Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

هل ترى المرأة في الفصل بين الجنسين تكريما أم تمييزا؟

متخصصون يرون أن الإسراف في حمايتها يزيد من ضعفها ولا يقضي على مشكلة التحرش

تعتبر الأمم المتحدة التمييز ضد المرأة انتهاكاً لمبدأ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان (مواقع التواصل)

ملخص

الفصل بين الجنسين... هل هو مزيد من التمييز ضد المرأة؟

"نظراتهم أحياناً تجعلني أشك بأنني أفعل شيئاً غير مقبول، لكنني لست على خطأ"، هكذا تصف شيرين صلاح شعورها داخل إحدى عربات المترو غير المخصصة للسيدات في مصر. ما تحكيه شيرين يتشابه مع أخريات يرَين في تخصيص أماكن للمرأة وأخرى للرجل، ليس فقط داخل عربات المترو، تمييزاً ضد النساء ولا يتسق مع الدعوة إلى المساواة بين الجنسين التي يطالب بها المجتمع الدولي والتي باتت بوصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "أكبر تحدٍّ لحقوق الإنسان في عالمنا".

تفرقة وتقييد

تعتبر الأمم المتحدة التمييز ضد المرأة انتهاكاً لمبدأ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، كما أنه عقبة أمام مشاركة المرأة على قدم المساواة مع الرجل ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية.

وتصف الأمم المتحدة التمييز ضد المرأة في اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز بأنه "أية تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس ويكون من آثاره أو أغراضه توهين أو إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية".

تقول شيرين التي تعمل في أحد مكاتب إعداد مواد لمواقع التواصل الاجتماعي بمحافظة الجيزة في مصر، إنها لا تحب ركوب إحدى عربتي السيدات في المترو، وتسأل "ألسنا جميعاً على قدم المساواة؟"، مضيفة "ذلك الفصل الذي بموجبه لا يحق للرجال ركوب إحدى هاتين العربتين وإلا تعرض لغرامة، لا يكافح التحرش بجميع أشكاله، وربما كان سبباً في زيادته".

"هذه لحظات أمان موقتة وزائفة، فسرعان ما نخرج إلى الشارع، ونرى التحرش موجوداً في أماكن عدة، محاربة ذلك التصرف المرفوض لن تكون بالتقييد"، تحكي شيرين (32 سنة) التي تعرضت لمواقف صعبة تتعلق بالتحرش في أماكن مختلفة، مضيفة "كذلك نرى أحياناً رجالاً يركبون عربات السيدات ويتعرضون لمشكلات على خلفية ذلك الفعل، في رأيي ذلك ليس حلاً، وإنما العمل على مواجهة التحرش هو الحل".

في أكثر من مرة سارعت سيدات إلى تصوير رجال يقتحمون عربات السيدات، وتلاقي مثل هذه الفيديوهات انتشاراً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كانت محدودة العدد، ويتعرض صاحب الموقف للمساءلة ويخضع للغرامة على تصرفه.

يقول أحد ركاب المترو إن تخصيص عربتين للسيدات داخل المترو يربك الرجال أحياناً، كما أنه يجعل عرباتهم أكثر ازدحاماً، ووفق منطقه "فإن نسبة العاملات من النساء أقل من الرجال، لذلك تخصيص عربتين كثير".

في العالم العربي

وتتزايد نسبة العاملات من النساء في العالم العربي بحسب أرقام صادرة عن منظمة العمل الدولية، إذ وصلت إلى 18.4 في المئة من نسبة إجمالي العمال، لكنه المعدل الأدنى عالمياً، فالمتوسط يصل إلى 48 في المئة، لكن المنظمة نفسها تلفت إلى زيادة نسبة العاملات في الوطن العربي تدريجاً، وإن لم يكن بالقدر المطلوب، وفي مصر تعول المرأة نحو 4.4 مليون أسرة بنسبة 17 في المئة من إجمالي الأسر بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الوطني.

وفي ما يتعلق بالمواصلات، فإن الأمر منتشر في بعض الدول العربية باختلاف الشكل، فأعلن المغرب من قبل تخصيص حافلات خاصة للنساء فقط باللون الوردي لتقليل ظاهرة التحرش في وسائل النقل العامة، وانقسم المغاربة آنذاك في شأن تلك الحافلات بين من يرون أنها أحد أوجه التمييز ضد المرأة، ومن يعتبرون أنها أمر جيد لحمايتهن من أخطار التحرش.

 وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تخصص مقاعد أمامية في الحافلات العامة للنساء في أبو ظبي ودبي، كما تتوافر سيارات أجرة وردية للنساء في بعض الإمارات مثل العين والشارقة.

في اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي نصت عليه الأمم المتحدة عام 1979، فإن الدول الأطراف عليها العمل على تدابير عدة، كان من بينها تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى التي تقوم على اعتقاد بأن أحد الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو حتى تنميط الأدوار للرجل والمرأة.

تقول الأستاذة في علم الاجتماع هالة منصور إن حماية المرأة وتقديرها أمر مطلوب، والتعنت ضدها مرفوض بالتبعية، ويجب أن يكون التعامل معها في إطار الآدمية لأنها في نهاية المطاف إنسان كامل الأهلية وتملك مقومات تستطيع الدفاع بها عن نفسها.

لكنها توضح في الوقت نفسه خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية" أن الإسراف في حماية المرأة ربما يزيد من ضعفها ويجعلها كما لو أنها أقل كفاءة من الرجل، "هذه المبالغة في تخصيص أماكن لهن قد يكون مردودها عسكياً ويتم النظر إليها باعتبارها ضعيفة، فهذا تمييز ضد الإنسانية، وليس المرأة فقط".

ثقافة مغلوطة

تعتقد منصور بأن حماية النساء في الأماكن المزدحمة، أو توفير مقاعد مخصصة لهن أمر مقبول، لكنها لا تعتبر ذلك وسيلة لمواجهة التحرش أو القضاء عليه، فـ"في رأيي أن توفير أماكن للمرأة في المواصلات له علاقة بالازدحام في حد ذاته وليس بالتحرش، والتعامل مع الإنسان على أنه وحش يجب عزله حتى لا يقع في الخطأ ثقافة مغلوطة".

تتفق شيماء مرسي، المقيمة في محافظة القاهرة، مع ذلك الرأي، وترى أن توفير مكان للمرأة داخل وسيلة مواصلات أفضل لها، إذ تستطيع العثور على مكان ومقعد شاغر بسهولة، تقول "لنكن واقعيين، نسب الرجال في الشارع أكبر بكثير من السيدات، لذا فإن تخصيص أماكن لنا هو الأفضل، ولا أعتبر ذلك تمييزاً سلبياً بل إنه إيجابي".

لا يتعلق التمييز بالفصل بين الجنسين في وسائل المواصلات فحسب، بل يمتد إلى أماكن أخرى، فمنذ أيام أعلن النائب الكويتي محمد هايف، وهو رئيس لجنة تعزيز القيم في مجلس الأمة الكويتي، أن لجنته اتفقت مع وزير التربية ووزير التعليم العالي والبحث العلمي على إلغاء الاختلاط في جامعة الكويت داخل جميع الكليات التي تشهد شعباً مختلطة.

واستند الهايف، كما قال في حديث صحافي، إلى قانون حول منع الاختلاط صدر عام 1996 ويفرض فصلاً بين الطلبة والطالبات في الجامعة، كما ينص على الاحتشام والمظاهر الأخلاقية في الجامعة، وجرت مناقشة الاختلاط والتشبه بالجنس الآخر بحضور وزراء ومسؤولي جامعة الكويت وعدد من عمداء الجامعة، وقد تم اعتبار أن الاختلاط مخالف للقوانين ولأخلاق المجتمع الكويتي والشريعة الإسلامية التي "وضعت معايير وضوابط للحفاظ على أخلاق الشباب حتى لا يكونوا عرضة لمسألة تتعارض مع الشرع".

ولقي الأمر اعتراضاً من كثيرين، إذ نظم نحو 200 من طلبة جامعة الكويت اعتصاماً ورفعوا لافتات مختلفة كان منها "لن نسمح بالتدخلات الخارجية في جامعة الكويت، مستقبل طلبة جامعة الكويت خط أحمر، واجب على الإدارة الجامعية احترام حكم المحكمة الدستورية".

وكانت المحكمة الدستورية في الكويت رفضت الطعن بعدم دستورية القانون عام 2015، لكنها قالت في الحكم إن "القانون لم يحدد كيفية تحقيق الفصل بين الطلبة والطالبات في المباني وقاعات الدرس، إذ يكفي لتطبيقه وضع أماكن خاصة للطالبات في القاعات ذاتها".

وفي تقرير نشرته الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) عام 2022 جرى إعداده من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة وتناول عدداً من المشكلات المتعلقة بحماية المرأة، قال إنه "بالمعدل الحالي للتقدم، سيستغرق الأمر ما يصل إلى 286 عاماً لسد الثغرات في الحماية القانونية وإزالة القوانين التمييزية".

وصاية غير مقبولة

على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشر فيديو لطالبة في جامعة الكويت وهي تتحدث عن الفصل بين الجنسين ومنع الاختلاط، معتبرة أن الفكرة غير منطقية، فـ"وزارة الأوقاف مختلطة، وكل إنسان مسؤول عن نفسه، وأنا مسؤولة عن نفسي وعن تطبيق القيم الأخلاقية الخاصة بي"، ثم تناولت عدداً من الأمور مثل أن المحاضرين والعمال والإداريين رجال، واصفة الأمر بـ"وصاية غير مقبولة"، وعلى رغم الإشادة الكبيرة بحديث الطالبة، فإنها واجهت تعليقات اعتبرها بعضهم مسيئة.

لكن آخرين سارعوا إلى الدفاع عن القرار، داعين بقية الجامعات في الدول الإسلامية إلى اتخاذ قرارات وخطوات مماثلة، وكان أحد هؤلاء الداعية المصري عبدالله رشدي الذي كثيراً ما أثار الجدل بحديثه حول المرأة، فاعتبر في منشور له أن الاختلاط في هذه المرحلة العمرية يصنع كثيراً من الأزمات العاطفية، ويصرف أذهان الطلبة إلى قضايا شخصية بعيداً من التحصيل العلمي، مذكراً بجامعة الأزهر التي تفصل في التعليم بين الجنسين.

لكن دار الإفتاء المصرية، وهي مؤسسة دينية رسمية معنية بإصدار الفتاوى، سبق أن تناولت الاختلاط واعتبرت أنه أمر لا مانع منه سواء في المدارس أو وسائل المواصلات وغيرها من الأماكن العامة، ما دام أن ذلك يحصل بمراعاة الآداب والتعاليم، وسبق لأحد العاملين في دار الإفتاء أن قال إن الاختلاط غير المقبول هو ما تصدر فيه تصرفات غير لائقة، لكن الاختلاط لا يعد حراماً في حد ذاته، ما دام أن هناك التزاماً بين الرجل والمرأة بالتعاليم الدينية.

تقول ريم مصطفى، وهي شابة مصرية أنهت دراسة الحقوق، إن منع الاختلاط في الجامعات أمر غريب لا يستقيم والدعوات إلى المساواة، "أتذكر جدلاً حول محاضر كان يقوم بنصح الطالبات بالابتعاد من مكان جلوس الطلاب، ويدعو إلى الفصل بينهم بحجة أن ذلك أكثر أماناً لهن، لكن أين المشكلة، فالمكان مراقب ويخضع للقوانين ولن يكون هناك تحرش أو اعتداء من أي نوع؟".

تعتبر ريم أن ذلك قد يرسخ أيضاً الصورة النمطية المغلوطة حول المرأة ويجعلها دائماً في خانة الطرف الضعيف، "وكذلك سيتم النظر إليها بصورة جنسية ربما لأنها معزولة طوال الوقت، هذا المنع لا يؤدي إلى خير أبداً"، رافضة جميع أشكال الفصل بين الجنسين من دون داعٍ حقيقي، فـ"الأصل أن تكون هناك توعية وتثقيف وتعليم جيد، لكن النظر إلى الأمر من زاوية الفصل فقط يعد تمييزاً ولن يحقق شيئاً في نهاية المطاف".

بين الوقت والآخر، تظهر أماكن تخصص مواقع للسيدات فقط مثل بعض المطاعم والمقاهي وأحياناً الشواطئ، وربما كان هناك تمييز في الأمر بين امرأة وأخرى بناء على المظهر كغطاء الشعر، وهي أمور تثير جدلاً كبيراً ونقاشاً مطولاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيدي الفكرة ورافضيها باعتبار أن ذلك يزيد من التمييز ضد المرأة.

اختلاط العمل

هذه الأمور تعيد التذكير بما جرى في مصر عام 2007 حين تحدث أحد أساتذة جامعة الأزهر آنذاك حول "إرضاع الكبير" حتى لا تكون الخلوة (الجلوس منفرداً مع امرأة ليست من محارمه) محرمة داخل أماكن العمل، وعلى رغم اعتذار صاحب الفتوى فإن الأزهر أوقفه عن العمل وأحاله إلى التحقيق، معتبراً أن حديثه يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي ويخالف التربية والأخلاق، لكن بعد ذلك أصدر مجلس التأديب قراراً بفصل صاحب الفتوى من العمل في الجامعة، وهي حكاية شهيرة يتذكرها مؤمن مصطفى (53 سنة) الذي يعمل في إحدى شركات الترجمة بالقاهرة، إذ يقول "لم يعد الحديث عن منع الاختلاط في العمل، أو الفصل بناء على الجنس هاجساً لدى بعضهم، المجتمع يتغير والأفكار تتطور".

وتوضح أستاذة علم الاجتماع عبلة البدري لـ"اندبندنت عربية" أنه يجب التفرقة بين الفصل بين الجنسين في ظروف معينة والفصل بشكل عام، ففي حال وسائل النقل والأماكن المزدحمة من الأفضل للمرأة أن تكون هناك أماكن خاصة بها، لكن في ما يتعلق بالجامعات فإن الفصل بين الجنسين أمر مغلوط"، شارحة أن "السخافات التي قد تتعرض لها المرأة في المواصلات لن تتعرض لها في الجامعات أو مؤسسات العمل".

وتعتبر أن الفصل بين الجنسين في بعض الأماكن قد يحدث نتيجة عكسية من منطق أن "الممنوع مرغوب"، وستكون هناك نظرة جنسية أكبر تجاه المرأة وتنميطاً أكثر في حقها، و"نحن جميعاً بشر متساوون في الحقوق والواجبات، وهذا هو الأصل، إن تعزيز هذه الأمور هو الحل وليس الفصل بين الجنسين".

وتشدد البدري على أمور عدة تكفي لمواجهة ظواهر سلبية كالتحرش في الأماكن المغلقة أو المفتوحة مثل التوعية في جميع المنصات والتربية وتطبيق القانون، وتقول "الأمر يبدأ من الطفولة ومن التعليم والتأكيد على ضرورة احترام الجميع وإعطائهم مساحاتهم الخاصة وعدم التضييق عليهم. الفصل ليس حلاً، التوعية دائماً هي الحل".

المزيد من تحقيقات ومطولات