تحظى قضية "صندوق الجيش الكويتي" باهتمام إعلامي وشعبي كبير باعتبارها من أكبر ملفات الفساد في البلاد، المتعقلة بالاستيلاء على 800 مليون دولار من أموال الصندوق المخصص لمساعدة العسكريين.
وأرجأت محكمة التمييز الكويتية الحكم في قضية "صندوق الجيش" إلى جلسة الـ26 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، التي يحاكم فيها عدة مسؤولين في الدولة أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك الصباح ووزير الداخلية الأسبق الشيخ خالد الجراح الصباح.
وكانت لجنة التحقيق في محكمة الوزراء أحالت قبل عامين مجموعة من منسوبي وزارة الدفاع في صندوق الجيش على خلفية صرف مبالغ مالية لبعض المسؤولين.
تهديد وترهيب
وفي مارس (آذار) من العام الماضي، حصل المتهمون على حكم بالبراءة من محكمة الوزراء، إلا أن محكمة التمييز الكويتية طعنت على حكم البراءة الذي صدر في حق الموكلين المبرئين، والذي قضى بها رئيس الدائرة الأولى في محكمة التمييز المستشار سلطان بورسلي، الذي تعرض لعملية ترهيب، الأسبوع الماضي، وتهديده بالقتل ومحاولة حرق سيارته وسور منزله من قبل مجهولين تزامناً مع صدور الحكم النهائي في قضية صندوق الجيش.
من جهته قال وزير الإعلام الكويتي الأسبق سعد بن طفلة، على حسابه عبر منصة "إكس"، "فقط في دول المافيات وعصابات المخدرات والدول الفاشلة يتم تهديد واختطاف وقتل قضاة العدالة وأسرهم لثنيهم عن إصدار أحكامهم وفق ما يمليه القانون والضمير الحي المحايد".
وجاء الرد الأول من أبرز المتهمين حول حادثة التهديد، حيث علق الشيخ جابر معبراً عن استيائه من ربطها بالقضية التي يحاكم فيها. وقال في بيان صحافي، الأحد الماضي، إن "محاولة التأثير في السلطة القضائية ترهيباً أو ترغيباً هي مساس بأهم مقومات كيان الدولة والملقى على عاتقها تطبيق العدل"، واصفاً ربط تهديد المستشار بورسلي بالقضية بالأكاذيب والسلوك الشائن. وتوعد بالتصدي لمحاولات النيل من سمعته.
إجراءات مشددة
شهدت قاعة محكمة التمييز الكويتية برئاسة المستشار سلطان بورسلي إجراءات أمنية مشددة لتأمين جلسة النطق بالحكم، وتم تخصيص حماية شخصية له، في ما لوحظ انتشار دوريات الأمن، كما منع دخول ممثلي الصحافة ووسائل الإعلام إلى قاعة نظر القضايا اليومية المخصصة للتداول.
وتوقعت الأوساط السياسية والشعبية في الكويت صدور حكم من محكمة التمييز في الطعن المقدم من النيابة العامة على براءة رئيس مجلس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك، ووزير الدفاع والداخلية الأسبق الشيخ خالد الجراح وآخرين في قضية "صندوق الجيش".
وكانت محكمة التمييز الجزائية قررت تأجيل النطق بالحكم في قضية صندوق الجيش إلى جلسة، الأحد المقبل، بعدما كان مقرراً إصداره، الأحد الماضي.
تبرئة سابقة
وسبق أن قضت محكمة الوزراء برئاسة المستشار نصر آل هيد ببراءة رئيس مجلس الوزراء الأسبق الشيخ جابر المبارك ووزير الداخلية والدفاع الأسبق الشيخ خالد الجراح ووكيل وزارة الدفاع السابق جسار الجسار، وفهد الباز (ملحق عسكري سابق في لندن)، وعلي العساكر (ملحق عسكري سابق في البحرين)، وعادل العنزي (ملحق عسكري سابق في لبنان)، وسمير مرجان (أمين صندوق الجيش السابق بوزارة الدفاع)، وحمد البنوان (أمين صندوق الجيش)، ووائل الفريح (مدير مكتب وزير الدفاع) ضابط برتبة عقيد من جميع التهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها بقضية (صندوق الجيش)، إن الأموال التي صرفت من الودائع والحسابات محل الاتهام تم التصرف بها بمعرفة وموافقة أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد في أمور تتعلق بالأمن القومي ومصالحه العليا مما جعلها بمنأى عن الرقابة عليها، وعليه أصدرت المحكمة حكمها بالبراءة لجميع المتهمين في القضية.
صندوق الجيش
يعرف صندوق الجيش بأنه مشروع تنموي اجتماعي، أنشئ في وزارة الدفاع، بهدف تقديم خدمات اجتماعية إنسانية لمنتسبيها، تتفرع خدماتها المالية بدءاً من تقديم قروض للمنتسبين إلى المؤسسة العسكرية، بقيمة أربعة آلاف دينار للضباط (13 ألف دولار)، و2500 دينار لضباط الصف والأفراد (8 آلاف دولار).
ويتولى الصندوق إقامة المناسبات الاجتماعية والعسكرية والمساهمة بها، ابتداء من الاحتفالات الوطنية وتكريم ذوي الشهداء في الجيش، في حين أن الموازنة المالية المخصصة لهذا الصندوق تخصم من موازنة وزارة الدفاع.
أما الصلاحيات بالصرف من تلك الصناديق، فقد أعطيت لوزير الدفاع أو من يفوضه للصرف، على أن ترفع الحسابات إلى وزارة الدفاع قبل إغلاق الحساب الختامي للوزارة مرفقة بها أذونات الصرف والفواتير.
وعليه استندت محكمة الوزراء، في حكمها ببراءة جميع المتهمين في قضية صندوق الجيش، إلى أن الأموال التي صرفت من الودائع والحسابات محل الاتهام، تم تخصيصها والتصرف فيها (تحت مظلة الشرعية لاعتبارات سيادية تتعلق بالأمن القومي).
اغتيال سياسي
وعن واقعة تهديد المستشار سلطان بورسلي، التي سبقت رئاسته جلسة "صندوق الجيش" في الكويت، أمس، قال المحامي الكويتي عبدالكريم المجهول، إن "تكييف الواقعة بأنها محاولة اغتيال للمستشار سلطان فيها تعد على معطيات الواقع".
وأضاف "أما إذا ثبت فعلاً النية في ذلك، أي حرق المركبة وهو داخلها، ولم يجده فإن قانون الجزاء لرقم 16 لعام 1960 يحدد عقوبة الفاعل بالإعدام".
وعن سؤاله هل ستقيد قضية الاغتيال للمستشار الكويتي ضد مجهول؟ أضاف "لا يمكن اتهام المطعون على براءتهم بالقيام بالفعل، لأن الأصل في الإنسان البراءة، ولا يمكن اتهام الإنسان بناء على أدلة ظنية ما لم ترتقِ إلى حد مساعدة الجهات المعنية في توجيه الاتهام لاستكمال الأدلة، حتى تثبت التهمة بدرجة اليقين، وما حدث مع المستشار بورسلي من دون معرفة الجاني قطعاً ستقيد ضد مجهول، ومن يقول إن الاغتيال جاء من أجل الحكم في القضية هذا لا تسعفه أي أدلة".
واستطرد المحامي في حديثه "نحن كمحامين نجزم أن القضاء هو الملاذ الأخير لإنصاف الناس والحفاظ على حقوقهم، ولذلك نحن ضد أي هزة تعرض القضاء للانحراف عما استؤمنوا عليه أمام الله والوطن".