاً إلى النيجر في المراحل الأولى، حيث اجتاحت جيوشهم أراضي مملكة كانم واختلطوا بقبيلة شوا البدوية ذات العادات العريقة في الرعي.

ويضيف أن قبائل أولاد سليمان تتمتع بامتداد وحضور في دول أفريقية عدة من بينها النيجر وتشاد، بينما يتركز حضورها في جنوب ووسط ليبيا، وتنحدر أصولها من قبائل بني سليم العربية العدنانية القيسية بنجد وسط الجزيرة العربية، وقد هاجرت بعض بطونها إلى شمال أفريقيا خلال القرن الـ 11.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد الأنصاري أن قبائل كاملة وبيوتات عريقة توجد في هذه الدول حالياً منذ بداية العصر الإسلامي، وتنتمي لثلاثة فروع أساس، وهي فرع من البيوتات العربية الكلاسيكية التي تنتمي للهجرات العربية الأولى المرافقة للفتح الإسلامي، وتنتسب للعدنانية والقحطانية، وفرع ينتمي للموجة الشهيرة لهجرة بني هلال تجاه أفريقيا، إضافة إلى فرع ثالث ينتمي لبيوتات مغربية وأندلسية الجذور هاجرت في عهد الدولة السعدية بالمغرب إبان هيمنتها على المنطقة.

ويوضح الأنصاري أن "وجود القبائل العربية في أفريقيا امتد من شواطئ موريتانيا على الأطلسي وصولاً إلى تنبكتو في منطقة الأزواد بمالي، ومن السنغال غرباً إلى بحيرة تشاد شرقاً، وظلت في صدارة المشهد حتى دخول الاستعمار الفرنسي نهاية القرن الـ 19، فحبست كغيرها من شعوب المنطقة في حدود جغرافية قطعت صلاتها بامتداداتها التاريخية لتصبح جزءاً صغيراً في دول حديثة أنشأها الاستعمار".

النشاط الاقتصادي

وينشط أبناء هذه القبائل ذات الأصول العربية في الغالب بمهنة الرعي، ويملكون ثروة كبيرة من الإبل والأغنام ولذلك يطلق عليهم في بعض الدول "الأبالة"، كما يتميزون بنشاطهم في التجارة بين دول المثلث الصحراوي، تشاد والنيجر وليبيا، واستطاع عدد منهم خلال العقود الماضية اقتحام حقل التصنيع والمقاولات الكبيرة.

وقد عززت هذه المكانة الاقتصادية من فرص الجيل الجديد لدخول المعترك السياسي من خلال الترشح لمناصب مهمة من بينها عضويات البرلمانات ومجالس الوزراء، وتعد النيجر الأولى من حيث تمكين أحد أبناء هذه المجموعة لمنصب رئيس الجمهورية متمثلاً بالرئيس محمد بازوم الذي أطاح به العسكر في الـ 26 من يوليو (تموز) الماضي، وأعقب ذلك التحريض على الأقلية العربية التي لا يتجاوز تعدادها في هذا البلد ما بين واحد واثنين في المئة من السكان.

في حين تشير بعض التقديرات إلى أن أعداد العرب قد تضاعفت خلال ثمانينيات القرن الماضي مع نزوح أعداد من عرب المحاميد إليها قادمين من تشاد، بسبب الجفاف الذي ضرب المنطقة وقبلها بسبب الحرب التشادية - الليبية، وحمل هؤلاء لاحقاً اسم "عرب ديفا" بسبب إقامتهم في ولاية ديفا جنوب شرقي النيجر على الحدود مع تشاد.

الدور السياسي

ويذكر الباحث في العلاقات الدولية سيدو ولد داد أن تاريخ النشاط السياسي للعنصر العربي في دول الساحل الأفريقي بدا أكثر بروزاً أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للمنطقة، مما دفع السياسي الفرنسي كزافييه كبولاني إلى تصور إمكان إقامة مشروع لقيام دولة عربية كبيرة تحمل اسم "أرض البيظان" من شاطئ نهر السنغال إلى حدود النيجر، لتمثل تجمعا كونفدرالياً للمجموعات العربية الموجودة في الساحل، وقد أخد هذا التصور صدى واسعاً حينها إلا أن المشروع أجهض في مهده، إذ تراجعت باريس عن دعم التصور ليبقى العنصر العربي متوزعاً في عدد من الدول.

وقد حاول الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه بعث هذا المشروع في محاولة لجعل بلاده مركزاً لهذا الكيان المتخيل الذي يمتد من المغرب إلى مالي، مما أثار غضب كل من الرباط وبامكو ودفع الأول إلى التراجع عن هذا الحلم.

ويؤكد الباحث الموريتاني أن ثمة أكثر من 50 قبيلة في جمهورية مالي تعود أصولها للعمق العربي وترتبط بعلاقات دم ومصاهرة مع قبائل في كل من الجزائر وموريتانيا وليبيا، لعل أهمها قبائل الأشراف والجعافرة وأولاد عيش وأولاد ملوك وأولاد غنام والنواجي وغيرها، وواجهت هذه القبائل صنوف الاضطهاد والاستهداف والتهجير لجهة أصولها العربية مما دفعها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى تأسيس "الجبهة العربية الإسلامية لتحرير أزواد" كأول تنظيم مسلح يدافع عن حقوق المجموعة العربية في مالي، وقد شارك لاحقاً في عدد من المفاوضات مع الحكومات المالية المتعاقبة. 

من جهة أخرى، تعتقد المجموعات الأفريقية في النيجر بما فيها مؤيدو الانقلاب العسكري الأخير على بازوم، أن الأخير تورط في تشكيل وحدات عسكرية موازية للجيش يتم وصفها بـ "كتائب العرب" لدعم قوات الدعم السريع السودانية، نظراً إلى التداخلات العرقية والعشائرية بين المجموعة التي ينحدر منها بازوم (عشيرة الميايسة التي تعد جزءاً من أولاد سليمان)، وبين قبيلة الزريقات التي ينتمي إليها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إلا أن أنصار بازوم ينفون تلك التهم مؤكدين عدم وجود أية علاقات عسكرية مع الميليشيات السودانية.

وعلى الجانب السوداني أيضاً كانت تلك التهم جزءاً من الحملة الإعلامية الموجهة ضد قوات "حميدتي"، لا سيما وأن الانقلاب على بازوم تزامن مع بعض التراجعات لارتكازات قوات الدعم السريع في ميدان المعركة.

العزلة الثقافية

من جهة أخرى، يرى سيدو ولد داد أن المجموعات العربية في دول الساحل وعلى رغم امتداداتها التاريخية والجغرافية في هذه المنطقة إلا أنها تعاني عزلة ثقافية وسياسية، ويوضح أن التعليم الذي يعتمد اللغة الفرنسية وضع هذه المجموعة بين الاندماج في الثقافة الفرنسية والتخلي عن لغتها العربية، بخاصة في مجالات التعليم والإدارة والتعاملات التجارية مواكبة لواقع هذه الدول، وبين المحافظة على لغتها من خلال تأسيس مدارس باللغة العربية، وبالتالي مكابدة واقع العزلة الثقافية. 

وأسهمت لغة التعليم والإدارة إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها هذه البلدان في عزلة تلك المجموعة عن امتداداتها في الدول العربية، ووجدت نفسها كأقليات في دول حبيسة، كما أسهم الواقع السياسي والدبلوماسي العربي الذي لا يضع هذه الدول في مركز اهتمامه، في مضاعفة عزلة هذه المجموعات التي تعيش بعيدة من جذورها، وفي الوقت ذاته تعاني الاستهداف في محيطها المحلي مما دفع أعداداً كبيرة من أبناء هذه القبائل للجوء إلى موريتانيا خلال فترات تاريخية متباعدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير