Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القذافي ومشاريع الوحدة العربية التي بقيت حبرا على ورق (2-2)

كان موقف الزعيم الليبي الراحل تجاه الفلسطينيين يمثل لغزاً إذ حافظ على عدد من معسكرات تدريب الفدائيين لكنه أمر أحياناً بطرد غيرهم

الزعيم الليبي معمر القذافي يتحدث خلال مؤتمر صحافي 25 نوفمبر 1973 بعد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو (أ ف ب)

ملخص

"يبدو أن النتيجة النهائية لمبادرات القذافي خلال عام 1973 هي عزلته الفعلية في العالم العربي. لا أحد يثق به. لا يبدو أن أحداً يحبه".

يستعرض السفير البريطاني في طرابلس من خلال تقريره السنوي السري، أبرز أحداث عام 1973 في ليبيا، مسلطاً الضوء على سياسات العقيد معمر القذافي الداخلية والخارجية، لا سيما تلك السياسات المرتبطة بطموحاته في تحقيق الوحدة العربية على طريقته الثورية الخاصة وعلاقاته بمنظمة التحرير الفلسطينية، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين ليبيا وبقية الدول، إذ يصف التقرير معظمها بأنها كانت تتسم بالألغاز والازدواجية.

وفي ما يلي ما جاء بنص وثيقة وزارة الخارجية البريطانية:

(1)

"كان موقف القذافي تجاه الفلسطينيين لغزاً، واصل دعم "فتح" وحافظ على عدد من معسكرات تدريب الفدائيين في ليبيا، لكنه أمر أحياناً بطرد الفلسطينيين غير الفدائيين، وقيل إنه أعطى مباركته لمذبحة مطار أثينا في أغسطس (آب)، ومن شبه المؤكد أن (ليبيا) قدمت قاذفات الصواريخ السوفياتية للعرب الذين اعتقلوا في سبتمبر (أيلول) بروما، ويشاع أنه دعم (إن لم يكن ساعد في التخطيط) مذبحة مطار روما في 17 ديسمبر (كانون الأول).

 

وأعلن القذافي إدانته للخاطفين العرب للطائرة الجوية اليابانية جامبو جيت التي هبطت في بنغازي في يوليو (تموز)، (لكن يبدو أنه أطلق سراح الخاطفين)، كما رفض مساعدة الخاطفين العرب لطائرة الخطوط الجوية الهولندية (KLM) التي هبطت في طرابلس نوفمبر (تشرين الثاني)، ويبدو أن آراء القذافي حول حاجة الفدائيين الفلسطينيين لمحاربة الإسرائيليين في إسرائيل، وعدم الذهاب إلى أهداف في أماكن أخرى، تتعارض مع دعمه لهجمات الفدائيين المتطرفة مثل تلك المذكورة أعلاه".

(2)

النفوذ الليبي في حوض البحر المتوسط

"لم تحرز سياسة القذافي في البحر الأبيض المتوسط تقدماً يذكر، على رغم أنه عزز نفوذه في مالطا، وأكد سيادته على مساحة كبيرة غير مسبوقة من المياه الدولية (خليج سرت)، وسعى، مع بعض النجاح، إلى إنشاء منطقة معلومات طيران ليبية تمتد من خط العرض 34 إلى حدوده الجنوبية، حتى إنه كان لديه الجرأة في مارس (آذار) ليأمر قواته الجوية بمهاجمة طائرة عسكرية أميركية غير مسلحة في المجال الجوي الدولي، لحسن الحظ دون تأثير.

 

كان القذافي قادراً على إقناع بعض قادة البحر الأبيض المتوسط، مثل الرئيسين مكاريوس وتيتو، بتكرار دعوته لإزالة "الأساطيل الأجنبية" من البحر الأبيض المتوسط وتحويله إلى بحر من السلام، ثم عزز علاقاته مع دول العالم الثالث من خلال التجمعات الطلابية وإرسال واستقبال الوفود والوعود بالمال، لكن بحلول نهاية العام لم يكن هناك شيء جوهري وملموس نتج من كل هذا النشاط.

تميزت العلاقات مع القوى العظمى بدعوات القذافي لفك ارتباطها بالشرق الأوسط ووعظه لأوروبا للوقوف، بشكل مستقل، ليتم ضمها للعرب، كان هذا أحد مواضيع القذافي خلال زياراته إلى يوغوسلافيا وفرنسا في ديسمبر التي تزامنت مع قمة الجزائر، وربما كانت تهدف إلى صرف الانتباه عن تلك القمة، وبرزت فرنسا مرة أخرى كمرشح أوروبي مفضل للقذافي، على رغم أنه في وقت حرب رمضان كان ينتقد علناً السياسة الفرنسية بخصوص صفقة الميراج".

(3)

الوضع الاقتصادي الليبي عام 1973

وحول الوضع الاقتصادي في ليبيا عام 1973 الذي شهدت فيه إيرادات النفط الليبية قفزة كبيرة، على غرار الدول المنتجة الأخرى في الشرق الأوسط، حيث تضاعفت العائدات النفطية بسبب الزيادة الكبيرة في سعر برميل النفط، وكانت ليبيا لفترة وجيزة خلال أكتوبر (تشرين الأول) خفضت إنتاج نفطها بنسبة 25 في المئة وذلك تضامناً مع القرار العربي في استخدام "سلاح النفط".

"ارتفع النشاط الاقتصادي والتجاري إلى مستوى قياسي في عام 1973، كان الاقتصاد المزدهر مدفوعاً بتطور متدحرج وتنمية مذهلة تؤمن الإنفاق في الفترة من الأول من أبريل (نيسان) 1973 إلى 31 ديسمبر 1975، بقيمة 1965 مليون دينار، بما في ذلك 545 مليون دينار في فترة التسعة أشهر الحالية، بزيادة قدرها 65 في المئة عن مستوى الإنفاق الإنمائي المتوخى في عام 1972، ومنحت عقود رئيسة لمقاولين إيطاليين وألمان ومصريين ويوغوسلافيين، واستمرت ملايين ليبيا في جذب الوافدين الجدد وأبدى المقاولون اليابانيون اهتماماً متزايداً.

 

وفاز مقاول تركي بمشروع تطوير ميناء طرابلس الكبير جداً، ولم يكن رجال الأعمال المحليون بطيئين في استغلال طفرة التنمية، بل أصبحوا قلقين بشكل متزايد إزاء السياسة الاقتصادية التعسفية والتدخلية للحكومة التي أدخلت قوانين جديدة تنص على مشاركة العمال في الأرباح والإدارة، وعلى زيادة الضرائب المتأرجحة لأصحاب الدخل المرتفع، وعلى رغم أن الحكومة تحركت أكثر لإعادة توزيع الثروة في عام 1973، فقد ارتفعت تكاليف المعيشة ارتفاعاً حاداً، مع حدوث نقص دوري في تلك المواد الغذائية الأساسية التي يتعامل معها احتكار الحكومة".

(4)

العلاقات الأنجلو- ليبية

يتحدث التقرير البريطاني عن الازدواجية في سياسة العقيد معمر القذافي مرة ثانية حين يتطرق للعلاقات ما بين البلدين.

"ارتفعت الواردات إلى ليبيا في عام 1973 بمعدل مذهل، ولا تزال إيطاليا، الشريك التجاري الرئيس التقليدي لليبيا، أكبر مصدر للسلع إلى ليبيا تليها فرنسا وألمانيا الغربية، حقق الموردون البريطانيون أفضل عام لهم على الإطلاق حيث تجاوزت صادراتهم 60 مليون جنيه استرليني، بزيادة قدرها الثلث عن عام 1972، وهو عام قياسي بحد ذاته، ومن شبه المؤكد أن ليبيا كانت أكبر سوق عربية لبريطانيا في عام 1973، وكانت مبيعاتنا من الأسلحة أكبر مما كانت عليه في بضع سنوات، واستغرقت المفاوضات في شأن تدريب أفراد البحرية الليبية وقتاً طويلاً.

 

اعتمد توفير الدورات على قيام الليبيين بسداد ما يقرب من مليون جنيه استرليني من الديون المستحقة للبحرية مقابل الخدمات السابقة، وبطبيعة الحال، تعقدت مبيعات الأسلحة والتدريب بسبب حظر الأسلحة الذي فرضته حكومة صاحبة الجلالة على دول الشرق الأوسط في أكتوبر بسبب الحرب العربية - الإسرائيلية".

فشل مشروع التصنيع العسكري مع مصر

"كما أبدى الليبيون اهتماماً بإنشاء صناعة للأسلحة بالتعاون مع مصر، لكن لم يتم إحراز أي تقدم، استمروا في شراء الأسلحة من فرنسا وإيطاليا والاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الشيوعية الأخرى، وعكست العلاقات الأنجلو-ليبية على مدار العام سياستنا البعيدة من الأضواء، لقد أثبت حسن التقدير أنه الجزء الأفضل من الشجاعة وخرجنا من العام بسجل تصدير جيد، ربما أفضل بنسبة 35 في المئة من عام 1972، ومع ذلك، فإن ازدواجية ليبيا تجاهنا تجلت بوضوح من خلال النداء الذي وجهه إلى رئيس الوزراء الليبي في ديسمبر للحصول على مساعدة بريطانيا ومشاركتها في التطوير الليبي، بما في ذلك إنتاج الأسلحة، بينما كانت التعليمات تصدر (مباشرة من القذافي) لخفض الواردات الليبية من المنتجات البريطانية، عالم متقلب، لكن هذه هي ليبيا".

(5)

تداعيات منع دخول حاملي جوازات السفر الأجنبية

"أدى قرار ليبيا بعدم السماح لحاملي جوازات السفر غير العربية بدخول البلاد بعد الأول من يناير (كانون الثاني)، إلى معاناة عديد من المواطنين البريطانيين (وغيرهم) في ليبيا، لقد ضاعف ذلك من مشكلات الموظفين المقيدين بالفعل، واستلزم الأمر أسابيع تناوب خلالها الموظفون في المطار للقيام بما في وسعنا للركاب الذين تقطعت بهم السبل، لقد علمنا بارتياح بقرار اتباع القيادة الفرنسية في يونيو (حزيران) في ما يتعلق باستخدام (ختم) عربي في جوازات السفر.

 

كانت المشكلات التي سببها هذا المطلب الليبي غير متناسبة تماماً مع أهمية الموضوع، وكانت هذه العقبات شاغلاً رئيساً لجميع البعثات في النصف الأول من العام".

(6)

الحصيلة النهائية لسياسات القذافي عام 1973

"يبدو أن النتيجة النهائية لمبادرات القذافي خلال عام 1973، هي عزلته الفعلية في العالم العربي، لا أحد يثق فيه، لوا يبدو أن أحداً يحبه، وفي الداخل لا يزال يهيمن على زملائه في مجلس قيادة الثورة، ومع ذلك كان هناك انتقاد محلي علني له ولسياساته في عام 1973، أكثر مما كان عليه في الماضي، لكن هذا ليس مفاجئاً لقد تجاوز عمر الثورة الآن أربع سنوات ويستمر الفريق المتوسط نفسه في إدارة البلاد، حكمهم شخصي للغاية وغير منتظم وبفضل الدخل الهائل الذي تعيشه ليبيا يمكنهم بالطبع تحمل ترف تجارب مثل الوحدة الاشتراكية العربية، واللجان الشعبية، والشركات المؤممة، وبرنامج التنمية الضخم.

 

في الخارج سعى القذافي إلى شراء الدعم، وتمويل التمردات، ومهاجمة رؤساء الدول الآخرين، لكنه خسر كثيراً من قاعدته، ربما يكون قد تجاوز ذروته، قد يكون الخطر الأكبر من القذافي في المستقبل هو دعمه للناقمين في بلدان أخرى بأمواله، ويبدو أن قيادته لم تعد تحظى باستقبال وإيجابية تذكر".

المزيد من وثائق