ملخص
طرح الكرملين هذه السنة كتباً مدرسية جديدة في مادة التاريخ، تصف أوكرانيا بأنها "دولة قومية متطرفة": كيف يحاول بوتين تلقين الشبان الروس عقائديا بتشجيعهم على "التضحية بالنفس"
نبه خبراء إلى أن كتباً مدرسية روسية تشيد بغزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا، قد تهدف إلى تشجيع روح "التضحية بالنفس" بين تلامذة المدارس.
وكانت السلطات الروسية قد طرحت في سبتمبر (أيلول) الفائت، كتب تاريخ مدرسيةً جديدةً في المدارس، تصور أوكرانيا على أنها "دولة قومية متطرفة"، تقوم الولايات المتحدة باستخدامها "كبش فداء" من أجل "تدمير روسيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويزعم أحد فصول تلك الكتب أن عضوية أوكرانيا في "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، من الممكن أن تكون سبباً في إشعال حرب كارثية، ومن المحتمل أن تؤدي إلى "انهيار الحضارة"، وهو السيناريو الذي كان يتعين على روسيا أن تعمل على منع حدوثه.
ورأت ياروسلافا باربييري، وهي أكاديمية ومؤلفة عشرات المقالات المتعلقة بالشؤون الروسية، أن الكتب المدرسية والدروس التي تعلم اليافعين طرق استخدام طائرات بلا طيار، كانت جميعها جزءاً من خطة أوسع نطاقاً.
وقالت السيدة باربييري الباحثة في الدكتوراه في "جامعة بيرمنغهام" لـ "اندبندنت"، إن "التربية الوطنية ليست مفهوماً جديداً في روسيا، لكنها اكتسبت زخماً جديداً في عهد فلاديمير بوتين، بحيث أصبحت تشكل محاولة لغرس عقيدة المساواة بين الوطنية والتضحية بالنفس في أذهان الأجيال الناشئة".
وأشارت الخبيرة في الشؤون الروسية أن الكتاب المدرسي - الذي يتضمن 28 صفحة عن تورط روسيا في حرب أوكرانيا - يهدف أيضاً إلى إقناع الجيل الناشئ بأن روسيا "كانت دائماً محاطة بأعداء".
واعتبرت أن "المسألة هي أشبه باستراتيجية تهدف إلى عسكرة الشبان، ودفعهم إلى الاعتقاد بأنهم محاطون بأعداء دائمين، وبتهديدات لا تنتهي، وبالتالي يقتضي واجبهم خدمة الدولة".
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أقرت في يوليو (تموز) الفائت، خططاً لدروس جديدة تستهدف تعليم تلامذة المدارس طرق تشغيل طائرات مسيرة، واستخدام بنادق هجومية، ورمي قنابل يدوية.
وأوضح نائب وزير الدفاع الروسي رسلان تساليكوف، أن البرنامج سيتضمن المعلومات التشغيلية الأساسية، وطرق مواجهة أسلحة العدو، بما فيها الطائرات بلا طيار.
ورأت السيدة باربييري أن هذا التطور يشكل دليلاً على أن الكرملين أدرك الطبيعة المتغيرة للحرب، والاستخدام المكثف من جانب أوكرانيا لطائرات مسيرة من النوع التجاري، إضافة المساهمة في تعزيز ثقافة النزعة العسكرية داخل المجتمع.
كاتي ستالارد الزميلة العالمية في "مركز ويلسون" للأبحاث Wilson Center، أشارت إلى أن فلاديمير بوتين كان دائماً مهووساً بالتاريخ، وأن الكتب المدرسية تعكس رغبته في إحكام قبضته على السرديات التاريخية لروسيا.
وقالت لـ "اندبندنت" إن "بوتين ضخ أموالاً واستثمر موارد حكومية كبيرة في التعليم الوطني والمبادرات ذات الصلة طيلة العقدين اللذين قضاهما في منصبه. وكان واضحاً منذ فترة طويلة أن هدف بوتين يمتد إلى ما هو أبعد من الترويج لنسخة مجيدة ومثالية من تاريخ روسيا، إذ كان يسعى إلى مواجهة التحديات التي تعترض الروايات الرسمية، كي يتمكن في نهاية المطاف من ترسيخ قبضته على السلطة".
وتبين أبحاث أن في الفترة الممتدة ما بين عام 2016 وعام 2020، خصصت الموازنة الفيدرالية الروسية نحو 18.5 مليون جنيه استرليني (22.6 مليون دولار أميركي) للتعليم العسكري الوطني. وتوضح أن الجيش الروسي والمدارس والنوادي يشكلون معاً نواة تنفيذ التعليم العسكري الوطني.
وتلفت السيدة ستالارد إلى أن "التحكم بالسرديات التاريخية أصبح ضرورة تشكل أولوية سياسية بالنسبة إلى السيد بوتين، الذي يسعى إلى ترسيخ سلطته في السياق الراهن، خصوصاً منذ قيامه بغزو واسع النطاق لأوكرانيا".
لكن على رغم ذلك، "لم تؤد جهود الكرملين في التلقين العقائدي إلى اصطفاف طوابير من الجنود المحتملين خارج مكاتب التجنيد"، على حد تعبير السيدة ستالارد.
وتضيف قائلة: "ما حدث في الواقع هو العكس، فقد شددت الحكومة القيود لجعل تجنب الخدمة العسكرية أكثر صعوبة على المواطنين. وتشير أدلة محدودة إلى أن ذلك سيؤثر بشكل كبير في المجهود الحربي الروسي على المدى القصير لجهة حشد دعم شعبي قوي".
وكان قد فر من روسيا في فبراير (شباط) من عام 2022، ما يُقدر بنحو 300 ألف شخص بعد التوغل العسكري في أوكرانيا. وتشير بعض التقديرات إلى أن هذا العدد ارتفع إلى نحو 700 ألف بحلول نهاية السنة.
واعتبرت السيدة ستالارد أن "فرض ضوابط أكثر صرامة على التعليم، لا يضمن نجاح السيد بوتين من جهة، ولا يكفل من جهة أن الناس سيقبلون بلا شك المحتوى المقدم لهم في كتب التاريخ المدرسية".
ورأت أن "النهج السوفياتي لم يحقق في المقابل النجاح هو الآخر. فالناس أصبحوا ماهرين في اختيار التعابير المقبولة علناً التي تصف مشاعرهم، فيما هم في الواقع يخفون سخطهم واستياءهم في السر".
© The Independent