ملخص
حسابات التكتيك والمعارك وأسرار "الانتصارات" في حرب السودان
منذ سيطرتها على مقار ومؤسسات رسمية بحكم وجودها فيها عند اندلاع الحرب بينها وبين الجيش السوداني منتصف أبريل (نيسان) الماضي، هيمنت قوات "الدعم السريع" على معظم الأحياء وشوارع العاصمة السودانية لأكثر من خمسة أشهر، ومنذ ذلك الوقت ظلت تستهدف مقار الجيش في القيادة العامة وسلاح المدرعات والمهندسين والإشارة وقاعدتي كرري ووادي سيدنا الجوية في شمال أم درمان، من دون أن تتمكن من دخولها، كما لم يتمكن الجيش من طردها خارج الخرطوم.
ما السر والأسباب؟
في الآونة الأخيرة حققت قوات "الدعم السريع" سلسلة من المكاسب في السيطرة على معظم حاميات الجيش في نيالا والجنينة وزالنجي والضعين في دارفور ومعها قاعدة جبل أولياء العسكرية جنوب الخرطوم.
أثار ذلك التمدد قلق وحيرة المواطنين، وطرحت تساؤلات عدة حول الأسباب التي تقف وراء تطورات المعارك الأخيرة، فكيف ينظر المحللون العسكريون والمتخصصون لها؟ أين نقاط الضعف ومكامن القوة وهل ثمة دعم لوجيستي خارجي لعب دوراً في ترجيح كفة الميدان والمعادلة الحربية لصالح "الدعم السريع" ولو موقتاً؟
منذ سيطرتها على مطار بليلة في غرب كردفان، توالت المكاسب والتفوق الميداني لقوات "الدعم السريع" في دارفور، وجاء التقدم بعد أيام قليلة من سيطرتها على مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، تبعها سقوط زالنجي ثم الضعين ليصبح هدفها الجديد هو مدينة الفاشر عاصمة الإقليم.
تحول نوعي
في السياق، يوضح الباحث الأمني، ضو البيت دسوقي، أن خطط الجيش وتكتيكاته باتباع استراتيجية الاستنزاف في إدارة المعارك استغرقت وقتاً طويلاً استغل فيه الطرف الآخر طول أمد الحرب في الحصول على قدرات جديدة لم يكن يمتلكها في الشهر الأول من المعارك، لافتاً إلى أن ظهور المدافع والصواريخ الأرضية المضادة للطيران لدى "الدعم السريع" لم يكن ملحوظاً حتى مايو (أيار) الماضي، حين بدأت المسيرات وصواريخ (كورنيت) ومضادات الطيران مع أسلحة مدفعية أخرى متقدمة تشكل تحولاً نوعياً في المعارك، مما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك دعماً وإمداداً لوجيستياً متصلاً عبر الأجواء والصحراء والحدود الغربية سواء كان عربياً أو أفريقياً، لكنه موجود وأسهم في تعزيز قدرات "الدعم السريع" العسكرية وصمودها وتقدمها في عدد من المحاور لا سيما في دارفور.
مزيد من الدعم
توقع دسوقي أن تفتح سيطرة قوات "الدعم السريع" على المدن المهمة في دارفور الباب أمامها للحصول على مزيد من الدعم بخاصة بعد وضع يدها على مطارات عدة يتمتع بعضها بمدرجات ذات مواصفات دولية مؤهلة لهبوط طائرات شحن كبيرة (جامبو).
ولفت إلى أن كل ذلك سيعقد مهمة الجيش ما لم يتلق هو الآخر دعماً مماثلاً ومعادلاً، وستكون دارفور منطلقاً لتلك القوات لتعزيز وضعيتها في الخرطوم، وعينها الآن على الفاشر والأبيض في شمال كردفان، ويتحدث قادتها الميدانيون على منصة "إكس" عن طموحاتها في الوصول إلى بورتسودان.
يلاحظ الباحث الأمني أن استراتيجية الحصار المرهق مع الضغط والهجوم المباغت، التي ظلت تتبعها قوات "الدعم السريع" في إسقاط حاميات دارفور نجحت نتيجة لضعف الإمداد اللوجيستي لتلك الحاميات وانقطاعه بسبب الحصار، لكنها فشلت في الخرطوم حيث لم يمكنها التكتيك نفسه من السيطرة على القواعد العسكرية بالعاصمة، على رغم الحصار الطويل والهجمات المتكررة، نظراً إلى توفر خطوط الإمداد وتأمين انسيابه عبر طرق مختلفة.
شكوك ومخاوف
كما يعتقد الباحث أن التقدم الذي تحرزه قوات "الدعم السريع" على أكثر من محور وجبهة قتالية، سواء بالعاصمة الخرطوم أو في دارفور وبقية الأطراف، من شأنه أن يشكل أحد عناصر الضغط على قيادة الجيش، بما يصب عموماً في تغليب خيار التفاوض على المضي قدماً في الحرب، وفق القراءات المتحولة للمعادلة الميدانية القائمة على الأرض.
ويرى دسوقي أن شكوكاً إقليمية ودولية قوية باتت مقتنعة بوجود علاقة بين قادة الجيش وفلول النظام السابق من الإسلاميين، هي التي تدفعه إلى التمسك بمواصلة الحرب بما يؤمن لها انتصاراً قد يعيدها إلى السلطة، وهي ذاتها التي تدفع بعض الراغبين في دعم الجيش السوداني إلى خانة التردد من دعم عودة الإسلاميين إلى الحكم عبر بوابة الجيش.
الأرض الصديقة
من جانبه يرى المحلل العسكري، اللواء معتصم العجب، عضو تجمع قدامى المحاربين السودانيين، أن التقدم والمكاسب التي تحققها قوات "الدعم السريع" في دارفور سببه وجودها وسط حاضنتها الاجتماعية الممتدة حتى غرب كردفان، حيث تتمركز معظم قبائل مكونات تلك القوات العربية هناك، فضلاً عن معرفتهم الجغرافية اللصيقة بتلك المناطق ومداخلها ومخارجها في ما يعرف بـ"الأرض الصديقة".
ويعتبر العجب أن انقطاع الإمدادات الشحيحة أصلاً عن حاميات الجيش في دارفور إما بسبب الحصار وقطع طرق الإمداد أو لعدم إرسالها من الأساس، لا سيما الذخيرة والمؤن وغيرها من التجهيزات العسكرية المختلفة، كان سبباً أساسياً في انسحاباتها المتتالية، في وقت تتمتع فيه قوات "الدعم السريع" بسلاسل إمداد من بعض الدول العربية والأفريقية عبر مطار أم جرس، تصل بكميات كافية وبالسرعة المطلوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فعالية الأسلحة
يشير عضو قدامى المحاربين إلى أن أسلحة الجيش الأساسية (الطيران، المدرعات والمدفعية) فقدت كثيراً من فعاليتها في حرب المدن والعصابات، كما لم تكن الغارات الجوية بالفعالية الكافية لوقف قوافل إمداد "الدعم السريع" عبر الحدود والصحراء.
إضافة إلى ضعف التحضير والتجهيز لهذه الحرب من جانب الجيش، فقد كان يعتمد بالأساس على قوات "الدعم السريع" كقوات للمشاة أوكلت لها مهام مواجهة الحركات المسلحة المتمردة وقتذاك، وبذلك اكتسبت التجهيزات والتدريب والممارسة والخبرة خلال السنوات الـ10 الأخيرة، ترافق مع ذلك تقلص دور قوات المشاة في الجيش ولم تعد كافية بذهاب "الدعم السريع".
يشير العجب إلى أن الذين ابتدروا المعركة من الجناح العسكري المرتبط بالإسلاميين كان اعتقادهم بأن أسلحة الطيران والمدفعية والمدرعات قادرة على حسم "الدعم السريع" بالسرعة اللازمة، وفاتت عليهم تقديرات ضعف فعالية تلك الأسلحة خلال حرب الشوارع والعصابات، بخاصة بعد أن ثبتت فعالية ذلك التكتيك في شل أسلحة الطيران والمدفعية والمدرعات، منوهاً بأن دخول قوات "الدعم السريع" إلى الأحياء لم يكن عملاً عشوائياً، بل كانت تسعى إلى نوعية القتال الذي تجيده وينسجم مع نوعية تسليحها وقدراتها وآلياتها العسكرية، مع استخدام خطط الحصار الطويل، وقطع الإمداد ثم الهجوم الكاسح، وهو نفسه ما حدث في نيالا والجنينة وزالنجي والضعين وكذلك في جبل أولياء.
دعم عابر للحدود
يضيف عضو قدامى المحاربين "فضلاً عن كونها مدربة وسريعة وخفيفة الحركة بعربات مجهزة ومسلحة بشكل ملائم لطبيعة مهامها، فقد نجحت قوات الدعم السريع في عزل قوات الجيش عن بعضها بعضاً بحصارها لفرقها داخل العاصمة، مع استهداف فرق الولايات لمنع الإمداد البشري عن الخرطوم".
ويتابع "لقد مكن الدعم المتعدد والمتنوع المتواصل الذي تحصل عليه قوات الدعم السريع من الخارج من آليات وذخائر وعتاد عسكري عبر الحدود المفتوحة، من المحافظة على مستوى هجماتها، ويؤمن لها إمداداً مفتوحاً، يحصلون من خلاله على عتاد متطور كالمسيرات ومضادات الطيران والدروع ومدرعات مصفحة".
ترجيح وقدرات
يعتقد العجب أنه بحسب المعلومات عن الأوضاع على الأرض ما زالت الكفة ترجح لصالح "الدعم السريع" ما لم تحدث تحولات في المعادلة العسكرية، مشيراً إلى أن حروب العصابات غالباً ما يطول أمدها وتستنزف الطرفين ومن الصعب تحقيق نصر عسكري حاسم فيها إلا إذا قرر أحد الطرفين الاستسلام أو الانسحاب من المعركة، بينما يظل الطريق الثالث حسمها بالتفاوض متاحاً للطرفين.
وتقدر تقارير منظمات دولية عدد قوات الجيش السوداني بنحو 205 آلاف جندي، بمن فيهم النظاميون العاملون والاحتياط وشبه العسكري.
تصنف تلك المنظمات سلاح الطيران السوداني في المرتبة الـ47 عالمياً، بقوة 191 طائرة، منها 45 مقاتلة و37 هجومية و25 طائرة شحن عسكري و12 طائرة تدريب.
بحسب التصنيف تأتي القوات البرية في المرتبة الـ69 عالمياً، تضم قوته 170 دبابة، و6 آلاف و967 مركبة عسكرية، و20 مدفعاً ذاتي الحركة و389 مدفعاً مقطوراً، و40 راجمة صواريخ، فضلاً عن الأسطول البحري، واعتبر بذلك من أقوى وأكبر الجيوش في منطقة القرن الأفريقي.
وينتج الجيش كثيراً من احتياجاته العسكرية عبر هيئة التصنيع الحربي، لا سيما الذخائر المختلفة، والراجمات والمركبات المصفحة كما أنشأت الهيئة شركة "صافات" لتصنيع الطائرات، كما سبق أن أعلن الفريق عبدالفتاح البرهان، القائد العام للجيش، إنتاج طائرات (درون) قتالية مسيرة.
بين الجيش و"الدعم السريع"
بينما قدر مراقبون ومتابعون عسكريون قوات "الدعم السريع" بما بين 100 إلى 150 ألف مقاتل، منتشرين في عدة قواعد ومعسكرات في أنحاء البلاد. وتمكنت مع أسلحتها الخفيفة من امتلاك أنظمة مدفعية ومدرعات خفيفة وأرتال سيارات الدفع الرباعي من طراز "تويوتا لاندكروز" المسلحة وكذلك أنظمة اتصالات حديثة.
بينما يعود عمر القوات المسلحة السودانية التي أنشئت تحت مسمى قوات دفاع السودان إلى زهاء 100 عام مضت، وبرزت قوات "الدعم السريع" في 2003 كميليشيات قبلية لحماية القوافل التجارية، ثم ألحقت بها قوات حرس الحدود قننت في عهد عمر البشير بقانون سماها قوات "الدعم السريع" أقره البرلمان وقتها في 2013.
وطوال 10 سنوات نمت وتطورت تحت ستار من الاستقلالية وتبعية اسمية للجيش حتى باتت جيشاً موازياً، وحصلت بعلاقاتها الخارجية واستغلالها ثروات الذهب في جبل عامر بدارفور على عتاد متقدم بما فيه مصفحات ومدرعات صغيرة، لكن ما زال تنقصها الطائرات المقاتلة.