يرصد متابعون للشأن العراقي، ملامح لتشكل جبهتين داخل قوات الحشد الشعبي، اختارت الأولى أن تبقى في صف الحكومة، ملتزمة بالقرار الرسمي، فيما تميل الثانية بوضوح إلى موالاة إيران.
سلطت هجمات إسرائيلية مفترضة، على مواقع تضم أسلحة وأعتدة، لم تعترف بها تل أبيب أو بغداد رسمياً، الضوء على خلافات عميقة في أعلى هرم القيادة لقوات الحشد الشعبي.
بينما سارع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، إلى اتهام إسرائيل بتنفيذ هذه الهجمات، بعد الحصول على تسهيلات أميركية، فضل رئيس هيئة الحشد الشعبي التريث في تحديد الجهة الفاعلة، إلى حين انتهاء التحقيقات الرسمية.
مع دخول الرئيس العراقي برهم صالح على خط التهدئة والاحتواء، بدا واضحاً أن الانقسام في قيادة الحشد الشعبي هو حقيقة، وليست مجرد تأويلات.
في خضم حراك الرئيس العراقي، استضاف صالح قادة من الحشد الشعبي في مناسبتين، حضر كليهما رئيسا الحكومة والبرلمان.
واللافت أن الاجتماع الأول شارك فيه المهندس وغاب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، فيما حضر الفياض الاجتماع الثاني بغياب المهندس.
في هذه الأثناء، تسرب أن المهندس منع وسائل الإعلام التابعة للحشد الشعبي، من نشر أي أخبار تتعلق بأنشطة الفياض، بما في ذلك البيان الرسمي الذي تحدث فيه الأخير عن التزام جميع قوى الحشد بالقرار الحكومي، بشأن الهجمات الإسرائيلية المفترضة على بعض المواقع.
في المقابل، كشفت مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية"، أن "طهران أرسلت في طلب الفياض، خلال الأيام القليلة الماضية، وزارها فعلاً، برفقة أحد كبار المسؤولين في الحكومة العراقية، لفهم أبعاد الخلاف مع المهندس".
وتوضح المصادر أن "الفياض كان صريحاً مع الإيرانيين بشأن وجهة نظر الحكومة العراقية للهجمات الإسرائيلية المفترضة على مواقع الحشد الشعبي، إذ أبلغهم أن بغداد لم تحدد الجهة المعتدية بعد، لذلك فإن التصعيد ضد الولايات المتحدة في هذا التوقيت سيضر بمصالح البلاد".
أمرة الحكومة العراقية
بعد عودة الفياض من طهران، ظهر المهندس في مؤتمر صحافي، ليقول إنه ما زال يعمل تحت أمرة الحكومة العراقية، مصراً على اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن مهاجمة مقرات الحشد الشعبي في العراق، برعاية أميركية. وقال المهندس إن الحشد الشعبي سيرد.
شكلت هذه التصريحات تحدياً جدياً للحكومة العراقية، لكنها عمقت من إحساس الطبقة السياسية في البلاد، بأن الحشد الشعبي يتعرض لانشقاق حقيقي، في مستوى قيادته على الأقل.
يضع مراقبون موقف الفياض المساند للحكومة، إلى جانب موقفين آخرين في الساحة العراقية، الأول مثله صمت المرجع الأعلى للشيعة الاثني عشرية في العراق والعالم، علي السيستاني، على التطورات الأخيرة وملف قصف مقرات الحشد الشعبي، وجاء الثاني من خلال رجل الدين الشيعي، صاحب التأثير الواسع، مقتدى الصدر، الذي شكك أساساً في رواية أن إسرائيل هي المسؤولة عن الهجمات المذكورة.
قرأ المراقبون صمت السيستاني وإعلان الصدر، على أنهما إشارات دعم للموقف الحكومي، الذي يفضل تجنب التصعيد مع الولايات المتحدة، أو الحديث العلني عن تورط إسرائيل في الهجمات على مواقع الحشد.
يحظى السيستاني بتأثير واسع في صفوف عدد كبير من مقاتلي الحشد الشعبي، الذين يتبعون نظريته الدينية، وتُعامل التعليمات التي يصدرها باحترام كبير، بينما يوصف الصدر بأنه الزعيم الديني صاحب الشعبية الأكبر في البلاد، ويملك قوة عسكرية كبيرة، تحمل اسم سرايا السلام، بادرت إلى إعلان التزامها الكامل بالقرار الحكومي.
يقف هذا المعسكر الثلاثي الذي يدعم الحكومة، في مقابل معسكر آخر موال لإيران، يقوده المهندس، مسلحاً بعدد كبير من المقاتلين العقائديين.
ويراهن المهندس على دعم كتائب حزب الله، فضلاً عن حركة النجباء بزعامة أكرم الكعبي، وحركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي.
فيما يقول مراقبون إن ميزان القوة العسكرية ربما يميل إلى الجانب الإيراني داخل قوى الحشد الشعبي في هذه المعادلة، لكن تأثير السيستاني الديني وقوة الصدر على المستوى الشعبي، ربما يشجعان الفياض على الصمود.
تتسق هذه القراءة مع واقع أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، منذ بدء الأزمة الحالية، سعى إلى الاستعانة بأكبر قدر من المراكز القانونية في الدولة، لتحصين موقفه، إذ ترك قيادة الحراك لرئيس الجمهورية، تجنباً للحرج الذي يمكن أن يواجهه أمام الإيرانيين، وأظهر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي في الصورة مراراً، مع سلسلة من اللقاءات مع قادة الجيش والقوات الجوية وكبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين.