Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاستهلاك يلتهم مدخرات التونسيين في 2023

محللون يقترحون إصلاح المنظومة بتحسين مستوى الدخل بعد أن وصلت المؤشرات إلى نسب تاريخية غير كافية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي

مدخرات الأسرة تمثل 25 في المئة من المدخرات الوطنية (أ ف ب)

يعد تراجع الادخار الوطني خلال العقد الأخير في تونس أحد أهم مؤشرات الصعوبات الاقتصادية التي تواجه البلاد، بحكم تحديده لنسبة إجمال الدخل المتاح الذي لا تستخدمه الأسر في الإنفاق الاستهلاكي النهائي، وتتضح من خلاله الانعكاسات المباشرة للتضخم الذي أضر بالاقتصاد بأكمله بعد بلوغه مستويات قياسية وصلت إلى 10.4 في المئة خلال فبراير (شباط) 2023.

وتراجع الادخار الوطني من 22 في المئة عام 2010 إلى 8.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2022 و8.1 في المئة عام 2021، فيما انحدر إلى أربعة في المئة خلال 2020 وفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

وتعد تلك المعدلات متدنية، إذ إنها مدخرات غير كافية لتحقيق الانتعاش الاقتصادي المأمول، وبالتوازي بدا نسق الادخار الأسري متواضعاً للغاية على رغم زيادة نسبة الفائدة على الادخار من قبل البنك المركزي التونسي إلى سبعة في المئة منذ بداية العام الماضي.

وبلغ الادخار العائلي لدى البنوك التونسية 29.42 مليار دينار (9.58 مليار دولار) حتى أغسطس (آب) 2023 في مقابل 27.96 مليار دينار (9.1 مليار دولار) نهاية عام 2022، محققة نمواً لا يزيد على 5.25 في المئة بقيمة 1.4 مليار دينار (456 مليون دولار).

في حين تراجعت الودائع تحت الطلب إلى 27.15 مليار دينار (8.84 مليار دولار) حتى أغسطس الماضي بعد بلوغها 27.26 مليار دينار (8.87 مليار دولار) في ديسمبر (كانون الأول)2022.

وسجل الادخار السكني ارتفاعاً طفيفاً من 1.01 مليار دينار (328 مليون دولار) مع نهاية عام 2022 الى 1.05 مليار دينار (342 مليون دولار) في أغسطس 2023، في حين تطورت مدخرات التونسيين لدى مؤسسة البريد التونسي (حكومية) من 8.2 مليار دينار (2.67 مليار دولار) مع نهاية عام 2022 إلى 8.7 مليار دينار (2.83 مليار دولار) في شهر المقارنة نفسه، محققة نمواً لم يتعد 0.5 مليار دينار (162 مليون دولار).

ومع ذلك فقد الادخار كثيراً من أهميته في سلوك الأسر التونسية بعدما انهار إلى 4.39 في المئة عام 2020 ولم يتجاوز 5.16 في المئة من الناتج القومي الإجمالي 2021 و6.47 في المئة خلال 2022، وفق بيانات البنك الدولي.

الودائع المتآكلة

وفي الأثناء كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) عن تراجع معدل الادخار العائلي بأكثر من 10 في المئة خلال العقد الأخير، إذ إن مدخرات الأسرة تمثل أهم مكون في مجمل الادخار الوطني بنسبة 25 في المئة.

وتستخدم المدخرات العائلية في معظم الأحيان في شراء المساكن والاستثمارات المالية، لكن العائلة ترزح تحت مفعول هبوط الموارد وتدهور قدرتها الشرائية مع زيادة أسعار معظم السلع والخدمات، مما ترتب عليه تخصيص معظم الدخل للاستهلاك اليومي بعدما تجاوز معدل استهلاك الدخل 83 في المئة عام 2020، في مقابل 70 في المئة عام 2011.

وأشار المنتدى إلى أن تلك العوامل أثرت بصورة سلبية في الادخار في أوساط غالبية الأسر التونسية، إذ شهدت ودائع الادخار لدى البنوك نمواً ضعيفاً من 29.2 في المئة عام 2019 إلى 30.7 في المئة في 2020، بينما زادت الودائع تحت الطلب من 35.4 في المئة في 2019 إلى 38.1 في المئة في 2020، بينما انخفض مستوى الودائع لأجل من 31.4 في المئة إلى 27.7 في المئة خلال فترة المقارنة نفسها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واقترح المنتدى إصلاح منظومة الادخار لزيادة معدلاتها بتحسين مستوى الدخل بحكم أنه المحدد الرئيس للادخار من طريق الزيادة في مستوى الأجور، ثم رفع مستوى الادخار العام من خلال إصلاح ضريبي يهدف إلى زيادة الموارد الضريبية وزيادة الموارد الذاتية للدولة.

وعلاوة على دعم مدخرات البنوك باللجوء إلى سياسة نقدية ومالية قادرة على زيادة حجم الموارد المالية التي تتحصل عليها البنوك والمتأتية من ودائع الحرفاء، وهو ما من شأنه أن يعزز القدرات المالية للبنوك في ما يتعلق بتسويق خدمات الادخار المختلفة المعمول بها، إضافة إلى خلق أشكال جديدة للادخار وفقاً لسلوك المدخر التونسي، من خلال تسهيل شروط الادخار وخفض كلفة فتح حساباته أو جعلها مجانية لجذب صغار المدخرين، وكذلك الحد من انتشار السوق الموازية التي تستقطب جزءاً كبيراً من المدخرات.

وكذلك يتعين خفض أو إلغاء الضريبة على ادخار البنوك إذ تبلغ نسبة الضريبة على العائدات المتأتية من حسابات الادخار 20 في المئة، وهي نسبة مرتفعة وغير مشجعة.

واقترحت كذلك استقطاب ادخار المغتربين التونسيين من خلال تسريع الرقمنة وتطوير ممارسات رقمية جديدة، ورفع أداء مؤسسات الادخار بما يضمن توجيه المدخرات نحو الاستثمار بهدف التوظيف الاقتصادي لها.

ورأى المنتدى أنه من البديهي أن انخفاض الادخار يؤدي إلى انخفاض في الاستثمار والذي تراجع بدوره من 24.6 في المئة من الناتج القومي الإجمالي في 2010 إلى 16.3 في المئة عام 2022.

أزمة الاقتصاد الكلي

في غضون ذلك قال المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الرحيلي لـ "اندبندنت عربية" إن "مؤشرات الادخار الأسري في تونس تدل على عجز العائلة التونسية على خلق الثروة"، مضيفاً "وهي نتيجة بديهية لنسبة التضخم التي تراوحت ما بين ثمانية و10 في المئة العام الماضي، كما كانت مرتفعة خلال  الأعوام التي سبقته.

وأشار إلى أن خطورة تراجع الادخار تكمن في فقدان العائلات صمام الأمان المالي لحل إشكالات واردة على الاستهلاك في المستقبل، بعد أن أبدت قدرة على مواجهة الاستهلاك خلال الفترة الحالية.

وحول الحوافز المقدمة لدفع الادخار مثل زيادة الفائدة عليه إلى سبعة في المئة، قال الرحيلي إنها "غير مجدية في ظل غياب السيولة، بينما تجني البنوك أرباحاً مؤكدة من المدخرات على ضآلتها بحكم حصولها على سيولة مباشرة من السوق من دون اللجوء إلى اقتنائها من البنك المركزي".

وأضاف أن "الادخار أكثر أهمية من الاستثمار في ارتفاع الفائدة على المدخرات والانحسار الذي تعرفه الحركة الاستثمارية، إذ إن زيادة الفائدة الرئيسة إلى ثمانية في المئة أدت إلى عزوف المؤسسات على الاستثمار وعدم خلق الثروة بسبب نقص السيولة وارتفاع كلفة الاقتراض.

وتابع، "نتج من تراجع الاستثمار انخفاض الادخار كذلك، وكرس نقص المدخرات ندرة الاستثمارات وهو ما يطلق عليه أزمة الاقتصاد الكلي، بعد أن التهم التضخم النمو المحقق على ضآلته"، مشيراً إلى أن نقص المدخرات والعجز الاستثماري سيكون لهما تداعيات سلبية على النمو ونسب الفقر.

من جانبه اعتبر وزير المالية الأسبق في تونس حسين الديماسي انخفاض مستوى الادخار الوطني إلى أربعة في المئة تاريخياً، مضيفاً أن "الادخار العائلي يعكس الرؤية الجديدة للأسرة التونسية للادخار الذي تحول في نظرها إلى آلية غير مجدية، إذ لم يترك الاستهلاك مجالاً للادخار.

وأوضح أن "المستويات المنخفضة للمدخرات تعد انعكاساً لعوامل تمتد إلى خارج نطاق الفرد والأسرة، وتهم أصحاب المؤسسات ورؤوس أموال وما اقترن بهما من تهم تهريب الأموال إلى خارج تونس".

اقرأ المزيد